الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكيف أفضل من الكم

نحن والحمد لله لم نقصر وأخذنا بالممكن المتاح وأسباب النجاح

الكيف أفضل من الكم
جمال فتح الله
الخميس ١٧ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٤٥ ص
1368

الكيف أفضل من الكم

كتبه/ جمال فتح الله 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد؛
قال الله تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

قال الجزائري في تفسيره: "إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن الله تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر ينتهون إليه وهم في حر شديد وعطش شديد، ولم يأذن لهم في الشرب منه إلا ما كان من غرفة واحدة، فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمن، ومن عصى وشرب بغير المأذون به فهو الكافر، ولما وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون؛ كالبهائم إلا قليلًا منهم. وواصل طالوت السير فجاوز النهر وهو ومن معه، ولما كانوا على مقربة من جيش العدو وكان قرابة مائة ألف قال الكافرون والمنافقون: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) فأعلنوا انهزامهم، وانصرفوا فارين، وقال المؤمنون الصادقون وهم الذين قال الله فيهم: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
في هذه القصة العبر والعظات الكثيرة، من مهارة القائد واختباره للجنود لمعرفة استعدادهم للقتال والصبر عليه, وحسن توكلهم على ربهم، والكفاءة وأهم خصائصها العلم، وسلامة العقل والبدن، فضيلة الإيمان بلقاء الله، وفضيلة الصبر على طاعة الله خاصة في معارك الجهاد في سبيل الله، مشروعية الدعاء في مثل هذا الموقف، وقد دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بدر حتى سقط رداؤه، وكان إذا لاقى العدو قال: "اللهم بك أصول وبك أجول"، ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم". وعلم أصحابه ذلك، ولنا في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم العظة خاصة في بدر وأحد ومؤتة وحنين. وكذلك صفات هذه الفئة القليلة التي نجحت في الاختبار وتوكلت على الله، وتسلحت بالصبر، واستمطروا نصر الله بالدعاء، فثبتهم الله ونصرهم .
قال القشيرى في تفسيره: "ثم قال جل ذكره: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ).
كذلك الخواص في كل وقت يقل عددهم ولكن يجل قدرهم.
قوله جل ذكره: (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ).
فنظروا إلى الحال بعين الظاهر فداخلهم شيء من رعب البشرية، فربط الله على قلوبهم بما ذكرهم من نصرة الحق سبحانه لأوليائه إذا شاء.
قوله جل ذكره: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ). لا بهم ولكن بإذن الله، بمشيئته وعونه ونصرته، والله مع الصابرين بالنصرة والتأييد والقوة.
كذلك يجب أن نكون في كل المواقف، سواء في الرخاء أو الشدة، نجد الكثير من الأفاضل يعلوه الحزن والكآبة من قلة عدد النواب في مجلس النواب، وهو لا يعلم أين الخير، وهل الكثرة محمودة أم القلة؟ وهل النصر يكون مع الكثرة أم القلة؟

الناسُ ألفُ منهُم كواحدِ ** وواحد كالألفِ إن أمر عنا

نحن والحمد لله لم نقصر وأخذنا بالممكن المتاح وأسباب النجاح، وعندنا يقين راسخ أن كل شيء بقدر، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما طن ذباب بين اثنين إلا بقدر.
يقول ابن عثيمين رحمة الله: إنه لا عبرة بالكثرة، العبرة بنصر الله عزوجل، قد يكون العدد كثيرًا، ولا يكون النصر، لا سيما إذا أعجب الإنسان بكثرته,كما جرى ذلك للصحابة رضي الله عنهم في غزوة حنين، حين قالوا: لن نغلب اليوم من قلة. فأراهم الله، أن الكثرة لا تغني شيئًا.

نصيحة لنفسي ولإخواني الفضلاء وللإخوة النواب، التحلي بالصبر؛ لأن للصبر فضائل عظيمة، وإن الله تعالى يكون مع الصابر، فينصره ويؤيده ويثبته، ومن مقتضيات هذه المعية النصر، وقد تكون هذه المعية الخاصة مقيدة بأوصاف، مثل قوله تعالى: (والله مع الصابرين)، فتعم كل صابر، وكما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) فتعم كل متقٍّ وكل محسن، وهذه المعية لا تنافي أن الله تعالى فوق العرش، كذلك التحلي بقواعد الخلاف وأدبه، وأن تعلم أن المخالف لك محل دعوة، وأن نستحضر دائمًا معية الله تعالى، وأن العاقبة للمتقين، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، ولابد أن نكون دعاة بالسلوك والأخلاق والمعاملات كما أمر الله تعالى: (وقولوا للناس حسنًا).
لا نسع الناس بأموالنا، ولكن نسعهم بأخلاقنا؛ ما كان الحلم في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

أثقل شيء في الميزان يوم القيامة حسن الخلق، كذلك التدريب على المناقشات الهادفة التي تصلح المجتمع وتؤلف القلوب، دون التنازل عن الثوابت وبغير مداهنة، لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قال صلى الله عليه وسلم: "اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن"، ولا ننسَ السلاح البتار ألا وهو الدعاء، وحسن التوكل، والأخذ بالأسباب المتاحة، (ما عليك إلا البلاغ)، وننوي بهذا العمل أنه لله (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت). وفي الأخير علينا استحضار قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
57 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
59 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
40 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
90 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
94 ١٩ يونيو ٢٠٢٣