السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإخلاص لله سبب النصر

لِكَيْ تنتصر الدعوة لا بد أن نُصلِح الظاهر والباطن، فإن الدعوة لن تنتصر بمن أحسن ظاهره، وباطنه خراب

الإخلاص لله سبب النصر
محمود قناوي
الأربعاء ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٠:٢٤ ص
2497

الإخلاص لله سبب النصر

كتبه/ محمود قناوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

وقال الله تبارك وتعالى في كتابه: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾.
والإخلاص لله تعالى: «أن يكون القصد نصر دين الله وإقامة شرعه»؛ فعن طاوس قال: قال رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزلت هذه الآية ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. (مرسل إسناده صحيح - كتاب الجهاد لابن المبارك).

فعليكم بالإخلاص لله؛ فإن الإخلاص سبب مِن أهم أسباب النصر والتمكين، كما أن الرياء سبب للهزيمة.

فأخلصوا لله وتذللوا إليه؛ فكلما زاد تذللكم لله اقترب النصر ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾، فلا تغفلوا عن الإخلاص؛ فكم غيَّـر الإخلاصُ قلوبًا قاسية، وكم مِن كلمة خرجت مِن لسان عبد مخلص كانت سببًا في هداية طاغية.
وعليكم بإصلاح الباطن والظاهر؛ فلِكَيْ تنتصر الدعوة لا بد أن نُصلِح الظاهر والباطن، فإن الدعوة لن تنتصر بمن أحسن ظاهره، وباطنه خراب، أو بمن كان وليًّا لله في الظاهر عدوًّا لله في الباطن، ولكن تنتصر بمن التزم ظاهرًا وباطنًا؛ فـ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ﴾.

قال أحد السلف:

مواعظ الواعــــــظ لا تقبل *** حتى يعيها قلبـــــــه أولا
يا قوم مَن أظلم مِن واعظ *** خالف ما قد كان في الملا
أظهر بين الناس إحسانــه *** وخالف الرحمن لما خــلا

وتأكد يا مَن تعمل في الحقل الدعوي أن العمل الصالح إن كان خالصًا لله؛ نفع الله به العباد؛ قال الإمام مالك: «ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل»، وقال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى -ناظم الشاطبية-: «لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله بها؛ لأني نظمتها لله».

فراقب نفسك دائمًا؛ فالنفس تميل إلى حب الظهور والرياء وحب المدح، وإياك أن تطمئن إلى نفسك؛ فهي أمارة بالسوء؛ فالحذر الحذر مِن الرياء؛ فإنه أخفى مِن دبيب النمل.
واعلم -أخي- أن الإخلاص أمر قلبي لا يعلمه إلا الله، لكن له علامات وأمارات، منها:

- شغل النفس بعيوبها عن عيوب المسلمين، قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: «أدركت بهذه البلدة -يعني المدينة- أقوامًا لم تكن لهم عيوب، فعابوا الناس؛ فصارت لهم عيوب، وأدركت بها أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس؛ فنُسيت عيوبهم». ولله در القائل:

لا تهتكن مِن مساوي الناس ما ستروا *** فيهتك الله سترًا مِن مساويكا
واذكـــر محاسن ما فيهم إذا ذكــــروا *** ولا تعب أحدًا منهم بما فيكــا

- ومِن علامات الإخلاص: اتهام النفس بالتقصير، وأن لا ترى لنفسك فضل على إخوانك، بل ترى إخوانك أفضل منك، وتُحسن الظن بهم، وتسيء الظن بنفسك، وقد ضرب السلف أروع الأمثلة في ذلك؛ فهذا عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائمًا، فقال: «قُتِلَ مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطَّى رأسه بدت رجلاه، وإن غطى رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقُتِلَ حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا مِن الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا مِن الدنيا ما أعطينا، وقد خشيت أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام».

وتدبَّر قول نور الدين محمود؛ لتعلم كيف كان السلف يتواضعون لله؟ فقد قال رحمه الله: «قد تعرضت للشهادة غير مرة فلم يتفق لي ذلك، ولو كان فيَّ خير ولي عند الله قيمة لرزقني الشهادة», وذكر الذهبي أنه أحضر طبق تمر للشيخ الرفاعي أحمد بن أبي الحسن، فبقي ينقي لنفسه الحشف فيأكله ويقول: «أنا أحق بالدون، فأنا مثله دون».

- ومن علامات الإخلاص: كتمان الأعمال الصالحة؛ فمن استطاع أن يكون له خبء مِن عمل صالح فليفعل.
ذكر الذهبي أن ابن محمد بن القاسم قال: «صحبت محمد بن أسلم أكثر مِن عشرين سنة لم أرَه يُصلي حيث أراه ركعتين مِن التطوع إلا يوم الجمعة، وسمعته يقول: كذا وكذا مرة يحلف: لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت».
ومِن علامات الإخلاص: أن يزول مِن القلب محبة الظهور وحب الشهرة والرياسة؛ قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
جاء في نفح الطيب: «دخل رجل على عبد الرحمن بن عفان الجزولي وهو يجود بنفسه، وكنت قد رأيته قبل ذلك معافى، فسألته عن السبب، فأخبرني أنه خرج إلى لقاء السلطان فسقط عن دابته فتداعت أركانه، فقلت: ما حملك أن تتكلف مثل هذا في ارتفاع سنك؟ فقال: حب الرياسة آخر ما يخرج مِن قلوب الصديقين».

ولله در مَن قال:

حب الرياسة يا له مِن داء *** كم فيه مِن محن وطول عناء
طلب الرياسة فت أعضاد الورى *** وأذاق طعم الذل للكبراء
إن الرياسة دون مرتبة التقى *** فإذا اتقيت علوت كل علاء

أسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في القول العمل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة