الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

روح الإسلام... التسليم والاستسلام للواحد الديان

هكذا ينبغي أن يكون حال كل مسلم مع الله ووحيه وشريعته ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم-

روح الإسلام... التسليم والاستسلام للواحد الديان
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الخميس ٢٤ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٢:٠٨ م
1306

روح الإسلام... التسليم والاستسلام للواحد الديان

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65).

فأقسم الله -تعالى- بنفسه الكريمة أنه لا يؤمن أحدٌ حتى يحكِّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأمور دون ممانعة أو منازعة، ولما كان (لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) غير كافٍ في تحقيق الإيمان؛ قال الله -تعالى- بعدها: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) فاشترط الانقياد الباطن مع الظاهر لما قضى به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبلا شكٍّ أو حرج (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فبهذا يتحقق الإيمان.

وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) (الأحزاب:36).

وقد أثنى -سبحانه- على الخليل إبراهيم؛ لاستسلامه له ومسارعته في ذلك فقال عنه: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131).

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلـِّم أمته دعوات تتضمن التربية على التسليم والاستسلام لله -تعالى-: ومِن ذلك قوله في ركوعه: (اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي)، وفي سجوده: (اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (رواه مسلم). وفي تهجده: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ... اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ... ) (متفق عليه).

وقوله عند النوم: (اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) (متفق عليه).

وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في التسليم والاستسلام لله -تعالى- ووحيه الشريف، فمِن ذلك:

- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنَادِيًا يُنَادِي: "أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ" قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ. (متفق عليه).

- وهذا معقل بن يسار -رضي الله عنه- قد زوَّج أخته لرجل، لكنه طلقها ثم ندم وجاء يخطبها مرة أخرى، فقال معقل: زوجتك وأكرمتك ثم طلقت أختي، لا والله لا ترجع إليك أبدًا، فأنزل الله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة:232). فقال معقل: "سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني، وأصله عند البخاري).

- وكذلك كان حال سلفنا الصالح: فهذا الشافعي -رحمه الله- ذكر عنه الحميدي أن رجلاً جاءه فسأله عن مسألة، فقال الشافعي: قضى فيها رسول الله كذا وكذا، فقال الرجل: وما تقول أنت؟ فقال الشافعي: سبحان الله! تراني في كنيسة، تراني في بيعة -معبد اليهود-؟ ترى على وسطي زنارًا -شعار أهل الذمة-، أقول لك قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت تقول: ما تقول أنت؟!" (ذم الكلام وأهله).

- بل مِن لطائف ما يذكر في ذلك عن أحد العوام ما ذكره أبو إسحاق الحبَّال قال: "كنا يومًا نقرأ على شيخ فقرأنا حديث النبي -عليه السلام-: (لا يدخل الجنة قتات) (متفق عليه)، وكان في الجماعة رجل عامي يبيع القت -وهو علف الدواب-، فقام وبكى وقال: أتوب إلى الله من بيع القت، فقال له الشيخ: ليس هذا القصد، لكن القتات: النمام الذي ينقل الحديث مِن قوم إلى قوم؛ فسكن الرجل، وطابت نفسه!" (تاريخ الإسلام للذهبي).

فهكذا ينبغي أن يكون حال كل مسلم مع الله ووحيه وشريعته ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور:51).

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com