الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أسباب النزول

أخطأ مَن زعم أنه لا طائل تحته، لجريانه مجرى التاريخ، وليس كذلك بل له فوائد:...

أسباب النزول
أحمد فريد
الاثنين ٠٢ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٦:١١ م
2253

أسباب النزول

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يقول الدكتور محمد أبو شهبة ما ملخصه:

ينقسم القرآن مِن حيث سبب النزول وعدمه إلى قسمين:

1- ما نزل ابتداءً مِن غير سبق سبب نزول خاص، وهو كثير في القرآن، وذلك مثل الآيات التي اشتملت على الأحكام والآداب.

2- ما نزل مرتبطًا بسبب من الأسباب الخاصة، وهو موضوع بحثنا الآن.

قال الزركشي ما ملخصه:

وقد اعتنى بذلك المفسرون، في كتبهم، وأفردوا فيه تصانيف، منهم علي بن المديني شيخ البخاري، ومن أشهرها تصنيف الواحدي في ذلك، وأخطأ مَن زعم أنه لا طائل تحته، لجريانه مجرى التاريخ، وليس كذلك بل له فوائد:

1- منها: وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.

2- ومنها: تخصيص الحكم به عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب.

3- ومنها: الوقوف على المعنى، قال الشيخ أبو القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز.

4- ومنها: أن يكون اللفظ عامًّا، ويقوم الدليل على التخصيص، فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع.

5- ومن الفوائد أيضًا: دفع توهم الحصر، قال الشافعي ما معناه في معنى قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) (الأنعام: 145): إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة، جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلًا لغرضهم، فكأنه يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول لا آكل اليوم إلا الحلاوة. والغرض المضادة، لا النفي الإثبات، فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه مِن الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله به، ولم يقصد حل ما وراءه، إن القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.

قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية، وهذا قد يكون مِن الشافعي أجراه مجرى التأويل، ومن قال بمراعاة اللفظ دون سببه لا يمنع من التأويل، وقد جاءت آيات في مواضع اتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها، كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر، وآية اللعان في هلال بن أمية، ونزل حد القذف في رماة عائشة رضي الله عنها، ثم تعدى إلى غيرهم.

- ومن فوائد هذا العلم: إزالة الإشكال، ففي الصحيح عن مروان بن الحكم أنه بعث إلى ابن عباس يسأله: لئن كان امرئ فرح بما أوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا، لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس: هذه الآية نزلت في أهل الكتاب، ثم تلا (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: 187) إلى قوله: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) (آل عمران: 188).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، فاستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه. اهـ.

 

طريقة معرفة أسباب النزول:

قال السيوطي: المسألة الرابعة: قال الواحدي: لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وقد قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادًا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل الله من القرآن. وقال غيره: معرفة سبب النزول فقال: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، كما أخرجه الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شراج الحرة، فقال النبي صل الله عليه وسلم: "اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك". فقال الأنصاري: يا رسول الله؛ إن كان ابن عمتك، فتلون وجهه ...الحديث. قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (النساء: 65).

وقال الحاكم في علوم الحديث: إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عن آية أنها نزلت في كذا، فإنه حديث مسند، ومشى على هذا ابن الصلاح وغيره، ومثلوه بما أخرجه مسلم عن جابر قال: "كانت اليهود تقول: مَن أتى امرأةً مِن دبرها في قبلها، جاء الولد أحول، فأنزل الله: (نِسَائُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ...) (البقرة: 222).

 

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:

قال العلامة مناع القطان رحمة الله ما ملخصه:

إذا كان السبب خاصًّا، ونزلت الآية بصيغة العموم، فقد اختلف الأصوليون العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب.

فذهب الجمهور إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة الخاص إلى نظائرها كآيات اللعان التي نزلت في قذف هلال بن أمية زوجته، فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)، غير حادثة هلال، دون احتياج إلى دليل أخر.

وهذا هو الرأي الراجح والأصح، وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة، والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة فعدوا بحكم الآيات غير صور سببها.

وذهب جماعة إلى أن العبرة بخصوص السبب، لا بعموم اللفظ، فاللفظ العام دليل على صورة السبب الخاص، ولا بد من دليل آخر لغيره من الصور، كالقياس ونحوه، حتى يبقى لنقل رواية السبب الخاص فائدة ويطابق السبب والمسبب تطابق السؤال والجواب.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة