الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى

لابد مِن التحقُّق والتثبُّت قبل رمي الناس بالتُّهم، لا أن يجازف الإنسان ويأخذ غيره بالظنون والشبهات

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الخميس ١٧ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٢:٠٥ م
1111

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن أسباب النجاة بعد الإيمان بالله واليوم الآخر، العدل في معاملة الخلق، وأن يفعل المرء مع الناس ما يحب أن يفعله الناس معه؛ فلا يُقدِّم نفسه عليهم، ولا يفعل معهم ما لو فعلوه معه للامهم على ذلك أعظم اللوم.

فالعدل في معاملة الخلق دليل على كمال الإيمان وصحة الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ». (رواه مسلم).

- وبالعدل ينال العبد محبة الله تعالى، قال الله سبحانه: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. (الحجرات: 9).

- وبه تُنال الدرجات الرفيعة والمقامات العظيمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». (رواه مسلم).

- والعدل عامل أساسي في استقرار المجتمع؛ فبه تعود الحقوق إلى أصحابها، ويحصل الأمن والطمأنينة، وتسود روح العدالة وتشيع المحبة بيْن الناس، ويكون النصح والتنافس الشريف، وإن لم يكن ثَمَّ إنصاف؛ حلَّ محل ذلك الحقد والكراهية والحسد، وسادت في المجتمع روح الأنانية، ووُجدت المكائد والمؤامرات التي غالبًا ما يلجأ إليها المقهورون والحاقدون!

- ولذلك أمر الله بالعدل مع جميع الناس حتى مع المخالفين لنا في الدين، فقال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8)، وقال: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلا تَعْدِلُوا (المائدة: 8).

- بل بعد أن أمرنا الله تعالى بلزوم القسط والقيام به عمومًا في قوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ... نهانا عز وجل أن يحمِلْنا بُغض قوم على عدم العدل معهم، فقال عقب ذلك: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلا تَعْدِلُوا، ثم كرر عز وجل الأمر بالعدل تأكيدًا عليه فقال: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (المائدة: 8).

- وإذا كانت الآية الكريمة فيها هذا التنبيه العظيم على وجوب العدل والقسط حتى مع مَن نبغضهم مِن الكافرين والمجرمين؛ فكيف بضرورة ذلك مع أهل الإسلام والإخوة في الدين؟!

ولا شك أن أهل العلم والدعاة إلى الله هم أَوْلى الناس بالمعاملة بالعدل، وجمع الناس عليهم وتوقيرهم وتعظيمهم، وإعانتهم على نشر العلم والحق والتمكين لدين الله وشريعته, وليس الطعن فيهم وسوء الأدب معهم؛ مما ينفر الناس عن الاستماع لهم والانتفاع بعلمهم في وقت المسلمون فيه أحوج ما يكونون إلى مَن يُبَصِّرهم بدينهم وبعقيدتهم وعباداتهم التي تتوجه إليها سهام الليبراليين والعلمانيين مِن الطعن في الله وتشريعاته وأحكامه!

- إن حرمة المسلم عند الله عظيمة، والعدل والإنصاف يقتضيان التثبت قبل رمي مسلم بسوء واتهامه به؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...﴾ (النساء: 94).

- وقال الحسن البصري رحمه الله: «المؤمن وقَّاف حتى يتبيَّن».

- فلابد مِن التحقُّق والتثبُّت قبل رمي الناس بالتُّهم، لا أن يجازف الإنسان ويأخذ غيره بالظنون والشبهات؛ فضلاً أن يلجأ البعض إلى تشويه صورة مَن يختلف معهم بالزور والكذب!

- والعدل الذي أمرنا الله به هو سبيل النجاة والائتلاف، وهو أنجح وأنجع سلاح لرد كيد المتربصين والمفسدين؛ فبه تتحقق التقوى، وبالتقوى يتحقق النصر.

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل.

وصلِّ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com