الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الولاء والبراء -4

وطاعة أولي الأمر مقيدة فلا يأمروا بمعصية فإن أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة

الولاء والبراء -4
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٣٠ نوفمبر ٢٠١٥ - ١١:٥٦ ص
1381

الولاء والبراء (4)

عبد المنعم الشحات

ما زلنا في الكلام على الصور التفصيلية لمعاني منها الحب والنصرة .

يقول: «ومنها الطاعة والمتابعة:

تقدم في لسان العرب: المولى: المتابع، وولي فلان فلانًا إذا تابعه».

هذا شاهد أيضًا من اللغة على أن المتابعة أحد معاني الموالاة وهي ثابتة شرعًا بما يأتي تفصيله من الأدلة التي بعدها.

يقول: «والمؤمن ولي الله في حق المطيع كما في « المصباح ».

أيضًا من الشواهد اللغوية أن الشرع يسمي المؤمن ولي الله لطاعته لله تبارك وتعالى  «فالطاعة والمتابعة من أهم معاني الموالاة التي يجب على المسلم أن يعلم لمن تكون» أي: لمن طاعته ولمن تكون متابعته وسيأتي تفصيلًا مسألة التشبه في جزئية مستقلة وهي من معاني المتابعة ولكن لأهميتها وخطورتها أفردها بالكلام .

يقول: «أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعته سبحانه وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأولي الأمر منهم وهم العلماء والأمراء الذين يقودونهم بكتاب الله فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] وطاعة أولي الأمر مقيدة بأن لا يأمروا بمعصية فإن أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة كما استفاضت الأحاديث».

إذن فهذه الفقرة اليسيرة فيها عدة معاني مهمة جدًا لابد من الانتباه إليها:

- تفسير أولي الأمر بأنهم هم العلماء والأمراء، العلماء الذين يعلمون الناس كتاب الله والأمراء الذين يسوسونهم بكتاب الله وهذه قضية مهمة جدًا لأننا نقول عندما لا يكون للمسلمين إمام فقد يكون لهم جماعة فلا تلازم بين الأمرين فما دام قد وجدت فئة من المؤمنين ويوجد فيهم من يعلمهم دين الله ويأمروهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فهذا - وإن لم تكن هذه هي الحالة المثالية- إلا أن هذه ليست هي حالة الاعتزال التي يظنها البعض أنه في هذه الحالة يعتزل ويترك الناس. يمكن أن يكون للمؤمنين جماعة مؤمنة ولا يكون ثم إمام ويكون في هذه الحال الواجب عليهم أن يطيعوا أولي الأمر منهم وهم العلماء كما بين ذلك غير واحد من أهل العلم واستفاض في ذلك إمام الحرمين في كتابه «الغياثي» فأشار هنا إلى أن أولي الأمر المأمور بطاعتهم هم العلماء والأمراء الذين يقودون الناس بكتاب الله تبارك وتعالى.

فذكرت هذه الآية من يطيعون الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأولي الأمر وبينت النصوص أن طاعة أولي الأمر مقيدة بأن تكون في المعروف فعلم من هذا أن طاعة الكفار ليست كما يجعل البعض طاعة الكفار مثل طاعة أولي الأمر من المؤمنين يقول: أطيعهم [أي: الكفار] في المعروف، لا بل لا يلتزم طاعتهم وإنما يلتزم طاعة أولي الأمر ما لم يأمروا بمعصية.

فيكون الأصل أنه يتدين إلى الله ويتقرب إلى الله بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية وأما الكفار فيتدين إلى الله بعدم طاعتهم إلا أن يدعوه إلى أمر فيه تعظيم أمر الله فهذه مسألة وتلك مسألة أخرى ولكن الأصل في أولي الأمر من المؤمنين الطاعة ما لم يأمروا بمعصية والأصل في التعامل مع الكفار أن لا يتولاهم الإنسان ومن جملة توليهم أن يرى لهم عليه طاعة فالأصل أن الإنسان لا يرى لكافر عليه طاعة ولكن إن دعاه إلى شيء فيه تحقيق مصلحة للمسلمين أجابه إليه فيجيبه إلى آحاد المسائل.

وإذا كانت طاعة أولي الأمر من المؤمنين مقيدة بأن تكون في المعروف إذن فقد  علم أن هذه أجناس من يتدين الإنسان بطاعتهم يتدين بطاعة الله -عز وجل- وهذا هو الأصل وطاعة الرسل لأنهم مبلغون عن الله لذا فإن طاعة الله وطاعة الرسول طاعة مطلقة غير مقيدة لأن الطاعة هي العبادة - كما سبق بيانه- وبالتالي فطاعته لله هي العبادة لله ومقتضى عبوديته ومقتضى ألوهية الله -عز وجل- وطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه مبلغ عن الله ولذا فقد صارت مطلقة هي الأخرى من هذه الحيثية حيثية أنه مبلغ عن الله -عز وجل-. 

وطاعة أولي الأمر مقيدة بأن لا تكون طاعتهم في معصية وأما من سوى ذلك فلا يتدين بطاعة أحد سوى هذا.

ويتدين بعدم طاعة الكافرين وأن لا يتعهد بطاعتهم ونحو هذا إذن فالآية قد أمرت بأجناس من يتدين الناس بطاعتهم وهم: الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأولي الأمر ولكن طاعة أولي الأمر مقيدة بأن تكون في المعروف.

يقول: «وطاعة أولي الأمر مقيدة فلا يأمروا بمعصية فإن أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة كما استفاضت الأحاديث «إنما الطاعة في المعروف» وأمرنا سبحانه باتباع ما أنزله، فقال ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف:3] وهو قد أنزل الكتاب والحكمة: القرآن والسنة».

إذن فهذا تأكيد لقوله تعالى : ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]

قال بعض العلماء: توجد هنا نكتة في تكرار «أطيعوا» في قوله ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فكررها مع «الله» ومع «الرسول» ولم يكررها في «أولي الأمر» وربما يكون الكلام إما أن يقول: «أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر» فلا يكرر الفعل على أساس أن كل هذه معطوفة ولكن الآية كررت أطيعوا مرتين وفي الثالثة لم تكررها فكان في إشارة إلي أن طاعة أولي الأمر ليست من جنس طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وستمر بنا - في تفسير كثير من هذه النماذج- بعض الإشارات التي يكون فيها مصادمة لمعنى الآية فلا تقبل ولا يعمل بها وبعضها قد تكون إشارات لطيفة حسنة لا تصادم معنى الآية ولكن قد لا تستقل بالدلالة لو لم يأتي الدليل الصريح.

فمثلًا هنا نقول بهذه الإشارة لوجود الأدلة الصريحة المصرحة بها فمن تَأَمُّلْ وتدبر الآية نقول أن الآية أشارت إلى معنى موجود مصرح به في مواطن أخر فلا بد هنا أخذ قضية الإشارات بنوع من الحيطة.

