الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس مِن قصة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- (2) (موعظة الأسبوع)

"مواصلة الدعوة واتصال المحنة"

دروس مِن قصة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- (2) (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٩ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:١١ ص
1941

دروس مِن قصة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- (2) (موعظة الأسبوع)

"مواصلة الدعوة واتصال المحنة"

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- تذكير موجز بما سبق مِن دعوته -عليه السلام- وتكذيب قومه له، ومحاولة قتله حرقًا، ونجاته مِن ذلك.

- قلة مَن استجاب لدعوة الحق: قال الله -تعالى-: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (العنكبوت:26)، وقال -عليه السلام- لزوجته سارة: (يَا سَارَةُ: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ) (رواه البخاري).

(1) هجرته -عليه السلام-:

- لم يهلك الله قوم إبراهيم -عليه السلام- كمن سبقهم لتجري سنة الهجرة مِن أرض الكفر والكافرين إلى أرض جديدة لنشر دعوة الحق والدين: قال الله -تعالى-: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) (العنكبوت:26)، (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ . رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات:99-100)، (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:71).

- الهجرة سنة الأنبياء والمؤمنين إذا علا الكفر أرضًا: ففي حديث بدء الوحي قال ورقة للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ)، قَالَ: "نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا" (متفق عليه). "هجرة أصحاب الكهف - وأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-".

- حرمة البقاء في أرض الكفر مع الفتنة في الدين: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:97)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنا بَرِيءٌ مِنْ كلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أظْهُرِ المُشْرِكِينَ لا تَرَاءَى نارُهُما) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

- عظيم أجر الهجرة للمحافظة على الدين والابتعاد عن منكرات الكافرين: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (النحل:41).

(2) محنته -عليه السلام- مع النمروذ في أرض الشام:

- مناظرة الخليل -عليه السلام- مع النمروذ الجبار الذي اغتر بماله وملكه فادعى الربوبية: قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258).

- دروس وفوائد:

1- مِن مهام الدعوة: "استعداد الداعي لمناظرة المخالفين، ولا يتأتى ذلك إلا بالعلم": (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)، (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه:114).

2- قوة قلب الداعي في مواجهة أهل الباطل على قدر التوحيد في قلبه: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنعام:81)، (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود:56)، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:26).

3- هلاك الظالمين وهوانهم على الله: ذكر المفسِّرون أن هلاك النمروذ كان بسبب ذبابة دخلت في منخره فجعلوا يضربونه على رأسه لتخرج حتى أهلكه الله! "تأمل هلاك أبي جهل على يد غلامين، بل هلاك عاد كان بالهواء الشديد، وثمود بالصوت الشديد، وقوم نوح بالماء الشديد!".

(3) محنته -عليه السلام- مع الملك الغشوم في أرض مصر:

- كأنه -عليه السلام- قد سعى بالدعوة إلى حدود بلاد مصر فسمع به هذا الملك: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ اللَّيْلَةَ بِامْرَأَةٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ ؟ قَالَ: هَذِهِ أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لا تُكَذِّبِينِي، فَإِنِّي قَدْ أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي، فَوَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ أَرْسِلْ بِهَا، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلا عَلَى زَوْجِي؛ فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ، قَالَ: فَغَطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلَيْهِ! قَالَتِ: إِنَّهُ إِنْ يَمُتْ يُقَلْ: هِيَ قَتَلَتْهُ، فَأُرْسِلَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَلْ: هِيَ قَتَلَتْهُ، قَالَ فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلا شَيْطَانًا، أَرْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا هَاجَرَ، قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ رَدَّ كَيْدَ الْكَافِرِ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً؟) (متفق عليه).

دروس وفوائد:

1- الابتلاء والمحن والشدائد سنة الله في المؤمنين: قال -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214). ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا، اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ، ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) (رواه أحمد والترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح).

2- إعمال القواعد الشرعية في حساب المصالح والمفاسد "كقاعدة ارتكاب أخف الضررين": "ضرر الاعتداء على سارة أخف مِن ضرر الاعتداء عليها وقتل إبراهيم عليه السلام - أكل الميتة أخف مِن الموت - نطق الكفر باللسان أخف مِن القتل مع اطمئنان القلب بالإيمان - بقاء الولد مع غير أمه حيًّا أخف مِن قتله، كما في قصة المرأتين اللتين مع نبي الله سليمان - وغير ذلك".

3- أدب المؤمن عند المحن والشدائد "صلاه ودعاء إبراهيم وسارة": (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى" (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أَقِمِ الصَّلاةَ يَا بِلالُ، أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

4- إكرام الله ونصره لأوليائه الصادقين: قال -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ) (متفق عليه)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق:2).

5- مع كل محنة منحة: "الرجوع بهاجر -عليه السلام-، وأم إسماعيل -بعد ذلك-، ومسببة زمزم، والسعي، وإحياء مكة، وغير ذلك مِن الخيرات".

وهذا ما يأتي عليه الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله تعالى-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة