الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الرجولة وتحمُّل الأعباء

الرجولة لها صفات ذكرها القرآن الكريم، ومِن أسماها تحمُّل المشاق والأعباء الثقيلة

الرجولة وتحمُّل الأعباء
خالد آل رحيم
الأربعاء ١١ نوفمبر ٢٠١٥ - ١١:٥٩ ص
1499

الرجولة وتحمُّل الأعباء

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لم تعرف كتب الاصطلاح لفظ الرجولة، ولكنها عرفت لفظ الرجل، والذي يُعرف لغويًّا بالذكر من البشر بخلاف المرأة، يقول الراغب: الرجل مختص بالذكر مِن الناس. واصطلاحًا: اسم الرجل موضوع للذات مِن صنف الذكور. ومِن هنا يُمكن تعريف الرجولة بأنها اتصاف المرء بما يتصف به الرجل عادة.

والرجولة لها صفات ذكرها القرآن الكريم، ومِن أسماها تحمُّل المشاق والأعباء الثقيلة كما كان الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ).

والصدق مع الله: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

وعدم انشغالهم بالعوارض عن الله تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ).

وذكر بعض المفسرين أن الرجال في القرآن على عشرة أوجه منها:

الأول: الرسل (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ).

الثاني: الصابرون من أصحاب النبى صلي الله عليه وسلم (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

الثالث: أهل قباء (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).

الرابع: المحافظون على أوقات الصلاة (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ).

الخامس: المقهورون من مؤمني أهل مكة (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ).

السادس: فقراء المسلمين (وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنْ الأَشْرَارِ).

والرجولة من صفات النبيين: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ)، (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ).

النبي ومعني الرجولة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنما سعي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته".

ومن أعلى صفات الرجولة: الإيمان بالله والصدق معه والدعوة إليه: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)، (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ).

وعن ابن عيينة وحماد بن زيد قالا: "لا تتم الرئاسة للرجال إلا بأربع؛ علم جامع، وورع تام، وحلم كامل، وحسن تدبير. فإن لم تكن هذه الأربع؛ فمائدة منصوبة، وكف مبسوطة، وبذل مبذول، وحسن المعاشرة مع الناس. فإن لم تكن هذه الأربع؛ فبضرب السيف، وطعن الرمح، وشجاعة القلب، وتدبير العساكر. فإن لم يكن فيه من هذه الخصال شيء فلا ينبغي له أن يطلب الرئاسة". اهـ.

إذن نحن في حاجة ماسة لمعنى الرجولة الحقيقية وإنزالها على الواقع المرير في تحمل المشاق والمتاعب والعمل لدين الله والدفاع عن شريعته والصدق معه؛ لننال حظًّا من ثناء الله تعالى على الرجال، ونختم بأبيات من الشعر لأبي تمام الشاعر العباسي قالها عندما قُتل محمد بن حميد الطوسي -رحمه الله- قائد جيوش الدولة العباسية مقبل غير مدبر فى بداية القرن الثالث الهجري وقد كان رجلًا بمعني الكلمة قال فيها:

كذا فليجلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ *** فليسَ لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ
توفيت الآمال بعدَ محمدٍ *** وأصبح في شغل عن السفر السفرُ

فتًى كلّما فاضت عيونُ قبيلةٍ .. دمًا ضحكت عنه الأحاديث والذكر
فتًى دهره شطرانِ فيما ينوبه *** ففي بأسهِ شطرٌ وفي جوده شطرٌ
فتًى مات بين الطعنِ والضربِ ميتةً *** تقوم مقام النصر إن فاته النصر

مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبق روضةٌ *** غداةَ ثوى إلا اشتهت أنها قبر
ثَوى في الثرى من كان يحيا به الثرى *** ويغمرُ صرفَ الدهر نائله الغمر

كأن بني نبهان يوم موته نجوم سماء *** قد حط من بينها البدر
عليكَ سلام الله وقفًا فإنني *** رأيتُ الكريم الحرَّ ليس له عمر

والله من وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة