الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدواء النافع

من رحمة الله عز وجل أن دل العباد على الطريق الذي يكون سببًا لرفع البلاء

الدواء النافع
إيهاب شاهين
الثلاثاء ٠٨ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٢٧ ص
1312

الدواء النافع

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل؛ فعليكم عباد الله بالدعاء". بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك أمورًا من البلاء يقدرها الله وتصيب من تشاء من عباده، وأمورًا قد يقدرها لكنها لم تنزل بعد، وكل ذلك لحكمة بليغة من الله عز وجل العليم الحكيم، فقد يبتلي الله عز وجل ليرفع درجة العبد أو يكفر خطاياه أو لينذره ليرجع عن غيه وعصيانه، كما قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، ولو تأملت في جميعها لوجدتها كلها خيرًا للإنسان، لذلك ففي تقدير الله للشر يحتوي على خيرات كثيرة، ومن رحمة الله عز وجل أن دل العباد على الطريق الذي يكون سببًا لرفع البلاء، طريق هو من أجل العبادات، ألا وهو الدعاء؛ قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"، بل إن الله عز وجل قد حث العباد على أن يدعوه بقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، بل إن الله توعد لمن لم يستجِب بالعذاب مع أنه سبحانه لا ينفعه دعاء داعٍ ولا يضره امتناعه، وإنما النفع كله يعود على العبد، لذلك قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، ألا ترى ذلك من رحمته بعباده، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن لم يسأل الله يغضب عليه"، وهذا أيضًا من العجب، فإن العادة عند البشر أنَّ مَن يلح عليك بالسؤال كثيرًا تتضجر بل ربما تفر منه، أما الله الكريم المنان فإنه يغضب على من لم يدعوه، وكما قال الشاعر:

لا تسألنَّ بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضب

لذلك كان الدعاء من أجل العبادات ومن أقوى أسلحة المؤمن، كان الصحابة عندما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء كان الوحي ينزل بقوله تعالى: (قُلْ ...)، كما قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِر قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ"، ومثيلاتها كثيرة، أما في شأن الدعاء؛ فقد قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) فلم يقل: فقل، وإنما قال: (فَإِنِّي قَرِيبٌ)، فلم يجعل الله بينه وبين عباده أية واسطة، حتى أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام؛ ليبين مكانة هذه العبادة عنده تبارك وتعالى، ولذلك كان عمر ابن الخطاب يقول: إني لا أحمل هم الإجابة؛ لأن الله تكفل بذلك بقوله: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، ولكني أحمل هَمَّ الدعاء، وهذا الذي يجب أن نهتم به، أن يخرج الدعاء بصدق وإخلاص، بتضرع وانكسار، بلا إثم ولا قطيعة رحم، وعلى العبد أن يتخيَّر أوقات الإجابة كآخر ساعة في يوم الجمعة، وعند نزول المطر وفي الثلث الأخير من الليل وبين الآذان والإقامة، وأن يبدأ بحمد الله وتمجيده والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون متوضأ مستقبل القبلة رافعًا يديه مضمومتين بذل وانكسار، فحري به وهو على هذه الحال أن يستجيب الكريم المنان.

ويكون الدعاء نافعًا بإذن الله؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل .. ومثال على نفعه مما نزل قصة نبي الله أيوب لما أصابه ما أصابه من المرض، قال بأدب جَمٍّ كما حكى الله عنه: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فكانت الإجابة مباشرة مِن الله (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ)، وكذلك لما اشتاق زكريا عليه السلام للولد، قال بخضوع تام لله تعالى (ربِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، فجاءت الإجابة مباشرة: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَة". وكذلك ينفع الدعاء مما لم ينزل، ومثاله قوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين)، ولكن قد يصيب البعض منا آفة الاستعجال، فيتعجل أمرًا قد يكون تأخيره خيرًا له، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وقال: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجِب لي"، فللدعاء مع البلاء أحوال ثلاثة؛ الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء، الثانية: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيُصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه، ولله سبحانه الحكمة في استجابته أو تأخيره، لذلك كله حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العبادة العظيمة، وقال: فعليكم عباد الله بالدعاء، فبدعاء موسى عليه السلام أصبح هارون نبيًّا، واستجاب الله دعاء موسى عليه السلام قوله: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي)، فاستجاب الله تعالى قال: (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)، فبالدعاء تتغير الموازين، فيصبح الضعيف قويًّا والقوي ضعيفًا والعزيز ذليلًا والذليل عزيزًا؛ فهلموا عباد الله إلى الدعاء؛ فهذه العبادة غير مرتبطة بليل أو نهار أو سفر أو حضر أو غنى أو فقر أو صحة أو مرض، لذك مِن العجز مَن يعجز عن الدعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعجز الناس مَن عجز عن الدعاء، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام، فلا تنسَ أن تدعو لنفسك وأبنائك وزوجك بالهداية والصلاح ولعامة المسلمين وجنبات الأرض، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن استغفر للمؤمنين وللمؤمنات؛ كُتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة".

نسأل الله تعالى أن يُفرِّج كرب المكروبين .. اللهم آمين .. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة