الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضياع الأعمار بين المواقع والأخبار

لا بد من ضابط مُحكم، يشبه فرامل السيارة حتى نتوقف عن أن نضيع أعمارنا بأيدينا

ضياع الأعمار بين المواقع والأخبار
زين العابدين كامل
الأربعاء ١٨ نوفمبر ٢٠١٥ - ١١:٣٣ ص
1331

ضياع الأعمار بين المواقع والأخبار

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

لا شك أن الإنسان ابن حدثه وابن بيئته أيضًا، فهو يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، وبالأحداث التي يحياها أو التي تجري من حوله، ولكن لا بد أن يكون للإنسان نوع من السيطرة على النفس، بحيث يتعامل مع الأحداث، ولكن بالقدر المطلوب دون إفراط أو تفريط، فلا يترك الواقع بالكلية بلا تفاعل أو متابعة ويكون بمعزل عنه ولا ينغمس فيه بلا ضابط ويعيش للأحداث البيئية فقط، ولكن يجمع بين الجميع بلا تقصير أو افراط؛ لأننا في خضم هذه الأحداث والمتغيرات التي نشهدها، نرى كثيرًا من الناس، بل من أبناء التيار الإسلامي يقضون جل أوقاتهم تقريبًا بين الفضائيات ومتابعة الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، فترى شابًّا يتابع الأخبار لمدة ساعتين، ثم هو يتابع الفيس بوك لمدة ساعتين أيضًا، ثم تويتر ثم الواتس آب ثم المواقع الإخبارية، ثم تراه يناقش هذا في محادثة طويلة، ويراسل ذاك أيضًا، ثم يقوم بنشر بعض الأخبار والمواعظ التي ربما لم يطلع هو عليها قبل نشرها، وهكذا فهو يقضي ما يقرب من عشر ساعات تقريبًا في هذا النوع من المتابعة، وربما سهر بالليل أمام بعض المواقع، ثم تراه وقد ضاعت عليه صلاة الفجر في جماعة، فهذا إفراط بلا شك، نعم لا بد من المتابعة للأحداث، ولكن بقدر الحاجة، والنبي صلى الله عليه وسلم، كان يتابع أخبار الأمة المسلمة ويتقابل مع الوفود، ويسأل عن أصحابه ويتألف من حوله من الناس، ويقوم بحقوق الزوج لأمهات المؤمنين، وينزل عليه الوحي ويقيم الليل ويقرأ القرآن ويُعلم الصحابة أمور دينهم وما ينفعهم، فكان يجمع بين جميع المصالح المختلفة، أين نحن من الورد القرآني اليومي، ومِن قيام الليل والأذكار وحضور مجالس العلم والدعوة إلى الله تعالى؟ لا بد من اغتنام الأوقات في أنواع الطاعات المختلفة، فالوقت الذي يضيعه كثير منا هو مِن النعم التي سيسألنا الله عنها، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال: صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه". (رواه الترمذي)، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ". (أخرجه البخاري).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، يعني أن هذين الجنسين من النعم مغبون فيهما كثير من الناس، أي مغلوب فيهما، وهما الصحة والفراغ، وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحًا كان قادرًا على ما أمره الله به أن يفعله، وكان قادرًا على ما نهاه الله عنه أن يتركه؛ لأنه صحيح البدن، منشرح الصدر، مطمئن القلب، كذلك الفراغ إذا كان عنده ما يؤويه وما يكفيه من مؤنة فهو متفرغ .فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا فإنه يغبن كثيرًا في هذا، لأن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ، ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضره أجله، وإذا كان يوم القيامة، والدليل على ذلك قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) (المؤمنون: 99، 100) وقالَ ابن الجوزيُّ: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عَنِ الطَّاعة فهوَ المغبون، وتمامُ ذلكَ أنَّ الدُّنيا مزرعة الآخرة، وفيها التِّجارة التي يظهر ربحها في الآخرة،  فمَنْ اسْتعمل فراغه وصحَّته فِي طاعة الله فهوَ المغبوطُ. ومَنْ اسْتعملهما في معصية الله فهوَ المغبونُ؛ لأنَّ الفراغ يعقبه الشُّغل، والصِّحة يعقبها السُّقم، وقال أيضًا في صيد الخاطر: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل"؛ فاغتنام الوقت هو وصية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". (رواه الحاكم في المستدرك)، وقال سيف اليماني رحمه الله: "إن من علامة إعراض الله عن العبد؛ أن يشغله بما لا ينفعه"، وقال بعض السلف: "كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره ؟ كيف يفرح بالدنيا من يقوده عمره إلى أجله، وتقوده حياته إلى موته؟ وقال ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها"، فلا ينبغي أن نقضي أوقاتنا أمام شاشات النت ونُضيع أعمارنا ونحن في غفلة ولا ندري، فهاهي الأيام تمر والأشهر تجري وراءها، تسحب معها السنين وتجر خلفها الأعمار، ويفاجأ الإنسان بانتهاء أجله، قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: "السَّنة شجرة، والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كَانَت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجداد يوم المعاد، فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرها"، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه نظر إلى المقبرة يومًا، ثم نزل فصلى ركعتين فسُئل: هذا شيء لم تكن تصنعه؟ فقال: "ذكرتُ أهل القبور، وما حيل بينهم وبينه فأردت أن أتقرب إلى الله بهما". فأين نحن من هذه المعاني الطيبة، فلا بد لنا أن نغتنم العمر في طاعة الله تعالى، ويكفينا أن نتابع أحوال الأمة والعالم من حولنا بأقل الأوقات، فلا بد من ضابط مُحكم، يشبه فرامل السيارة حتى نتوقف عن أن نضيع أعمارنا بأيدينا، فاحذروا من ضياع الأعمار بين المواقع والأخبار. والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com