الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون

قامت بعثة الأنبياء والرسل على دعوة الخلق والأمم إلى التوبة والرجوع إلى الله تعالى

وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الخميس ٠٧ يناير ٢٠١٦ - ١١:٢٤ ص
2139

وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قامت بعثة الأنبياء والرسل على دعوة الخلق والأمم إلى التوبة والرجوع إلى الله تعالى: فهذا نبي الله هود -عليه السلام- قال لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ...) (هود: 52)، وقال نبي الله صالح -عليه السلام- لقومه: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود: 61)، وقال نبي الله شعيب -عليه السلام- لقومه: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود:90).

بل كان أنبياء الله ورسله الكرام -عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين- يتضرعون إلى الله -عز وجل- بأن يتوب عليهم وأن يتقبل توبتهم "وهم مَن هم في طاعة الله والتزام شرعه"؛ فكيف بغيرهم؟! 
فهذا الخليل إبراهيم ومعه ابنه الذبيح إسماعيل -عليهما السلام- يتقربان إلى الله ببناء بيته الحرام، ويتضرعان إلى الله -عز وجل- أن يتقبل منهما وأن يتوب عليهما: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:127-128).
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان مِن دعائه: "رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي". (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). والحوب: الذنب، أي: امح ذنبي. وقال صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سبعينَ مرَّةً". (رواه البخاري).

وقال -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا صفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين وهم الصحابة الكرام "ومَن بعدهم": "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

وقال الله: (يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُكُمْ أَنْ يُكَفِرَ عَنْكُمْ سَيِئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (التحريم: 8). والتوبة النصوح: يعني الصادقة التي لا غش فيها.

ووعد الله -عز وجل- التائب بأن يبدل سيئاته له حسنات: فقال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان: 70).
وأخبر -عز وجل- بمحبته للتائبين: فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222)، ومن أحبه الله -تعالى- أحبه جبريل -عليه السلام- وأهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم.
ووعد -عز وجل- التائب بالفلاح في الدنيا والآخرة: فقال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).
وجعل للتائبين المتاع الحسن في الدنيا إلى أجل مسمى، والرزق الواسع، والقوة في البدن، والذرية: فقال -سبحانه-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)، (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).

وشروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم، والعزم على عدم العودة، مع رد الحقوق إلى أصحابها أو استسماحهم.
ومما يعين على التوبة:
أن يصبرَ الإنسان نفسه مع الرفقة الصالحة: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ...) (الكهف: 28).
المواظبة على الطاعات والعبادات والمبادرة إلى التوبة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)، وقال: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النمل: 46).
إدامة النظر في الكتاب والسنة: قال قتادة: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم؛ فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار".
وقال الربيع بن خثيم لأصحابه: "تدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء: الذنوب، والدواء: الاستغفار، والشفاء: أن تتوب فلا تعود".
أن يقرأ في سِيَر الصالحين مِن الصحابة وتابعيهم بإحسان مِن أهل العلم والإيمان.
نسأل الله -جلَّ في علاه- أن يرزقنا توبة نصوحًا، وأن يمن علينا بالإخلاص في القول والعمل.
وصلِّ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com