السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

"تقوى - جهاد - ذِكر - قرآن" .. وصية النبي العدنان

مِن علامات قبول العمل عند الله ثبات المسلم على الطاعة وحرصه على المداومة على الخير

"تقوى - جهاد - ذِكر - قرآن" .. وصية النبي العدنان
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الخميس ٠٨ أكتوبر ٢٠١٥ - ١١:١٢ ص
1854

"تقوى - جهاد - ذِكر - قرآن" .. وصية النبي العدنان

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبعد انقضاء أيام الازدياد في الخير والبر -أيام العشر مِن ذي الحجة وأيام التشريق المعدودات- جديرٌ بنا أن نستصحب أن مِن علامات قبول العمل عند الله ثبات المسلم على الطاعة وحرصه على المداومة على الخير وعدم التأخر عنه.

وهذه وصية جامعة مِن وصايا النبي نافعة للعبد في كل أوان، ولا يستغني عنها مسلم في زمن مِن الأزمان، وهي: عن أبي سعيد الخدري: أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ مِنْ قَبْلِكَ، قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الأَرْضِ». (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

- قوله: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ»؛ لأن التقوى شاملة لخير الدارين؛ فهي تَجنـُّب كل منهي، وفعل كل مأمور، وهي بمنزلة الرأس مِن كل شيء، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة:27). ومَن حقق التقوى نال معية الله ومحبته، وظفر بكل مطلوب، وأمِن كل مرهوب، وفاز بخير الدنيا والآخرة.

- والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ (النساء: 131)، فما خلقنا إلا لنتقي الله بعبادته وطاعته.

- وقوله: «وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلامِ»؛ أي: الزم الجهاد فهو أفضل مما يتكلفه الرهبان مِن أنواع المجاهدات والانقطاع عن الدنيا والتعبد بترك الطيبات التي أحلها الله؛ فالجهاد هو الزهد والتخلي الحقيقي عن الدنيا؛ إذ لا أفضل مِن بذل النفس في سبيل الله.

ومَن عجز عن جهاد العدو باليد والمال، فإن مِن أعظم الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الأعداء بالعلم وإظهار الحق، ومجاهدة أهل الشهوات والشبهات ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 27-28).

- وقوله: «وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ»: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (الأحزاب: 41- 42). قال ابن عباس: «إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله، فقال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (النساء: 103)، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال». (تفسير الطبري). وقالت عائشة: «كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ». (رواه مسلم).

وقال النبي: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ». (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- والذكر عبادة جميع الكائنات وليس الإنسان وحده: قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾. (الإسراء: 44).

- وقوله: «وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رُوحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الأَرْضِ»؛ أي: سبب حياتك عند الله ﴿وكذلك أوحينا إليكَ رُوحًا مِنْ أمْرِنَا﴾ (الشورى: 52). وعن عقبة بن عامر أن رسول الله قال: «لَوْ كانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا أَكَلَتْهُ النَّارُ». (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)؛ أي: لو كان القرآن في إهاب -جلد لا قيمة له- لم تمسه نار جهنم إن جُعِل فيه القرآن إجلالًا له؛ فكيف تمس النار مؤمنًا هو أجلّ قدرًا عند الله مِن الدنيا وما فيها. (انظر فيض القدير).

- «وذِكْرٌ لكَ في الأرْضِ»؛ أي: شرف لك، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ (الزخرف: 44). وقال النبي: ﴿إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ﴾ (رواه مسلم).

وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com