الحاصل أن كثير من العلماء قال أن فيها إشارة وهي نكتة مستحسنة يعني أن تكرر أطيعوا مع الله ثم مع رسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم يقال وأولي الأمر دون تكرار هذه الكلمة ففيه إشارة إلى أن طاعتهم دون طاعة الله -عز وجل- مما يؤكد هذا المعنى قوله -عز وجل- : ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف:3] والمنزل هو الكتاب والحكمة أي: القرآن والسنة فقوله: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ هي نفس معنى ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾.

قال: «وأوجب أيضًا اتباع سبيل المؤمنين ومنهجهم فقال ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء:115].

أيضًا فهذه الآية أوجبت اتباع سبيل المؤمنين وسبيل المؤمنين يشمل اتباع منهجهم الفكري واتباع طريقتهم في فهم النصوص ولذلك كان من حسن فهم الإمام الشافعي : أن جعل هذه الآية دليلًا على حجية الإجماع وتوجد أدلة مصرحة بحجية الإجماع لعل من أصرحها يعني قوله -صلى الله عليه وسلم- : «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة » فمتى أجمعت الأمة في عصر من العصور على حكم معين فقد لازم أن تكون هذه الطائفة من جملة هؤلاء المجمعين ومن ثم صار هذا دليًا على صحة هذا الأمر وذكرنا في درس الأصول أن من مناقب الشافعي : أنه أول من صنف في علم الأصول في كتابه القيم الذي كان ولا زل من مفاخر الأمة على جميع الأمم أن يوجد فيها في عصر كانت أوروبا تصفه بعصر الظلام عندها وكان عصر ظلام عندهم ولكن كان فيه عندنا هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين فهموا عن الله -عز وجل- وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا شك كتاب «الرسالة» فيه من العلم الشرعي الكثير وفيه مما أنعم الله به على الشافعي من حسن التصنيف والترتيب والاستنباط ودقة الفهم ما تفخر بها هذه الأمة على غيرها من الأمم.

فكان هو أول من تكلم في مسائل الأصول هكذا مفردة في مصنف ومنها تكلم على حجية الإجماع وكان له دقة في الاحتجاج : فاحتج على حجية الإجماع بهذه الآية هذه الآية في الواقع تشمل هذه القضية بوضوح وجلاء اتباع منهج المؤمنين وأن من خالفه فهو ضال والعياذ بالله واتباع جماعة المؤمنين في أي زمان كانوا ولذا يقول: «كان من أهم مميزات أهل السنة اتباعهم لسلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم من الأئمة لأن هذا المعنى من أسس الموالاة الإيمانية التي تجمعهم فبهذا تعلم - أخي المسلم- لمن تكون طاعتك ولمن يكون اتباعك وممن تتلقى الأوامر والنواهي وبأي مقياس تزنها فما أنزله الله في كتابه وما صح عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما أجمع عليه السلف هو ذلك الميزان الحق الذي لا يخطئ من اتبعه وأطاعه».

هذه القضية قضية اتباع منهج السلف تدخل في هذا المعنى من معاني الموالاة لأنه هو سبيل المؤمنين الذي ينبغي على كل من جاء بعدهم أن يتبعه وأن يلتزم فهمهم وأن يعمل بعملهم فهذا من معاني الموالاة.

يقول: «قال ابن كثير ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ أي: اتبعوا كتابه وخذوا سننه ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ أي: فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله قال أيضًا: «الظاهر أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء».

كما ذكرنا هذه القضية مهم جدًا أن نفهمها وينبغي علينا كما ذكرنا أنه إن لم يكن هناك جماعة للمؤمنين تتعلم دين الله تبارك وتعالى وتعمل به فيما استطاعت ولم يكن لهم إمام فطاعة علماء أهل السنة واجبة في عنق كل واحد منهم حتى يحصل ما كلفهم الله -عز وجل- به من أنواع فروض الكفايات وكثير من المنتسبين إلى السنة يطبقون حديث حذيفة في الفتن في غير موضعه وفيه أن حذيفة سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أرأيت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟!!» قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها». السؤال واضح وصريح أنه يسأل عن حال لا يكون لهم جماعة ولا إمام وهذا فيه إشارة إلى أنه إن كان لهم جماعة بلا إمام فإن هذه ليست حال اعتزال وأقصى هذه  الحال أن نقول أنها حال مسكوت عنها في حديث حذيفة فينبغي أن يأخذ حكمها من غيره إن لم نقول أن حديث حذيفة ذاته يدل على مشروعية التعاون بين أصحاب الحق والرجوع إلى أولي الأمر وهم في هذه الحالة هم العلماء فإن لم نقل أن حديث حذيفة دل عليه لأنه سأله إذا أدرك الفتن قال: «فالزم جماعة المسلمين وإمامهم» فذكر حال الجماعة والإمام قال: «أرأيت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام» قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها».

إذن فمنطوق هذا الحديث لم يتعرض لحال وجود الجماعة بلا إمام ومفهومه عند من يتأمل يجد أن الأصل لزوم الدعوة إلى الله والأصل وجوب التعاون على البر والتقوى وأن الناقل إنما جاء في حالة عدم وجود الجماعة والإمام الاعتزال فهي حال استثنائية وهذا لا يشك فيه من له أدنى فهم لكتاب الله ولسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأسرار التشريع والحكم أن الأصل هو الاجتماع والتعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا كله أصل ثم نقل عنه بقوله إجابة على سؤال: «أرأيت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟!» قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها»

هذا الحديث بمنطوقه تعرض لحالة عند وجود جماعة وإمام ثم حالة عدم وجود: لا جماعة ولا إمام، قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها».

إذن ومفهومه أن المسكوت عنه باقٍ على الأصل وهو بقاء التعاون والاجتماع ناهيك أن يكون هذا المسكوت عنه مصرح به في نصوص أخرى وأما أن يجعل هذا الحديث دليل في قضية وجود جماعة بلا إمام فهذا بعيد.

ناهيك أن  يكون من يقول هذا لا يطبق ما يدعو إليه من الاعتزال اللهم إلا أنه يعتزل أهل الحق ويعتزل مخالطة من يعينونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم يخالط أهل البدع والأهواء وأهل الدنيا في دنياهم وليس هذا هو المقصود من الحديث.

فإن كان من فهم من هذا الحديث أنه يدل على أن هذا زمان الاعتزال فليعتزل تلك الفرق كلها وليكن أول من يعتزله الدعاة على أبواب جهنم وأما أن يكون أن لا يطبقه فقط إلا على من يدعو إلى الحق وإلى اتباع منهج السلف وإلى التعاون بحسب الممكن والمستطاع. 

فقضية القدرة والاستطاعة مسألة وقضية التدين بشيء مسألة أخرى فأنت قد تدين لله -عز وجل- بوجوب التعاون على البر والتقوى ووجوب التعاون على نشر دين الله تبارك وتعالى ثم تطيق من هذا الأمر عشرات الصور فتفعلها ويأتي زمان آخر فلا تطيق إلا أحاد الصور فتفعلها فقضية القدرة والاستطاعة مسألة، وقضية التدين والاعتقاد مسألة أخرى فلو أن أحدًا عجز عن شيء ما فتركه لعجزه تختلف عن أنه لو عجز عن أمر ما فتركه فرأى عدم مشروعيته أو ادعى عدم مشروعيته  والعياذ بالله.

إذن هنا مما يدخل في هذا المعنى بل من آكد ما يدخل فيه التعاون على البر والتقوى لإقامة دين الله ولنشره لاسيما عند عدم وجود من يقوم بهذا الأمر.

يقول: «وأما طاعة الكافرين والمنافقين ومتابعتهم على الكفر والضلال والمعاصي فهذه موالاة لهم حذرنا الله منها فقال مبينًا عقوبة من يطيعهم في بعض الأمر».

 هذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فقد حذر الله من الذين أطاعوا المشركين في بعض الأمر.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 25] انظر إلى التعبير القرآني حيث يهيج النفوس إلى بغض كل صور موالاة الكافرين فيقول: احذر هذا الكلام من أن تقول لبعض الناس: «سنطيعكم في بعض الأمر»هؤلاء الذين كرهوا ما نزل الله.   

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:26، 28].

يقول: «فإذا كان هذا حال من يطيعهم في بعض الأمر فكيف بمن يكون طوع أمرهم ورهن إشارتهم نعوذ بالله من الخذلان؟!!.

وقال تعالى مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم- والخطاب لأمته».

كل خطاب في القرآن للنبي -صلى الله عليه وسلم- فالمراد به الأمة إلا أن يدل الدليل على خلاف هذا لاسيما إذا كان في أمورٍ يبعد أن يفعلها -صلى الله عليه وسلم- فيكون الخطاب لأمته أو يكون الكلام لبيان المبالغة في أنه حتى أكرم الخلق على الله -عز وجل- لو فعل هذا الأمر لعوقب من أجله.

يقول: «وقال تعالى مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم- والخطاب لأمته ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ [الإنسان: من الآية24] والآثم: هو الفاجر في أفعاله، والكفور: هو الكافر قلبه.

وقال أيضًا﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ [الأحزاب: 1-2].

قال ابن كثير: «هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى». 

لأنه نبه بالأدنى على الأعلى فيمن يطيع في بعض الأمر فما بالك بمن يطيع في كل الأمر؟!.

ثم نبه بالأعلى إذا كان الشخص الذي يفعل في أعلى الدرجات فإنه يذم على ذلك حتى وإن كان هذا ممتنع أن يفعله فكيف بمن كان هو دونه؟!. 

يقول: «فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا، فلأن يأمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى».

وقال -عز وجل- : ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثـية: 18] وبين عاقبة من يتبع أهل الكتاب وأنهم لا يرضون إلا بالكفر الصراح ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]. 

هذا لأن الشيطان يستدرج الإنسان خطوة تلو خطوة في كل أمر من الأمور فالإنسان الذي في قلبه خوف من الله وعنده تعظيم للحرمات لو يعلم مثلًا أن النظرة المحرمة ستقوده إلى الزنا لما فعل هذا لكن الشيطان يحاول أن يسهل له الأمور بأنها مجرد نظرة هذه مجرد كلمة هذه مجرد لمسة وهكذا وبعض الناس يمكن أن يقف في منتصف الطريق رحمة الله تبارك وتعالى لكن الشيطان لا يمل ما دام أن الإنسان سار معه على الطريق - إن لم تدركه رحمة الله -عز وجل-- فيوشك أن يصل إلى منتاه.

وطريقة القرآن دائما أنه يتكلم بالمآلات فهذه هي الوقاية من طريقة الشيطان ، فالشيطان ينسي الإنسان دائما النهاية هذه خطوة صغيرة وانحراف بسيط عن الطريق والشرع يعطيك الصورة الحقيقة أنها منحدرات ضخمة حتى تمضي مستقيمًا على الطريق، ويسول الشيطان لك أن تخرج شيئًا بسيطًا عن الطريق ولن تخسر شيئًا بل ستنال لذة سريعة وأنت على الطريق ولن تضرك.

فهذه في حد ذاتها عطلة فالإنسان في أمر الدنيا وهو في سباق لن يرضى بأي انحراف ولو يسير لكن الأخطر من ذلك أنها ليست عطلة يستأنف بعدها المسير على الطريق بل قد لا يرجع إليه أبدًا.

فالشرع دائمًا يخبر العباد بمآلات ما هم مقدمون عليه ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42]

فلا عذر للإنسان حينما يبين له الشرع مآلات كل ما يمكن أن يحدث له من انحرافات حتى لا يخدعه الشيطان فهو يخدعه فينخدع لأنه أعرض عن من يكشف له حيل الشيطان فمن الممكن أن يرضى الإنسان نفسه ويخدعها بأنه لا بأس بأن يرضي اليهود والنصارى بشيء من المداهنة على حساب الدين لعلهم يسكتون عنه.

فالشرع يغلق باب المساومات لأنه لو فتح فلا نهاية له فقبل أن تخدع لأي مساومة ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120] وهذه جاءت الآيات في ثنايا الكلام على تغيير القبلة واستنكار بعض اليهود حتى على بعض المسلمين لأنهم كانوا يصلون إلى بيت المقدس وهذا كان سببًا في إسكات اليهود عنهم والآن انتقل المسلمون عن قبلة بيت المقدس وفتح اليهود النيران في هذه القضية - قضية تغيير القبلة- وأثير الشبهات حول الصلاة التي كانت قبل التغيير هل قبلت أم لم تقبل؟ كما أن هناك أناس أدركوا تحويل القبلة فصلوا إلى بيت المقدس ثم صلوا إلى الكعبة فما بال من مات منكم قبل أن يصلي إلى الكعبة؟!!.

فنزل الشرع مبينًا أنه لا ينبغي للمؤمنين أن لا يخضعوا لأي محاولة مساومة على شيء من الحق وشيء مما معهم على أمل أن يَسكتوا عنهم لأنهم لن يسكتوا وضربنا في المرة السابقة أمثلة ما زالت توجد إلى يومنا هذا ماثلة أمام أعيننا فيقال: بدلوا رأيكم في قضية كذا ونقبلكم؟!.

وهكذا تجد الاتجاهات الإسلامية التي قبلت مبدأ المساومة وصلت إلى حالة وصفها الغرب بأنها تريد منهج غربي بنكهة إسلامية!!

ومع ذلك لم يقبلوا عندهم لكنه يرجع فيأخذ هذا الكلام ليقول لعوام المسلمين هؤلاء هم الذين تطالبون بالإصلاح عندكم!!. هؤلاء الذين يدعون أنهم أهل الدين ماذا بقي لهم من الدين؟!! إنما ينادون بما ننادي به!! قلنا: ديمقراطية فقالوا: ديمقراطية، قلنا: حرية المرأة فقالوا: حرية المرأة، قلنا: مبدأ المواطنة فقالوا: مبدأ المواطنة!!

إذن ماذا يردون؟ لا يريدون إلا الكراسي ما دام أنهم يريدون في النهاية نفس الذي يطبق فلماذا يخوضون حروبًا ويدعون أنهم مجاهدون بكل أنواع الجهاد ويجيشون الأمة خلفهم من أجل أن يطبقوا ما هو حاصل بالفعل ولكن يسموه إسلامي!! وواقع بعض الإسلاميين واصل إلى هذه الدرجة.

وإذا كان بعضهم وصل إلى أن يتكلم في الفن الإسلامي والغناء الإسلامي والتمثيل الإسلامي وكل هذه من الصور المحرمة حتى إن بعض هذه الأمور يحتمل أن يوجد فيها صور مباحة ولكن عنده لا فرق بين هذا وذاك.

إذن فالقضية مساومة وفي النهاية يخسر المسلم ولا يستفيد شيئًا ولذا بين الله -عز وجل- ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120] فهذا هو المآل فمن أراد أن يساوم فليعلم أن النهاية هكذا [كما أحبر الله -عز وجل-] وإما أن يأتي في نصف الطريق ويكون قد خسر الجلد والسقف لأنه سيأتي بعد فترة ويقول لا أستطيع أن أتنازل أكثر من ذلك كل هذا الذي فعلته لا قيمة له فيريد أن يرجع فلا يستطيع وإن أكمل وصل إلى أن يقبل بدينهم الباطل والعياذ بالله ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾  [البقرة:120] هذه الآية من آكد الآيات التي فيها تنبيه بالأعلى على الأدنى لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم بإجماع الأمة من الشرك ومن كبائر الذنوب والخلاف في الصغائر والجمهور على أن الأنبياء معصومون من الصغائر.

فكل ما جاء في القرآن بـصيغة الشرط من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أحد من الأنبياء لو أشرك حبط عمله ولو فعل كذا من الباطل لكان جزءوه كذا  فهذا أسلوب شرط لو فعل لكان جزءوه كذا فهو لن يفعل فلا يوجد مانع من أن يخاطب بمثل هذا  والفائدة [من توجيه الخطاب لهم مع القطع بعصمتهم من مواقعة مثل هذا الأمر] أن يعظم هذا الأمر في نفس السامع هذا الذي له منزلة عند الله وله جهاد وله حسنات ماحية هذا كله لا يقوى على هذا الذنب فالإنسان الذي له فضل وله جهاد وله منزلة عند الله هذا كله يقوى على أن يغتفر له زلاته فإذا كان حتى من كان كذلك لو فعل هذا الذنب لا يغفر له إلا أن يتوب منه ويرجع ولا يغفر له بغير توبة فهذا يدل على تعظيمه ولذا جاء الخطاب بغير هذه الصورة.

يقول: «قال الله -عز وجل-  ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 145]

فالقرآن نزل منجمًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تربية للأمة وجاء حدث تغيير القبلة  تربية للأمة حتى لا تلتف إلى أهل الباطل ولا تحاول أن تساوم  مهما اشتد الكرب والبلاء وقد حصلت المساومة في المرحلة المكية فصبر فيها -صلى الله عليه وسلم- وأبى أن يساوم بأي نوع من أنواع المساومة ولكن قدر الله -عز وجل- أن تطرح مساومة أخرى في المجتمع المدني بعد أن استقر المسلمون وصارت لهم دولة وصار يمكن أن يرد نوع من أنواع حساب المصالح والمفاسد السياسة بأن نسكت هذا الفريق ونترضاهم  وهذا مما لا يجوز أبداً  أن يكون هناك نوع من الداهنة في دين الله تبارك وتعالى.

يقول:  «والآيات في هذا كثيرة معلومة في كتاب الله والأحاديث في التحذير من متابعة أهل الكتاب متواترة ففي الصحيح: « لتتبعن سنن من كان قبلكم  شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه» قلنا: «يا رسول الله اليهود والنصارى ؟» قال: «فمن؟».

يعني إذا لم يكونوا اليهود والنصارى فمن في الدنيا غيرهم؟!! . وقال بعضهم:  «فارس والروم؟» قال: «فمن؟!» يعني من حولكم هؤلاء فارس والروم، والفرس مجوس كما هو معلوم فلما سألوا من جهة الديانات: «اليهود والنصارى؟» قال: من تخشون غيرهم؟!.

وليس الكلام محصورًا بل معناه أن الأمة إذا أصيبت بالوهن فستتبع طريقة غيرها من هؤلاء ومن هؤلاء ومن هؤلاء والعياذ بالله وأخطرهم دون شك اليهود والنصارى.

يقول:  «وها نحن نرى في زماننا تحقيق خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبحنا لا نرى عجباً أن نسمع ونقرأ من يدعوا لطاعة أهل الكفر شرقًا وغربًا ويزين للمسلمين اتباعهم في القليل والكثير والكفر والفسوق والعصيان والمظهر والجوهر ويصرح أن لا تقدم للعرب وللمسلمين إلا بأخذ ما هم عليه كله لا يترك منه شيء».

وهذا شأن دعاوى [مغرضة] كثيرة في بلاد المسلمين وإن كانت خفتت بحمد الله تبارك وتعالى لما بدأ الغزو الفكري ومحاولة أن تسلم الأمة لكل ما يأتيها من الخارج طبعًا هناك الأمة مع ضعفها كان عندها شواهد أخلاقية مثل: حجاب المرأة المسلمة يعني ترك الزنا وشرب الخمر وكانت الأمة ما زال فيها كثير من الأخلاق الإسلامية وإن كان هناك ضعف للعقيدة وهذه الأخلاق ترتبط مثلًا بالعقيدة ولم تكن بالمتانة المطلوبة فأراد هؤلاء أن يأتوا بالمنهج الغربي كاملًا ومنه جزء فلسفي معقد استطاعوا أن يروجوه على السذج حينما يتكلمون على الديمقراطية أو الاشتراكية أو على مناهج التفكير وغير ذلك  وهذه كلها أنماط رأوا أن تمريرها أمر يسير لكن لما أتوا إلى الجانب الأخلاقي وهو جانب ربط الأمة بدينها بصورة أخرى وجدوا من الصعوبة ولا يوجد إنسان مهما انحرفت فطرته يستطيع أن يقارن بين الأخلاق الفاضلة وبين الأخلاق الرذيلة فيطالب من عنده أخلاق فاضلة أن يأخذ بالأخلاق الرذيلة.

فمسألة الحجاب اخترعوا فيها أن هذا ظلم للمرأة وإعاقة للمرأة إلى أن وجدوا من يجرأ أن يقول على [بقولهم الباطل] وقد مرت بهم فترات طويلة يدعو ا إلى المناهج الغربية فلم يجدوا أحدًا من أذنابهم يتجاسر على أن يتكلم في أن التبرج والتفحش أفضل من الستر والعفاف إلى أن وجدوا، وكذلك الخمر وهي مسألة واضح جدًا إنسان يذهب عقله هل هناك امتهان  للنفس أكثر من هذا ؟!.

ناهيك عن الأضرار الطبية الأخرى فقالوا: «لن نتكلم في جزئيات لكن الواقع أن الغرب متقدم ونحن متأخرون» فرأوا أن سبب تقدم الغرب ما هو عليه برمته!! وأن الصحيح أن نأخذ كل ما هم عليه حتى القاذورات التي في بطونهم!! هكذا قالوا.

فإذا أردنا أن نتقدم فعلينا أن نأخذ المنهج الغربي كله حتى القاذورات فهو معترف أن هذه قاذورات - مع كونه لم يعترف بكثير من الأشياء الأخرى أنها قاذورات- وهذه وإن لم يمكنه أن يدافع عنها ولكن أيضًا ينبغي أن تمر.

أما الآن فمع بقاء الدعوة إلى التغريب وإلى أخذ مناهج الغرب يحاولون أن يبرروا أن كل حاجة يدعون إليها فهي نافعة بخلاف ما كانوا عليه في أول الأمر حيث يرون الطاعة إجمالية وأنه لا تقدم حتى نأخذ كل ما عند الغرب اعتمادًا على حالة الهزيمة النفسية الشديدة التي أصابت المسلمين بعد سقوط الخلافة وكانت الأمة في حالة شديدة من الضعف والتفكك وكانت حالة أقرب إلى حالة أنه ليس لهم جماعة ولا إمام.

فجاء هؤلاء يحاولون أن يغترفوا إذ الأمر سهل ولا يحتاج أن يناقش القضايا قضية قضية فالحصون مفتحة والهجمات شرسة فكانت الدعوة إلى أخذ منهج الغرب جملة ولكن الله تبارك وتعالى منَّ على هذه الأمة رغم أن الضعف المادي ما زال موجود إلا أن الأمة لجأت إلى الله -عز وجل- وإلى دينه واعتزت بعزة الله لها.

وصار من يمن الله عليه بالالتزام من أبناء المسلمين يشعر بالعزة مع أن الحالة المادية لم تتغير لكن شعوره بأنه يحمل منهج بهذا السمو وبهذه الرفعة وأنه مطلوب منه أن يحمله إلى كل الدنيا وأنه صاحب رسالة إلى كل الدنيا [كان سبب خفوت دعوات التغريب لما يحمله من العزة والسمو والترفع عن متابعة الكافرين].

وهذا هو الذي يزعج الكفار شرقًا وغربًا أن هذه الأمة لها حيويتها الذاتية وإن كان في محاولات لهذا الاتجاه [لصرف المسلمين عن دينهم] فهم ابتدءًا شبه مُسَلِّمِينَ بأن هذه المحاولات ستفشل لأن التدين عزة وتميز ورسالة تحمل إلى الدنيا هذه طبيعة الإسلام ولن يستطيعوا أن يحركوه إلى أن يصير علاقة شخصية بين العبد وربه كما حرفوا غيره من قبل.

كما عندهم الآن نوع من أنواع التعايش السلمي بعد معارك ضارية بين الدين والعلم وأصبح آخر وضعه عندهم أن الدين إذا كان سيلتزم بحدوده يأتي وليس العكس، فالدين هو الذي يقيد بالإطار العام الذي ارتضاه المجتمع!! ولذلك تعجب عندما يقولون أن البلاد الفلانية متشددون وأن الحاكم الفلاني متدين جدًا وأنه يخرج في كل آرائه عن قناعات دينية لأجل ذلك يحارب المسلمين في كل مكان وبعد ذلك قالوا له: البرامج الإباحية في التلفزيون فقال: من لا يريد مشاهدتها فليضغط على الرز لا أستطيع أن أصادم الحريات!!.

لأن هذا مفهوم التدين عندهم فأنت قد تشعر بنوع من أنواع الازدواجية كيف يقال متدين وأنه ملأ الدنيا ويقيم حروبًا تصل إلى مليارات الدولارات لكي يحارب حروبًا صليبية ضد المسلمين ويقولون له: حارب الإجهاض فلا يسمع لذلك، ويقال له عن المواد الإباحية الذي لا يريد مشاهدتها فليضغط على الرز وهذا ما أصنعه في بيتي!! ثم تبرز الجرائد هذا الكلام لأن هذا هو مفهوم التدين عندهم.

فالدين يأتي في إطاره يلتزم بحدوده التي رسمت له هم يتمنون أن المسلمين يقدموا هذا المشروع وبعض المسلمين قدموه ففرحوا بذلك وعلموا أن هناك مسلمين عندهم استعداد ليشرحوا للمسلمين أن دينهم يصلح أن يكون كذلك فقال بعضهم: «لا تحاول الإسلام سيبقى كذلك ومهما استجاب بعض المسلمين وقدموا تفسيرًا للدين فيظل هذا تفسير خاطئ تأباه نصوص القرآن ونصوص السنة وسيظل الجهاد موجودًا في كل سورة من سور القرآن وستظل كراهة المسلمين موجودة في كل سورة من سور القرآن وسيظل الإسلام مسيطرًا على كل حياة المسلم موجود في كل سور القرآن فلا تحاولوا أن تظفروا من بعض الإسلاميين بمشروع إسلامي.  وسيعلم كل طفل أن هذا المشروع صغير يتعلم الإسلام فسيعرف أن هذا مناقض للإسلام.    

فبعض المفكرين منهم وإن كانوا قالوا كلمة حق لكنهم يرون لا مجال المساومات وللاتفاقات وإنما هي الحرب الضروس لا حل آخر غير هذا لأن هؤلاء مهما حاولتم وما زال دينهم موجودًا وقرآنهم لم يحرف فمهما أعطوا من وعود ومهما قدم لهم من فهم خاص فسيرفضه بقية المسلمين عندما يتعلمون وسيتعلمون في يوم من الأيام ما زال هناك من يتعلم القرآن والسنة وبقيا موجودين كما هما لم يتغيرا فلا يكون هناك أمل أن يخرج أحدًا ويقدم الإسلام تفسيرًا جديدًا يتوافق مع الرؤية الغربية.

ومن يقدم لهم مشروع إسلام محرف فإنهم يطلبون منه أن يحذف من مشروعه الكلام الذي يصادم القرآن والسنة ففهموا القضية ووقعوا في إشكالية فهم خائفين من المسلمين وخائفين مبادئ الإسلام فأصبحوا من جهة مترددين فالناس يقولون: ليس في الإسلام ذلك، فكيف يصنعون معهم؟!

ففريق يقول أن هذا شخص يخدع نفسه وسيكتشف الناس كذبه بسهولة فيقبلها على أنها محاولة.

ويقولون إذا كان المشروع الإسلامي الذي تقدمونه مشروع إسلامي يتوافق مع الحضارة الغربية شريطة أن ينتزع منه كل  ما يصادمه فسنثق بكم!! ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة:120]

ومع ذلك كثير من الناس لا يريد أن يستوعب هذه القضية والعياذ بالله فالقضية هنا أنهم في كثير من الفترات وجد من يطالب المسلمين بأن يأخذوا المنهج الغربي على عواهنه والآن يوجد من يأتي لكل قضية من قضايا المنهج الغربي ويحاول أن يبررها، فماذا يصنع في القاذورات؟!!.

في القديم كانوا يقولون: لا بد من أخذها جميعًا، أما الجديد الآن أن يقولوا أن هذه الجوانب غير ملزمة بل يمكن أن يعطى الناس حرية الزنا مع تعريفهم أن الزنا حرام.

وهذا الأمر أضطر أن يأخذ بعض الاتجاهات الإسلامية في تركيا مثلًا لما وصلوا إلى الحكم فوجد قانونًا بتنظيم البغاء ومثل هذا القانون غير موجود في معظم الدول الأوربية فمعظم الدول الأوربية تجيز الزنا لكن تجرم البغاء وهو الزنا بمقابل وتركيا التي تمثل درجة من العلمانية المتطرفة التي لا توجد عند من اخترع العلمانية في كل جوانبها فهي تظهر المعادة الصريحة للدين أما في أوربا فليس كذلك بل في أوروبا  الحرية الجنسية في قمة الإباحية، أما تركيا فعندهم أن البغاء الذي تحرمه معظم الدول الأوربية مباح ومقنن، وعندما يحاول حزب إسلامي الوصول إلى الحكم وإلغاء قانون إباحة البغاء فمن المعلوم أن هذا أمر شبه مستحيل.

فالمقابل أنهم سيحاولون مع الذين يريدون استصدار التصريح الذي يصدر في النهاية من جهة تخضع للرئيس الوزراء الإسلامي الذي ينادي بالإسلام أن يقنعوهم بالعدول عن ذلك أو أن يجدوا لهم عملًا مباحًا، وإذا أصروا على ذلك فسيأخذون التصريح وهذا الذي طبق ولم يصلح غيره ومع هذا كله وقع ما وقع كما هو معروف.

إذن القضية هنا أن بعض الناس يقول أحيانًا: نقبل بالمنهج الغربي وما يخالفه  ندعو الناس إليه ما الذي جعلك تجيزه ابتدءًا ؟!!.

هل في دين الله تبارك وتعالى تمكين العاصي من المعصية؟! القضية هنا أنه يقول: لا يلزم أن يكون حرامًا ويجب أن أمنع من يفعله كما تبجح بذلك بعضهم فقال: «ليس كل ما هو حرام شرعًا يجب تجريمه قضاءً».

لو تغاضينا عن هذه الجزئية مع أن هذا من الاضطراب فكل ما هو حرام شرعًا يجب على جموع المسلمين أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فكيف يقول الممكن الذي له سلطة: أنا لست ملزمًا أن كل ما هو حرام شرعًا أن أجرمه؟!

حتى المعاصي التي فيها حدود لا يلزم تجريمها أيضًا!!

إذًا فالمقصود هنا أن القضية أنه يوجد كثيرون يدعون إلى اعتناق المنهج الغربي تحت حجج وذرائع مختلفة من شخص لآخر.

يقول: «واعلم أن طاعتهم في الكفر كفر وفي المعصية معصية مع اعتقاد أنها معصية وذنب».

هذا الموضوع يتعلق بقضية الحكم وسيأتي تفصليها إن شاء الله تعالى ولكن عمومًا نقل المؤلف عن شيخ الإسلام ابن تيمية في قضية المتبع لغيره في خلاف ما أمر الله به يقول: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين :

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعوهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعًا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر».

إذن يبدلون والتبديل هنا - هذه القضية سيأتي تفصليها- ليس أنه يكذب على الله وهذه أحدى صور التبديل بمعنى أنه يقول أن الله لم يحرم الزنا فهذا تبديل باتفاق كل العقلاء ولكن هناك صورة أخرى وهي من التبديل جزمًا ولكن البعض يقول أنها ليست بتبديل وهي أن يقول أن الله حرم الزنا ولكن هذا الحكم فاسد هذا من أنواع من الكفر المتعددة الذي يقول يجب أن نبيح الزنا أو يجوز أن نبيحه أي إما أن يقول أن الله -عز وجل- لم يحرم الزنا فهذا تكذيب لمعلوم في الدين بالضرورة وإما أن يقول أن الله حرمه ولكننا نبيحه هناك فرق في أن يقول أن الله حرمه ولكننا نبيحه؟! فإذا قيل له: «لماذا؟».

فسيجب بواحدة من أربعة كل منها كفر:

-         أن يجحد ما أنزل الله بأن يقول: إن الله لم يحرم الزنا فهذا كفر والعياذ بالله لأنه تكذيب لصريح القرآن والسنة

-         وإما أن يقول حرم الله الزنا ولكننا نبيحه نقول لأن المصلحة والحكمة في  إباحته وتحريمه مفسدة لأنه يقول أن حكم غير الله أحسن من حكمه وهذا كفره ظاهر.

–       أو أن يقول أن الإباحة فيها مصالح ومفاسد والتحريم فيه مصالح ومفاسد والأمر فيه سيان ثم يقول بإباحته فإن قيل له: لماذا تنادي بإباحته وقد حرمه الله -عز وجل-؟!!.

فيقول: كل له مزايا وله عيوب فيقول: حكم غير الله مساويٍ لحكمه، فهذا ممن يتخذه من دون الله أندادًا.

-         والحالة التي يمكن أن تشتبه على كثير من الناس هي أن يقول: الله حرم الزنا ولا تحريمه له، وهذه هي الحكمة والمصلحة ولكن لا يلزمنا أن نحرمه، فيقول أن حكم الله أحسن من حكم غيره ولكن يسعنا أن نخالف حكم الله فهذا قد جحد معلوم من الدين بالضرورة وهو وجب اتباع ما أنزل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ووجوب تحكيم شرع الله تبارك وتعالى.

فكونه يجوز مخالفة الشرع فيقول أن هذه جائزة وأفدح منها - وتنبه لأن الكلام أحيانًا يكون معسولًا- أن يقول: الزنا حرام ونحن سنقول للناس أنه حرام لكن لا يلزم أن نحرمه أو نترك من يدعو إلى فعله!!.

فأي صورة من الصور إذا بدل الحكم الشرعي فإذا قال الشرع: حرام فقال: حلال فإذا نسب هذه الصورة إلى الشرع فهو كفر، أو لم ينسبها إلى الشرع ولكن قال أن بوسعه أن يقول ذلك أو يقرر ما يخالف الشرع إما لأن هذا المخالف أحسن من الشرع أو مساوٍ للشرع أو حتى أن الشرع أحسن منه ولكنه غير ملزم ولا يوجد احتمال خامس.

فالذي يشرع أي يقول الزنا مباح وقد يكون قائل ذلك رجلًا صاحب دعوة ولا يلزم أن يكون قاضيًا بل يمكن أن يكون مفكرًا يقول: نحن ندعو إلى إباحة الزنا ومن أراد أن يزني فلا دخل لأحد في ذلك.

وكثير من مفكرين لا سلطة لهم في بلادنا وبلاد غيرنا، فالذين دعوا إلى هذه المبادئ عند الغرب مثلًا يدعون الآباء إلى عدم الحرية الشخصية للأبناء لأنه يقول في قضية كالزنا أنه ليس بحرام!! فهذا نوع  وهو كافر لأنه جحد معلومًا من الدين بالضرورة.

النوع الثاني: أن يقول أن الله حرمه لكن هذا الحكم باطل وقد أكدنا بالدراسات أنه من الأفضل أن يباح فهذا كفر بلا شك أو قال أن الأمرين سواء فكيف يكون الحكم  كذلك وقد حرمه الله -عز وجل- ؟!!  ففي ذلك نسبة الظلم إلى الله تبارك وتعالى وقد يقول:هو حرام لكن لا تحجر على حرية غيرك وليس من حقك حتى ولو كانت لديك القدرة على منع أحد بل تترك من يريد أن يفعل شيئًا أن يفعله ولك أن تلتزم بهذا أو تتدين به لكن يحرم على أحد أن يمنع أحدًا من حريته الشخصية يمكن أن تخبره أنه حرام ثم تتركه وما يفعل بعد ذلك.

فهذا يقرر مبدأ أن هذا الأمر مباح وإن كنت ترى أن هذا الأمر ديناً حرام يمكن أن يبلغ أنه حرام لكنه كعضو في المجتمع يدعو إلى إباحته فهذا كله تبديل للشرع وهذا يختلف عن الذي يزني أو الذي يدعو امرأة ليزني بها أو غير ذلك من الأمور التي تكون فيها شهوة وهو متدين بحرمة هذا الأمر وبوجوب إظهار حرمته ويفعله فهذه مسألة وتلك مسألة أخرى، وتختلف عن -كمسألة في قضية الحكم وسيأتي تفصليها- فالذي يقول أن الزنا مباح لأي مبرر كان فهذا تبديل يمكننا أن نحذف هذه المبررات كلها ونقول أن من بدل الشرعي أي قال حكمًا نظريًا - بغض النظر عن فلان أو فلانة- بأن الزنا مباح فقد بدل الحكم الشرعي.

وقد قسم الشيخ محمد بن إبراهيم : كنوع من الاستقصاء في إقامة الحجة قال أن الذي يبدل يقول لنا أربعة أشياء والأربعة نحن مستوعبون لهم ومع ذلك أن نقول المسألة كفر فهؤلاء الأنواع الستة التي ذكرها الشيخ محمد بن إبراهيم الأربعة التي سبق ذكرها والنوع الخامس أحد الأربعة الأولى لكنه يضيف إليه أنه يلزم الناس به.

والنوع السادس أحد  الأربعة الأولى لكن ليس عنده شيء مكتوب وإنما عادة قبلية لكنها تبديل، إذن فلو بدلها دون أن تكتب وصار متبعًا عند الناس  أن هذا الأمر الذي يدعو إليه أنه مباح أو هذا الأمر يحرم تبديلًا للشرع فله نفس الحكم.

إذن فالأصل أن الذي يبدل من أتى بحكم آخر [بخلاف حكم الله -عز وجل-] أما الذي لا يبدل فهو فاعل المعصية حتى ولو ذهب إلى بلد أوربية يباح فيها الزنا وهو معتقد حرمته ولم يقل أنه مباح ولم يعتقد بقلبه ولم يدعو إلى الإباحة لكن هناك بغاء فذهب إلى بيوت البغاء فهذا إذن عاصٍ، كذلك لو قاضٍ عنده أن الزنا حرام وأن عقوبته الرجم أو الجلد إذن فهذا لم يبدل - لكنه يكون مبدلًا إذا قال أنه مباح أو أنه محرم وله عقوبة غير الرجم أو الجلد- فهذا القاضي يقول بالحكم الشرعي تمامًا فيأتيه رجل قريب له فيقول: «الشهود ليسوا بعدول» يأتي إليه رجل فيدفع رشوة فيقول: «لم تثبت الجريمة» وهكذا، أو يبلغ عن وجود جريمة مكتملة الأركان حتى يضبطها هو بنفسه فلا يفعل هذا الكلام يحدث مرة أو عشرين بل ما لا يحصر من المرات فهذا لم يبدل فحكمه أنه كفر أصغر وهذا الذي قال فيه ابن القيم: «أن يخالف في قضية معينة».

فقال بعض الناس فماذا نفعل لو كانتا قضيتين؟ وليس ذلك مقصد ابن القيم فالمسألة أنها قضية معينة فالحكم ثابت والتطبيق على قضية معينة وهذا عندما يُطبَّق الحكم على وقائع القضية مع أنه يعلم جزمًا أنه منطبق وأن الشهود عدول وأن الجريمة ثابتة فلو قال ذلك  فسيقيم الحد على قريبه أو من له هوى في عدم إقامته أو من دفع له رشوة فيقول: «الشهود ليسوا بعدول» فيقول كلامًا يكون سببًا في أن يجعل التطبيق النظري على القضية التي بين يديه يحكم ببراءة المتهم الماثل بين يديه بينما هو يعلم في قرارة نفسه أن التطبيق الصحيح للحكم النظري على هذه الوقائع أن يدينه فهذا معنى: «قضية معينة» أي: أن يفعلها مرة أو أكثر إلى أي قدر هذا باختصار لأن الموضوع سيأتي تفصيله إن شاء الله تبارك وتعالى.

إذن فليس معنى  التبديل  أن يقولوا أن الله -عز وجل- حرم الزنا لكن التبديل أن يقولوا: «الزنا مباح» فهذه إحدى صور التبديل.

فالتبديل أن يأمر بإباحة شيء أمر الشرع  بتحريمه ثم يبرر هذا الأمر بأي مبرر يقوله فينسب هذه الإباحة إلى الشرع أو ينسبه إلى نفسه متهماً الشرع بالخلل أو يقول أن الأمران متساويان: الحكم الشرعي وحكم غيره أو أن يقول أن حكم الشرع أحسن ولكنه غير ملزم لكن في النهاية اختار كدعوى ناهيك عن تقنين وإلزام أن يدعو إلى حكم يخالف حكم الشرع هذا اسمه تبديل وهذا الذي يعنيه العلماء في هذا الباب.

وكل باحث منصف يطالع كلام ابن كثير وكلام الشيخ محمد بن إبراهيم وكلام العلامة الشنقيطي وكلام العلامة أحمد شاكر يتأكد أن هذا هو مقصودهم من التبديل في هذه القضية خلافًا لمن يقصر التبديل على أنه ينسب الحكم المبدل إلى الشرع والعياذ بالله.

يقول: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعوهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله»  يعتقدون تحليل ما حرم الله بأن يقولوا أن هذا حلال حتى وإن لم ينسبوه إلى الشرع يعتقدون أنه حلال  «وتحريم ما أحل الله» فالأمران سيان لذلك أشرنا قبل ذلك، والطائفة الناباتيين مثلًا فهؤلاء مبدلين لشرع الله لما رأوا قبح أكل اللحوم وهذا أيضًا من باب اتباع سنن اليهود والنصارى حتى حينما يتركون الطعام الطيب فتجد أن بعض المسلمين يتركه أيضًا.

