الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -5

مما بينته السنة النبوية فيما يتعلق بالموت والقبر

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -5
علاء بكر
الثلاثاء ٠١ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٥:١٢ م
1322

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه (5)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ومما بينته السنة النبوية فيما يتعلق بالموت والقبر:

-1"إن للموت لسكرات ": ففي صحيح البخاري قال- صلى الله عليه وسلم -: (إن للموت لسكرات)، وقد قال تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد). ويستثنى من وجع الموت الشهداء، قال- صلى الله عليه وسلم-: (الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة). رواه الترمذي، والنسائي، والدارمي، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب)، وقال محقق مشكاة المصابيح: إسناده حسن.

-2إن المؤمن يفرح بلقاء ربه، والكافر يكرهه، ففي صحيح البخاري، قال- صلى الله عليه وسلم-: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه الإنسان لصعق.

 -3إن القبر فظيع مملوء ظلمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشدّ منه)، وقال: (ما رأيت منظرًا قط إلا القبر أفظع منه)، رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وقال الألباني في تعليقه على المشكاة: وسنده حسن، (صحيح الجامع 1684).

 -4إن القبر إذا وضع فيه الميت يضمه ضمة، ويضغط عليه ضغطة، لا ينجو منها أحد، قال -صلى الله عليه وسلم -: (إن للقبر ضغطة، لو كان أحد ناجيًا منها لنجا سعد بن معاذ). رواه أحمد في المسند، وقال الألباني في صحيح الجامع: إسناده صحيح  (السلسلة الصحيحة 1695)، وسعد بن معاذ -رضي الله عنه- هو الذي اهتزّ لموته عرش الرحمن،وفتحت له أبواب السماء، ومع ذلك لم يسلم من هذه الضمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لقد ضم ضمة ثم فرج عنه) (صحيح الجامع 6987).

 -5إن الميت يسأل في قبره، ففي الحديث كان النبيّ- صلى الله عليه وسلم -إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل). رواه أبو داود، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وقال الألباني: وهو كما قالا، وقال النووي: إسناده جيد. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: منكر، والآخر نكير، فيقولان: ما كنت تقول: في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله...إلخ الحديث). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وحسن إسناده الألباني في تخريج السنة، (صحيح الجامع 724).

-6  "إن في القبور صورًا من العذاب للمقبورين": ففي الصحيحين أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- خرج بعدما غربت الشمس، فسمع صوتا، فقال: (يهود تعذب في قبورها). وعند مسلم في صحيحه أنه بينما النبي- صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلة له إذ حادت به – أي مالت ونفرت – فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟) فقال رجل: أنا، قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك، فقال: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا إن لا تدافنوا – أي مخافة أن لا تدافنوا – لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه). وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم -مر على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال:  بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله). وفي رواية: (وأما الآخر فيعذب في الغيبة) (صحيح الجامع 2441). وفي الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم -لميمونة مولاته: (يا ميمونة إن أشد عذاب القبر من الغيبة والبول) رواه ابن سعد.

 وعذاب القبر قد يكون دائمًا، كما قال- تعالى- في آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا ويوم القيامة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب)، وهذا في الكفار والمشركين أكثر، أو لفترات، وهذا في أصحاب الكبائر من المسلمين أكثر، والله- تعالى- أعلم.

 **- ومن أسباب عذاب القبر من الذنوب:

1- النميمة.-2  الغيبة.-3عدم الاستتار-4 التنزه من البول -كما سبق في الحديث السابق-. وفي الحديث قال- صلى الله عليه وسلم-: (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه)، رواه الدارقطني، وقال: (عامة عذاب القبر من البول) رواه ابن أبي شيبة والحاكم وأحمد. والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل. (وانظر: صحيح الجامع 2102، وصحيح الترغيب 1/153).

ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنّ معنى عدم الاستتار، أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة -أي لا يتحفظ منه - فتوافق رواية "لا يستنزه " من التنزه وهو الإبعاد. فمعنى أن أكثر عذاب القبر من البول أى بسبب ترك التحرز منه، والبول نجس اتفاقًا.

ونحن نشاهد استهانة الكثير من المسلمين، بهذه المعاصي الثلاث، مع هذا التحذير الشديد منها.

7- الغلول: وهو الأخذ من الغنائم قبل التقسيم، ففي الحديث أن غلامًا أصابه سهم فقتله، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا)، متفق عليه.

8-  جر الرجل الإزار خيلاء: ففي البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: (بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة). وفي رواية: (بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة).

9- النياحة على الميت: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) متفق عليه، وعند مسلم: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه). والمراد بالبكاء النياحة -كما في الحديث الثاني -.وهذا في حق من أوصى أهله بذلك، أو من لم يوص أهله بترك ذلك، وهو يعلم أنهم سيفعلونه - والله أعلم-.

ومن تلك الذنوب ما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض رؤياه، أن فاعليها يعذبون عليها بعد موتهم، ومنها: من تعلم القرآن ثم هجره، ونام عن الصلوات المكتوبة، والزناة والزوانى، ومن أفطر قبل تحلة صومهم من رمضان بغير عذر، ومن يسرق الحجيج، والخطباء الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، ويقولون ما لا يفعلون، ويقرأون كتاب الله ولا يعملون به. وسيأتي طرفٌ من أحاديث هذه الرؤى النبوية.

**- وينجو من عذاب القبر وفتنته بعض المؤمنين، منهم:

 -1الشهيد: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - لما سئل: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)، رواه النسائي، وصححه الألباني. وفي الحديث المرفوع قال -صلى الله عليه وسلم-: (للشهيد عند الله سبع خصال يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانا من أهل بيته) (صحيح الجامع 5182).

 -2من مات مرابطًا في سبيل الله،: قال -صلى الله عليه وسلم-: (كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله فإنه ينمي له عمله يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر)، رواه الترمذي وأبو داود، وصحّح إسناده محقِّق مشكاة المصابيح.

-3 الذي يموت في ليلة الجمعة، أو في يوم الجمعة، قال- صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر)، رواه أحمد والترمذي، وهو صحيح بمجموع طرقه أو حسن (أحكام الجنائز للألباني)، (صحيح الجامع 5773 ).

-4 من يموت بداء البطن، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره)، رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، والطيالسي، وأحمد، والترمذي وحسنه وصحح إسناده الألباني، (صحيح الجامع 6461).

5- من يتعهد قراءة سورة الملك (تبارك)، قال -صلى الله عليه وسلم-: (سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر) (صحيح الجامع 3643)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة وهي تبارك) (صحيح الجامع 3644).     

6- من يكثر من الاستعاذة بالله –تعالى- من عذاب القبر، في صلاته، وفي صالح دعائه، خاصة في الأوقات التي يرجى فيها قبول الدعاء، خاصة في سجود الصلاة في الثلث الأخير من الليل، والساعة الأخيرة من يوم الجمعة، والتوسل في ذلك الدعاء بأسماء الله –تعالى- الحسنى، خاصة اسم الله –تعالى- الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الاستعاذة من عذاب القبر، ويأمر أصحابه بذلك، وعلّمهم الاستعاذة من عذاب القبر، بعد التشهد في الصلاة، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) متفق عليه. وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر) متفق عليه. وكان يقول لهم: (استجيروا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق)، رواه الطبراني. وكان يأمرهم بالاستعاذة في الصلاة، بعد التشهد من عذاب القبر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول:  اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال). رواه مسلم. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم هذا الدعاء- كما يعلمهم السورة من القرآن: (اللهم إنّا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). الحديث صحح إسناده محقق مشكاة المصابيح.

وفي أذكار الصباح والمساء:

كان يقول -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت  (ثلاث مرات). رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي، وابن السني، وحسن إسناده ابن باز في تحفة الأخيار.

وكان -صلى الله عليه وسلم- أيضًا يقول: (ربّ أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر هذا اليوم، وشر ما بعده، ربّ أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر، ربّ أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر) رواه مسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة