الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ثقافة التبرير

نريد الشجاعة والجرأة للانتقال من التبرير إلى التفسير والاعتذار وتحديد مواطن الخلل

ثقافة التبرير
مصطفى دياب
الاثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٣٩ ص
2248

ثقافة التبرير

كتبه/ مصطفى دياب 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده ، وبعد؛ 
فى أزمنة الوهن والانكسار تظهر بين الأفراد والمجتمعات والدول ظاهرة خطيرة وهى ظاهرة (التبرير) والتبرير أصبح فنًّا الكل يُحسنه، والمشكلة أنه أصبح داءً تتوارثه الأجيال، والتبرير ببساطة هو تفسير الإنسان لسلوك أو موقف بأسباب معقولة مقبولة فى ظاهرها، ولكنها ليست الأسباب الحقيقية وراء هذا السلوك؛ فإخوة يوسف قالوا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخلُ لكم وجه أبيكم) ثم برروا لأنفسهم هذا القتل وهذا السلوك بأنهم سيكونون أفضل (وتكونوا من بعده قومًا صالحين) فالدافع للقتل ليس الوصول للصلاح، ولكن الدافع كان الحسد ليوسف عليه السلام .
وهذا الشاب الذى يدخل على المواقع الهابطة يرتكب العادات السيئة يبرر لنفسه ذلك بأن الزواج صعب وأنه يكاد يقع فى الزنا إن لم يفعل تلك العادات السيئة، وهذه المتبرجة تستمر فى تبرجها وتقول أنتظر هداية ربى .. وهذا الداعى يخفق فى أدائه ولا يحقق أهدافه ويقول إنها المؤامرة على التيار الإسلامى .. وهذا الذى يعمل فى مؤسسته الدعوية لا يؤدى ما يُطلب منه ثم يبرر ذلك بضيق الوقت، وهذا الذى يتعامل بالربا يقول: العلماء يقولون لا حرج، وهذا الطالب الفاشل فى دراسته يقول: المناهج صعبة .. الدروس طويلة .. المدرسة غير مريحة .. وهذا الوالد الذى انحرف ولده بين عينيه يقول: الشارع .. البيئة .. المدرسة .. الأصدقاء .. حتى طفل الرابعة يبحث عن مبرر ليثبت براءته من شيء لا يعرفون فاعله .
المهم ان أحدًا لا يذكر دوره وتأثيره الشخصى فى هذه النتائج وأن أحدًا لا يحب أن يقف على أخطائه ليصوبها إن إدمان التبرير أمرٌ خطير وسلوك مشين يحرم صاحبه من التَبَصُّر بحقيقة أفعاله ومراجعة أخطائه فيعود على صاحبه بمرض القلب وسوء الخُلق وتشويه السيرة وإذا أدمنا الدفاع عن السلوكيات السلبية فى ذواتنا وإيجاد التفسيرات غير الحقيقة لها فلا تقدم ولا إبداع .. ولا إصلاح فإن العقليه التى تعجز عن تغيير الواقع ومواجهة الأخطاء بجرأة هى من تتفنن فى التبرير وفى ثقافة التخلف. 
إن الذى يبحث عن مبررًا لموقف أو سلوك إنما يبحث عن عذر ليلقى بالمسئولية على غيره ولا يبحث عن حل وقد ينجح فى الوصول إلى المبررات لكنه لن يقدم حلولًا لمشكلات واقعه.
أخى الحبيب؛
التبرير هو فن إيجاد الأعذار؛ فاجعل وقت التبرير وقتًا للتفكير فى الحلول والعمل الجاد. 
يقول الدكتور عبد الكريم بكار: "لا يُثبتُ العقل قدرته وكفاءته على العمل فى مجال كما يثبتها فى مجال التعليل والتسويغ لأفعالنا ومواقفنا، والهدف من وراء التفكير التبريرى يتمثل على نحو أساسى فى التهرب من المسئولية عن التقصير فى أداء واجب أو فى التهرب من المسئولية عن عملٍ ما لا ينبغى القيام به".
أخى الحبيب؛
لا تكن كأصحاب الجنة (إذ أقسموا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصبحين . ولا يستثنون) فلما أتوا عليها مصبحين وقد تغيرت تمامًا أصاب بعضهم داء بكتريا التبرير لدرجة طمأنة أنفسهم وخداعها بأن شيئًا لم يحدث وأنها ليست حديقتهم (فلما رأوها قالوا إنا لضالون) بل إنهم ضلوا الطريق لكنهم لما تأكدوا أنها هى، كان تبريرًا آخر يلقى اللوم على الأقدار والظروف (بل نحن محرومون).
أخى الحبيب؛
كن مثل أوسطهم وابحث عن الحل وواجه الخطأ وضع يدك على مكمن الخطر وسبب الاضطراب والانهيار أو الضعف ولا تستمر فى التبرير، وقف على الأسباب الحقيقية لقصورك وإخفاقك (ألم أقل لكم لولا تسبحون) إن المشكلة فينا وليست خارجة عنا وإياك أن ترتكب حماقة التبرير للبقاء على الخطأ بل قم بتصحيح المسار فورًا (إنا كنا ظالمين) .. (إنا كنا طاغين) .. (إنا إلى ربنا راغبون) ولا تتستر على أخطائك وتقصيرك بدعوى عدم التشهير بك أو بمؤسستك فتقع فى الفشل الدائم والشعور بالدونية واحتقار الذات. 
أخى الحبيب؛
إن الناجحين والأقوياء لا يبررون لأخطائهم، ولكن يشرحون ويفسرون أسباب نجاحهم أو إخفاقهم ويجحدون دورهم الشخصى فى هذا الإخفاق ويملكون الجرأة على مراجعة مواقفهم وأخطائهم وطرح أسباب إخفاقهم للمناقشة هو عين النجاح والتقدم .
لا للتبرير .. نعم للاعتذار والتفسير. 
قال أبو الدرداء لبلال يومًا: يا بن السوداء، فلما ذهبا للنبي ﷺ قال ﷺ لأبي ذر: "أعيرته بأمه" .. وبدون تبرير قال أبو ذر: "نعم". فقال ﷺ: "إنك امرؤٌ فيك جاهلية". وخرجا من عند النبي ﷺ وطرح أبو ذر وجهه على التراب وأقسم على بلال أن يمر على وجهه حتى يرضى بلال رضى الله عنه إنها ثقافة الاعتذار لا ثقافة تبرير الأخطاء .
أيها المبرراتي .. هلا اقتديت بكعب رضي الله عنه،
كعب بن مالك تخلف عن النبى ﷺ فى غزوة تبوك وهو شاب قوى أديب بليغ وخطؤه كان واضحًا له، فلما وصل النبى -صلى الله عليه وسلم- المدينة قال كعب بن مالك: "زاح عنى الباطل" .. "فأجمعت صدقة"، "يا رسول الله؛ إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى أخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلًا".

ولئن حدثتك حديث صدق تجدُ عليَّ فيه إنى لأرجو فيه عقبى الله .. والله ما كان لي من عذر.

أخى الحبيب؛
إذا كنت بين يدى ربك يوم القيامة وسألك عن تقصيرك هل تستطيع أن تُقدِّم مبررك هذا؟! 
إننا نريد الشجاعة والجرأة للانتقال من التبرير إلى التفسير والاعتذار وتحديد مواطن الخلل ودورنا فيها لنعالج ونرتقى ونرجو عُقبى الله. 
وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
186 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
124 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
199 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
247 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
207 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
121 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١