دروس مِن قصة نبي الله شعيب -عليه
السلام- (موعظة الأسبوع)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد؛
مقدمة:
القصة تُظهِر اهتمام الرسالات السماوية
بكل جوانب الحياة ومجالاتها، فهو مِن مقتضيات التوحيد، فالرسالات عقيدة وشريعة، وفي
قصة شعيب -عليه السلام- يظهر ذلك مِن خلال التنبيه على قضية شيوع الفساد الاقتصادي،
والظلم في الكيل والميزان مِن بعد قضية التوحيد.
(1) تعريف بالنبي وقومه:
- شعيب -عليه السلام- هو خطيب الأنبياء: روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه
قال: "كان رسول الله إذا ذكر شعيبًا -عليه السلام-، قال: "ذاك خطيب
الأنبياء" (أخرجه الحاكم في المستدرك). قيل: لفصاحته وبلاغته وعلو عبارته في
دعاية قومه.
- أهل مدين كانوا عربًا يسكنون مدين
التي هي قريبة مِن أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز، قريبًا مِن بحيرة قوم لوط،
وكانوا في الزمان بعدهم بقليل، وقد مرَّ بها موسى -عليه السلام- عند خروجه مِن مصر: قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ
يَسْقُونَ) (القصص:23).
- كانوا يعبدون الأيكة: وهي شجرة، ولعلها لها صلة بالصالحين
السابقين فيهم، فعبدوها بعدهم؛ قال الله -تعالى-: (كَذَّبَ
أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:176).
- كان فيهم تخسير الكيل والميزان: (فَأَوْفُوا
الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) (الأعراف:85).
- كان فيهم الظلم والجشع في
المعاملات المالية المختلفة على رغم ما كانوا عليه مِن الغنى وكثرة المال: (وَلا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلاحِهَا) (الأعراف:85)، (بَقِيَّتُ
اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (هود:86).
(2) دعوة شعيب -عليه السلام- لقومه:
- دعاهم إلى التوحيد: (وَإِلَى
مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:85).
- ذكرهم بنعمة الله عليهم
وفضله: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ) (الأعراف:86). (وَاتَّقُوا
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ) (الشعراء:184).
- نهاهم عن تخسير الكيل
والميزان، والظلم والجشع في المعاملات: (وَيَا
قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءَهُمْ) (هود:85).
وقفة: "بيان تحريم ذلك
في كل شريعة": قال الله -تعالى-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ .
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ
أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ .
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:1-6)، وقال -تعالى-: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (المائدة:100)، وقال: (يَمْحَقُ
اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة:276)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا
وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ
بَيْعِهِمَا) (متفق عليه).
(3) موقف قومه من دعوته:
- الملأ كالعادة يتصدرون
الحرب على الدعوة: (وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) (الأعراف:90).
- الاتهام بالبشرية و
الاضطراب: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ . وَمَا أَنْتَ
إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) (الشعراء:185-186).
- وأما التوحيد فردُّوه
وكذَّبوا وسخروا من النبي: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ
نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا... ) (هود:87)، (كَذَّبَ
أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:176).
- وأما تخسير الميزان
والمعاملات المحرمة فقابلوا ذلك بالسخرية: (أَوْ أَنْ
نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)
(هود:87).
(4) محاولة النبي -عليه السلام- هدايتهم:
- التواضع واللطف في
العبارة: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) (هود:88).
- لا يحملنكم بغضي على ترك
الحق: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ
مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89).
- دعوته للتحاور والمناظرة
وعدم الصدام حتى يقضي الله بينهم: (فَاصْبِرُوا
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (الأعراف:87).
(5) توعدهم وتهديدهم له وللمؤمنين:
- الرفض لأي صورة للدعوة والتهديد
بالقتل: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ
وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ
عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود:91).
- القرار بالإخراج: (قَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا...)
(الأعراف:88).
- وهنا تكون المفاصلة، وأن
الصبر لا يعني التنازل عن الثوابت: (قَالَ أَوَلَوْ
كُنَّا كَارِهِينَ) (الأعراف:88).
- تحذيرهم مِن نزول العذاب:
(وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ
مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89).
- تبجحهم واستهانتهم بعذاب
الله: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ) (الشعراء:187).
- تضرُّع النبي ورفع شكواه
إلى ربه: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف:89)، (وَيَا
قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ
يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ
رَقِيبٌ) (هود:93).
(6) نزول العذاب "الظلة - الصيحة - الرجفة":
- عذاب الظلة "سحابة
عظيمة فيها شرر مِن نار ولهب ووهج عظيم": (فَأَخَذَهُمْ
عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الشعراء:189).
- عذاب الصيحة "صوت
هائل أسكتهم وملأ قلوبهم رعبًا": (وَلَمَّا
جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا
وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ
جَاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ
ثَمُودُ) (هود:94-95).
- عذاب الرجفة "هزة
أرضية مِن تحتهم أزهقت الأرواح وأخمدت الأجسام": (فَأَخَذَتْهُمُ
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (الأعراف:78).
- هكذا سنة الله في
الظالمين على مر العصور والسنين: (الَّذِينَ
كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا
كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف:92).
- هكذا عاقبة كل مَن أعرض عن الحق، وعن دعوة الرسل: (وَقَالَ يَا قَوْمِ
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ
كَافِرِينَ) (الأعراف:93).
فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في
الدنيا والآخرة.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com