الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -4

من الأحاديث الجامعة في عذاب القبر و نعيمه

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -4
علاء بكر
السبت ٢١ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٣:٠٩ م
1354

من الإيمان باليوم الآخر

الإيمان بعذاب القبر ونعيمه (4)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

وردت الأحاديث النبوية الكثيرة في إثبات عذاب القبر ونعيمه وذكر أمور من تفاصيله، ولا شك أن في ذلك فوائد عديدة من الإيمان بما فيها، منها :

1-    الحرص على المسارعة إلى التوبة والاستقامة قبل أن يأتي الموت بغتة، قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) ( الزمر 54 ) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت 30-31). وما أعظم أن يختم للعبد بالتوبة الصادقة المقبولة، ومن صورها تعهد قول (سيد الاستغفار) في أذكار الصباح والمساء مع تيقن القلب به. قال صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). قال: (ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة). رواه البخاري .

والعصاة من المسلمين يتمنون عند الموت و بعده لو عادوا للدنيا ليتوبوا، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ. وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ( المنافقون 9-11 ) . و قال تعالى : (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (المؤمنون 100-101 ).

2-    الاستعداد لذلك بالعمل الصالح من الفرائض والمندوبات، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الميت إذا وُضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات – من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس – عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يُؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات – من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس – ما قبلي مدخل، فيقال له: اجلس فيجلس وقد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد عليه ؟ فيقول: دعوني حتى أصلي ، فيقولون : إنك ستفعل ، أخبرني عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد عليه ؟ قال: فيقول محمد، أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث –إن شاء الله - ). رواه ابن حبان .

3-    الإكثار من زيارة القبور الزيارة الشرعية، الخالية من المحرمات والبدع، مع استحضار ما ورد في عذاب القبر ونعيمه، وما يترتب على ذلك من استشعار قرب أحوال اليوم الآخر من العبد، إذ إن القبر أول منازل الآخرة. عن سفيان الثوري قال: من أكثر ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عنه وجده حفرة من حفر النار .

4-    استشعار تلك المعاني عند تشييع الميت، وما يترتب على ذلك من الإخلاص في الدعاء للميت، والإكثار من الدعاء له بالتثبيت عند السؤال .

5-    الإكثار من الدعاء للموتى لانتفاعهم بدعاء الأحياء لهم، خاصة من مات من الآباء و من صلة الرحم والأقرباء والإخوان والصالحين .

6-    تجنب ما ورد في الأحاديث من أعمال يعذب عليها الميت في قبره. وسيأتي ذكر طرفا منها .

** ومن الأحاديث الجامعة في عذاب القبر و نعيمه حديث البراء بن عازب قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثًا، فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر)، مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) ثلاثًا، ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، و حنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء، فيأخذها، (وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم)، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، و في ذلك الحنوط، فذلك قوله تعالى: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون)، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني بها- على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان – بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا -، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ  يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)، فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض، فإني (وعدتهم أني) منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فـ(يرد إلى الأرض، وتعاد روحه في جسده)، (قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا وَلَّوا عنه) (مدبرين)، فيأتيه ملكان (شديدا الانتهار) فـ(ينتهرانه) ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: و ما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدقت، (فينتهره، فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، ( أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم)، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: (وأنت، فبشرك الله بخير) من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح (فو الله ما علمتك إلا كنت سريعًا في طاعة الله، بطيئًا في معصية الله، فجزاك الله خيرًا )، ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقال هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، (فيقال: اسكن)، قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية : الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة (غِلَاظٌ شِدَادٌ)، سود الوجوه ، معهم المسوح (من النار)، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود (الكثير الشعب) من الصوف المبلول، (فتقطع معها العروق والعصب)، (فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم)، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان – بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا -، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، فيقول الله عز جل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، (ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى) فتطرح روحه (من السماء) طرحًا (حتى تقع في جسده) ثم قرأ (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)، فتعاد روحه في جسده، (قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه)، ويأتيه ملكان (شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ (فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري)، فيقولان: فما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقول: هاه هاه لا أدري (سمعت الناس يقولون ذاك! قال: فيقال: لا دريت، ولا تلوت، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، و يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، و يأتيه (وفي رواية: ويمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول (وأنت فبشرك الله بالشر) من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر! فيقول: أنا عملك الخبيث، (فوالله ما علمت إلا كنت بطيئًا عن طاعة الله، سريعًا إلى معصية الله)، (فجزاك الله شرًّا، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة! لو ضرب بها جبل كان ترابًا، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابًا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، ويمهد من فرش النار، فيقول: رب لا تقم الساعة ) .الحديث ذكره الألباني رحمه الله جامعًا كل رواياته المختلفة وزياداته عند من رواه في كتابه (أحكام الجنائز وبدعها). وممن أخرجه أبو داود والطيالسي وأحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين)، وأقره الذهبي، وقال الألباني: وهو كما قالا، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين وتهذيب السنن .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة