الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدعوة ومشكلة تحديد الأهداف

حدد الهدف وانطلق ولا تلتفت .. عرفت فالزم

الدعوة ومشكلة تحديد الأهداف
جمال فتح الله
الخميس ٠٨ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٠:٥٢ ص
1223

الدعوة ومشكلة تحديد الأهداف

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
الدعوة إلى الله مِن أشرف الأعمال التي يقوم بها المسلم، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، فمَن عمل بها فقد اختاره الله مِن بين ملايين البشر؛ فهي نعمة تستحق الشـكر، فقد كان الله يصطفى من الناس رسلًا وأنبياءً، وهم أطهر الناس خلقًا وأرفعهم مكانة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
والدعوة إلى الله في الوقت المعاصر تعاني مشكلات؛ منها -على سبيل المثال- تحديد الأهداف، وهذه المشكلة وقع فيها كثير من الدعاة، وبسببها ضعفت الدعوة وتبعثرت الجهود وضاعت الأوقات.
قبل أن يباشر الإنسان أي عمل من الأعمال، سواء الدنيوية منها أو الدينية، لا بُد أن يحدد الغاية منه تحديدًا دقيقًا وإلا تبعثرت الجهود، وأولى بذلك الدعاة على وجه الخصوص، والإنسان حين يحدد غايات أعماله وأنشطته ينبغي أن يتقيد بالقرآن والسنة؛ لأنها عبودية لله تعالى، وكان مِن حُسن حظ الإنسان أن الله تولى بنفسه تحديد غايات الأمور الجليلة والمهمة؛ لأن العقول البشرية ربما تضل في كثير من تحديد هذه الأهداف والغايات، وحينئذٍ تنقلب الموازين في مثل تلك الأمور الجليلة، وخاصة أمر الدعوة إلى الله، الذي أرسل اللهُ للنهوضِ به آلافًا مِن الأنبياء والرسل، وقد حدد الله غاية هذا الأمر بآيات محكمات دون أن يلقي على عاتق الإنسان عبء الاجتهاد فيه، لكن مِن المؤسف أن بعض العلماء والدعاة وربما من غير قصد، قد رَكَنَ في هذه المسألة الخطيرة إلى اجتهاده، فحدد أهدافًا وغايات من قِبل هواه، وقعدَ لها قواعد وأصبح يوالي ويعادي عليها، وربما حدد هدف الحكم في الدولة ثم لا يُوفق للسيطرة وإدارة البلاد، فينقلب عدوًا لكل الناس ويعادي الكل، وهذا خلاف منهج الأنبياء.
والسؤال: ما غاية الدعوة إلى الله من منظور القرآن؟ والجواب: قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾، والغاية من الدعوة إلى الله، في عصر الأنبياء، والعصر الحديث سواء.
أي: أن الله أرسل رسله بالبشارة والنذارة بيانًا لما يحبه ويرضاه، لئلا يبقى لمعتذر عذر يوم القيامة وفرصة للمخاصمة والاحتجاج على الله قائلًا: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾.

وتدل صيغة الجمع (رســـل) الواردة في الآية ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ على إقامة الحجة، فهي الغاية من وراء بعثة الأنبياء والرسل جميعًا من غير استثناء.
ودليل مِن السنة: قال صلى الله عليه وسلم: تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، مِن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجلِ ذلك بعث المبشرين والمنذرين. ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجلِ ذلك وعد الله الجنة.
فإقامة الحجة إذن هي غاية الدعوة إلى الله في أي زمان ومكان، ولقد بلغ الرسل جميعًا الرسالة، وأقاموا الحجة على أُممِهِم وهم يحملون في قلوبهِم الحب والشفقة لكي يفرغوه على المدعو على مهلٍ؛ فالدعوة فعل وليس رد فعل، وهداية وليست مقاومة، أما النتائج فليست في أيديهم، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، وهي هداية التوفيق ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، لكن هناك هداية في إمكان الأنبياء وأتباع الأنبياء من العلماء والدعاة، وهي هداية البيان والإرشاد، قال تعالى: ﴿وِإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وهناك هداية داخل الطريق، وهي الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، فعلى الدعاة أن يتخلقوا بهذه الأخلاق النبوية.
فماذا علينا الآن؟ هل أدَّيْنَا ما علينا تجاه البشرية، من البلاغِ وإقامة الحجة الرسالية، علينا جميعًا أن نحاسب ونراجع أنفسنا، لابُد من وقفة تأمل في تحديد الأهداف، والسعي في تنوع الأساليب، والسعي الدءوب في إيصال الحق للناس جميعًا، مع العلم ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينَ﴾ وبهذا نستجمع القوى وننظم الصفوف، ونوحد الجهود إلى هدفٍ واحد، وندفع إلى الأمامِ، تمامًا كخلية النحل والنمل، أرأيت نحلة أو نملة تسير عكس الاتجاه، لا! حدد الهدف وانطلق ولا تلتفت .. عرفت فالزم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
72 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
66 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
47 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
99 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
97 ١٩ يونيو ٢٠٢٣