فبعض المسلمين لا يتجاسر أن يطعن في إباحة اللحوم أو حسن هذا الأمر فيقول: أنا نباتي بطبعي لا أميل إلى أكل اللحوم فهذه قضية لكن أصل طائفة النباتيين عندهم فلسفة قائمة على تحريم أكل اللحوم وأن هذا ظلم وأن الإنسان ظالم عندما يذبح الأنعام كي يأكلها فهذا تبديل لشرع الله ومن يعتقد فهو هذا كافر لأن الله -عز وجل- أباح هذه اللحوم وامتن على العباد بها فالذي يرى أن هذه الإباحة ظلم فهو ينسب الظلم إلى الله -عز وجل- والذي يرى أنها مضرة للإنسان فهو ينسب الجهل إلى الله والعياذ بالله أما كونه أن يقول أن اللحوم ضارة الآن – وأنتبه لهذا الفرق جيدًا- بين مبدأ [حرمة] أكل اللحوم في كل زمان ومكان وقبل جنون البقر وبعد جنون البقر فهذا مبدأ عام لأن عنده أن أكل اللحوم ظلم للأنعام أو ضرر ولا يستقيم حال الإنسان إلا إذا أمسك عن أكل اللحوم فهذا ينسب إلى الله -عز وجل- الظلم والجهل والعياذ بالله. أ

ما إذا قال البعض: أن اللحوم الآن بها أمراض وأنا سأجتنبها فهذا موضوع آخر وإن كان يفضل للإنسان أن لا يغتر بدعاوى الغير لأنها تؤثر بلا شك فتجد من أنواع الوجاهة الاجتماعية لدى بعض الصحفيين أن يكتب بين الحين والآخر تذكيرًا للناس أنه نباتي كأنه رجل يترفع عما يفعله عامة الخلق وهذا كلام في غاية السذاجة.

فالمقصود هنا أن هذا نموذج لهذا الأمر الذي يعلم به أن تبديل الحكم الشرعي كفر والعياذ بالله.

يقول: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعًا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركًا وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم ، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركًا مثل هؤلاء».

كلام ابن تيمية : ليس فيه حالة من نسب ذلك إلى الدين فمعظم الكلام  أو كله تقريبًا على من اعتقد هذا - وإن لم ينسبه إلى الدين- واعتقد صحة ما قاله الغير دون ما قاله الله ورسوله.

يقول: ا«لثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحلال وتحريم الحرام * ثابتًا لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنما الطاعة في المعروف».

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية» وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه» ثم ذلك المحرم للحلال أو المحلل للحرام إن كان مجتهدًا».

 وقد تكلم عن المتبع على أنه لو قبل بالتبديل مع علمه أن هذا خلاف ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم اعتقد هذا الذي جاء به الغير فهذا كفر أكبر وإن كان يستفيد لهوى لكنه لا يبدل ولا يقول أن حكم المسألة غير الحكم الذي في الشرع فهذا شرك أصغر ومن باب أولى أن هذا الآمر أو المحرم للحلال والمحلل للحرام أيضًا قد يكون حالة من هاتين الحالتين وقد يكون حالة ثالثة وهي أن يكون مجتهدًا.

إذن فهاتان الحالتان للمتبع اللتين ذكرهما أولًا وهما من باب أولى للمحرم للحلال أو المحرم للحرام ثم حالة ثالثة محتملة لمن يقول ذلك وهو المجتهد.

يقول: «ثم ذلك المحرم للحلال أو المحلل للحرام إن كان مجتهدًا قصده اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن خفي عليه الحق في نفس الأمر وقد اتقى الله ما استطاع فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله».

إذن فالمقلد في الدين الذي يقلد إمامه تقليدًا أعمى له نصيب من هذا الشرك لماذا لم يقل أنه مشرك ؟ لأنه لم يوجد في تاريخ المسلمين - بفضل الله تبارك وتعالى مقلدين- وإن كان قد وجد مقلدون على درجة عالية جدًا من التعصب المذموم لكن لم يبلغ أحدهما مبلغ أن يقول أن إمامه يبدل ولكن يقول كل حديث لا يعلمه إمامنا فهو مؤول أو منسوخ أي: تأتي له بحديث على خلاف المذهب فيقول أكيد أن الإمام قد عرفه وعدل عنه لحكمة فلذلك قال:

«هؤلاء لهم نصيب لأنهم لم يتبعوا الغير على تبديل الشرع وإنما وقعت لديهم شبة أن هذا العالم لم يفوته شيء من الدين وبالتالي صار قوله لازمًا».

وقد وجد علماء مقلدون عبر التاريخ، لكن إذا علم المقلد العامي أن إمامه شذ في مسألة وبلغه ما يدل على هذا الشذوذ وجب عليه أن يترك مذهب الإمام.

يقول: «فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله لاسيما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد مع علمه بأنه مخالف للرسول؛ فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه».

هنا استطراد مهم جدًا خاصة في هذه الأزمان في مسألة الدخول في الأحزاب العلمانية بغرض خدمة الدين وهذا نؤجله للمرة القادمة بإذن الله تبارك وتعالى وقد نضيف إليه بعض الحواشي والتقريرات لأهمية هذه المسألة خاصة في هذه الفترة التي يطرح فيها الحل السياسي كحل وحيد أمام الإسلاميين إذا ما أردوا الاستمرار على وجه الأرض وواقع الأمر أن الله على كل شيء قدير وأن الأمور يقدرها الله -عز وجل- بحكمته وأن الإنسان لا يحاسب على النتائج وإنما يحاسب على الأسباب فإذا كان لديه أسباب فليأخذ بها والله -عز وجل- نصر رسله لاسيما محمد -صلى الله عليه وسلم- دون أن يسلك أيًا من القنوات الجاهلية التي كانت موجودة في عصره ونصر عدد كبيرًا من الدعاة عبر التاريخ بأمور من عنده لما بذلوا ما يستطيعون في نصرة دين الله تبارك وتعالى لذا فالواجب على الأمة أن تعود إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأن تدعو إلى الحق.

ولا بأس بالاستعانة بأي وسيلة مباحة ولكن من أهم شروط الإباحة أن لا يكون فيها مداهنة ولا مساومة على شيء من الحق كما سيأتي بيان هذا بإذن الله تبارك وتعالى نؤجل هذا الاستطراد للمرة القادمة بإذن الله .


* هذا نقل من «مجموع الفتاوى» والخطأ المطبعي أنه من المجموع نفسه والمفروض في الطبعة الثانية أن هناك تعليق على هذا الخطأ  عبارة شيخ الإسلام في الفتاوى أن يكون اعتقادهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال ثابتًا ـ ما دام ثابتًا الوضع الطبيعي الذي يقول عليه إذا كان اعتقادهم ثابتًا ... بتحليل الحرام وتحريم الحلال نقول إذا كان اعتقادهم بهذا ثابتًا فهذا شرك أصغر وإلا فالمفروض كان يأتي بالموضوع على الوضع الطبيعي تحريم الحلال وتحليل الحرام فهو خطأ مطبعي في «مجموع الفتاوى». [هذا كلام الشيخ في آخر هذا الشريط نقلته هنا لتعلقه بهذه النقطة]

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1567 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1708 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2035 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2038 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1671 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1431 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