الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس مِن قصة نبي الله شعيب -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)

هكذا سنة الله في الظالمين على مر العصور والسنين

دروس مِن قصة نبي الله شعيب -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٦ يناير ٢٠١٦ - ١١:٥٠ ص
8343

دروس مِن قصة نبي الله شعيب -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

القصة تُظهِر اهتمام الرسالات السماوية بكل جوانب الحياة ومجالاتها، فهو مِن مقتضيات التوحيد، فالرسالات عقيدة وشريعة، وفي قصة شعيب -عليه السلام- يظهر ذلك مِن خلال التنبيه على قضية شيوع الفساد الاقتصادي، والظلم في الكيل والميزان مِن بعد قضية التوحيد.

(1) تعريف بالنبي وقومه:

- شعيب -عليه السلام- هو خطيب الأنبياء: روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "كان رسول الله إذا ذكر شعيبًا -عليه السلام-، قال: "ذاك خطيب الأنبياء" (أخرجه الحاكم في المستدرك). قيل: لفصاحته وبلاغته وعلو عبارته في دعاية قومه.

- أهل مدين كانوا عربًا يسكنون مدين التي هي قريبة مِن أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز، قريبًا مِن بحيرة قوم لوط، وكانوا في الزمان بعدهم بقليل، وقد مرَّ بها موسى -عليه السلام- عند خروجه مِن مصر: قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) (القصص:23).  

- كانوا يعبدون الأيكة: وهي شجرة، ولعلها لها صلة بالصالحين السابقين فيهم، فعبدوها بعدهم؛ قال الله -تعالى-: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:176).

- كان فيهم تخسير الكيل والميزان: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) (الأعراف:85).

- كان فيهم الظلم والجشع في المعاملات المالية المختلفة على رغم ما كانوا عليه مِن الغنى وكثرة المال: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (الأعراف:85)، (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (هود:86).

(2) دعوة شعيب -عليه السلام- لقومه:

- دعاهم إلى التوحيد: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:85).

- ذكرهم بنعمة الله عليهم وفضله: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ) (الأعراف:86). (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ) (الشعراء:184).  

- نهاهم عن تخسير الكيل والميزان، والظلم والجشع في المعاملات: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) (هود:85).

وقفة: "بيان تحريم ذلك في كل شريعة": قال الله -تعالى-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:1-6)، وقال -تعالى-: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (المائدة:100)، وقال: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة:276)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) (متفق عليه).

(3) موقف قومه من دعوته:

- الملأ كالعادة يتصدرون الحرب على الدعوة: (وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) (الأعراف:90).

- الاتهام بالبشرية و الاضطراب: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ . وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) (الشعراء:185-186).

- وأما التوحيد فردُّوه وكذَّبوا وسخروا من النبي: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا... ) (هود:87)، (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:176).

- وأما تخسير الميزان والمعاملات المحرمة فقابلوا ذلك بالسخرية: (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87).

(4) محاولة النبي -عليه السلام- هدايتهم:

- التواضع واللطف في العبارة: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) (هود:88).

- لا يحملنكم بغضي على ترك الحق: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89).

- دعوته للتحاور والمناظرة وعدم الصدام حتى يقضي الله بينهم: (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (الأعراف:87).  

(5) توعدهم وتهديدهم له وللمؤمنين:

- الرفض لأي صورة للدعوة والتهديد بالقتل: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود:91).

- القرار بالإخراج: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا...) (الأعراف:88).

- وهنا تكون المفاصلة، وأن الصبر لا يعني التنازل عن الثوابت: (قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) (الأعراف:88).  

- تحذيرهم مِن نزول العذاب: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89).

- تبجحهم واستهانتهم بعذاب الله: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (الشعراء:187).

- تضرُّع النبي ورفع شكواه إلى ربه: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف:89)، (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) (هود:93).

(6) نزول العذاب "الظلة - الصيحة - الرجفة":

- عذاب الظلة "سحابة عظيمة فيها شرر مِن نار ولهب ووهج عظيم": (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الشعراء:189).  

- عذاب الصيحة "صوت هائل أسكتهم وملأ قلوبهم رعبًا": (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) (هود:94-95).

- عذاب الرجفة "هزة أرضية مِن تحتهم أزهقت الأرواح وأخمدت الأجسام": (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (الأعراف:78).

- هكذا سنة الله في الظالمين على مر العصور والسنين: (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف:92).

- هكذا عاقبة كل مَن أعرض عن الحق، وعن دعوة الرسل: (وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) (الأعراف:93).  

فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة