وتوبوا إلى الله جميعًا أيها
المؤمنون لعلكم تفلحون
كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قامت بعثة الأنبياء والرسل على
دعوة الخلق والأمم إلى التوبة والرجوع إلى الله تعالى: فهذا نبي الله هود -عليه
السلام- قال لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
...) (هود: 52)، وقال نبي الله صالح -عليه السلام- لقومه: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود: 61)، وقال نبي الله شعيب
-عليه السلام- لقومه: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ
رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود:90).
بل كان أنبياء الله ورسله الكرام -عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين- يتضرعون
إلى الله -عز وجل- بأن يتوب عليهم وأن يتقبل توبتهم "وهم مَن هم في طاعة الله
والتزام شرعه"؛ فكيف بغيرهم؟!
فهذا الخليل إبراهيم ومعه ابنه الذبيح
إسماعيل -عليهما السلام- يتقربان إلى الله ببناء بيته الحرام، ويتضرعان إلى الله
-عز وجل- أن يتقبل منهما وأن يتوب عليهما: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ
الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:127-128).
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
كان مِن دعائه: "رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي".
(رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). والحوب: الذنب، أي: امح ذنبي. وقال صلى
الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سبعينَ مرَّةً". (رواه البخاري).
وقال -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا صفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين وهم
الصحابة الكرام "ومَن بعدهم": "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا
إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي
كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
وقال الله: (يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَهِ تَوْبَةً
نَصُوحًا عَسَى رَبُكُمْ أَنْ يُكَفِرَ عَنْكُمْ سَيِئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ
جَنَاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (التحريم: 8). والتوبة النصوح: يعني
الصادقة التي لا غش فيها.
ووعد الله -عز وجل- التائب بأن يبدل سيئاته له حسنات: فقال تعالى: (إِلا
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان: 70).
وأخبر -عز وجل- بمحبته للتائبين: فقال
-سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
(البقرة: 222)، ومن أحبه الله -تعالى- أحبه جبريل -عليه السلام- وأهل السماء، ثم
يُوضع له القبول في الأرض، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم.
ووعد -عز وجل- التائب بالفلاح في
الدنيا والآخرة: فقال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).
وجعل للتائبين المتاع الحسن في الدنيا
إلى أجل مسمى، والرزق الواسع، والقوة في البدن، والذرية: فقال -سبحانه-: (وَأَنِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)، (اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا .
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَارًا).
وشروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم، والعزم على عدم العودة، مع رد
الحقوق إلى أصحابها أو استسماحهم.
ومما يعين على التوبة:
أن يصبرَ الإنسان نفسه مع الرفقة
الصالحة: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ...) (الكهف: 28).
المواظبة على الطاعات والعبادات
والمبادرة إلى التوبة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
(آل عمران:135)، وقال: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
(النمل: 46).
إدامة النظر في الكتاب والسنة: قال
قتادة: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم؛ فأما داؤكم: فالذنوب، وأما
دواؤكم: فالاستغفار".
وقال الربيع بن خثيم لأصحابه:
"تدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء: الذنوب، والدواء:
الاستغفار، والشفاء: أن تتوب فلا تعود".
أن يقرأ في سِيَر الصالحين مِن الصحابة
وتابعيهم بإحسان مِن أهل العلم والإيمان.
نسأل الله -جلَّ في علاه- أن يرزقنا
توبة نصوحًا، وأن يمن علينا بالإخلاص في القول والعمل.
وصلِّ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه
وسلم.
موقع
أنا السلفي
www.anasalafy.com