الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فرصة العمر

فرصة العمر
أحمد حمدي
الاثنين ٠٨ فبراير ٢٠١٦ - ١٢:١٠ م
1188

فرصة العمر

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كم هي نعمة الله عليك إذا وفقك الله لطاعة، واصطفاك لكي تكون في وقت ما من وفده قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَفْدُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ". وقد يكون يملك من المال ويحرم أن يوفق إلى أداء العمرة، لتجديد إيمانه وطلبا لرضا ربه ومغفرة ذنوبه، قال -صلى الله عليه وسلم- "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ". كم يكون متوسط ثمن أداء عمرة في هذه الأيام؟ تقريبا خمسة الآلاف جنيه، والله لا تساوي صلاة واحدة في المسجد الحرام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة". أي أن الصلاة الواحدة تعدل صلاة ستة وخمسين سنة وستة أشهر، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، والله إنه لمغبون من كان عنده سعة وعافية ويحرم ذلك الفضل، ربما بسبب ذنوبه أو انشغال قلبه بالدنيا عن الآخرة.

وتخيل معي مقدار الثواب والأجر والفضائل والفوائد التي يحصلها الإنسان من بعض الأيام يقضيها في العمرة أو زيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعد كل صلاة فريضة صلاة جنازة على عدد من الموتى، وكما نعرف ثواب صلاة الجنازة قيراط في الجنة، والقيراط أثقل من الجبل العظيم، وفي رواية: (أثقل من جبل أحد)، أي: أن صلاة الجنازة ثوابها يضاعف إلى مائة ألف قيراط في الجنة، وكذلك كل السنن والركعات والتطوع يضاعف إلى مائة ألف، فهل من عاقل يضيع هذه الفرصة العظيمة؟

تخرج متطهرا لزيارة مسجد قباء في المدينة لصلاة ركعتين، تعدل ثواب عمرة. والطواف حول البيت عبادة جليلة لا تفعلها إلا هناك قال تعالى: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ". وجاء في الأثر: "من طاف حول البيت أسبوعا (أي: سبعة أشواط)، غفر له".

فأسباب المغفرة ورضا الله ومضاعفة الأجر والثواب كثيرة ومتنوعة، وفضل شرب ماء زمزم كبير وعظيم فهو ماء مبارك، "طعام طعم وشفاء سقم"، كما ورد في الأثر وإن ضعفه البعض من أهل العلم، (ماء زمزم لما شرب له).  فقد يشربه العبد طلبا للشفاء، أو زيادة في العلم والفقه والفهم للدين، أو لسعة الرزق، وكان ابن عباس رضى الله عنه يدعو عند شربه: (اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء). وكان عبد الله بن المبارك رضى الله عنه حين يشرب يقول: (اللهم اجعلها لعطش يوم القيامة).

وكذلك اجتماع أماكن وأوقات إجابة الدعاء؛ قبل مغرب الجمعة، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وفي دبر الصلوات، وفي وقت السحر، وأنت ساجد، والطواف والسعي، ما هو إلا ذكر ودعاء.

فرصة لحضور دروس العلم المتنوعة والتفسير والفقه والحديث والتوحيد، وغيره من العلوم في المسجد الحرام والمسجد النبوي بعد الفجر والمغرب للعلماء وطلاب العلم والدعاة.

فرصة للبعد عن هموم الدنيا ومشاغلها وديونها والزوجة والولد والتجارة، والخلوة بالله عشرة أيام فهي شحنة إيمانية تحتاجها للثبات في وقت الفتن وبث الشكوى لله والتضرع والانكسار والافتقار له، وتجديد الإيمان قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ".

فرصة لرؤية الأماكن التي نزل فيها الوحي، ومشى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، والصحابة رضي الله عنهم، وتذكر أحداث وسير ووقائع حدثت في مكة والمدينة مما يحيي الإيمان في القلوب.

فرصة لترى اختلاف الأجناس والألوان والألسنة واللغات، مع اختلاف الأعمار والمستويات الاجتماعية رجالا ونساء، من كل بقاع الدنيا ودولها جاؤوا طلبا لرحمة الله ومغفرة لذنوبهم، في لباس واحد، ودعاء وذكر واحد، وتلبية لدعوة إبراهيم عليه السلام.

فرصة للتفرغ لقراءة القران وتدبره ومراجعته، وذكر الله وقيام الليل وعبادة التفكر وغيرها.

لم أقصد بهذا المقال حصر الفضائل والفوائد ولكن بعضها لبث الشوق إلى هذه العبادة الفاضلة، وتذكيرا للغافل وإحياء وتعظيما لشعائر الدين ومناسكه. كم من الشباب ربما يشتري محمولا أو جهازا لوحيا "تابلت"، أو حاسوبا محمولا "لاب توب"، أو بعض أطقم الملابس للعام الدراسي أو الأعياد، أو من يفكر في تجديد أثاث البيت أو طلائه، أو نفقات دنيوية، أو من يشرب الدخان يعصي ربه ربما يوازي ثمن عمرة سنويا، ولكن هو توفيق من الله أولا وآخرا.

فليكن مشروعا سنويا، جمعية تعملها أو مالا تدخره من راتبك ومعاشك، أو مصروفك إذا كنت طالبا للإعداد لهذه العبادة، وأن تنصح إخوانك في المسجد أو جيرانك أو أصدقائك وأرحامك وتذكرهم بذلك. قال تعالى: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً". وقال تعالى: "فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ". فلو صدقت النية والهمة والعزيمة، ودعوت الله وأخذت بالأسباب؛ ستوفق وتعيد ترتيب أولويات نفقاتك، لتقدم أمر الدين ومرضاة الله على متاع الدنيا الزائل.

فكرة (جمعية العمرة) لعمل جمعية ب 400 جنيه شهريا من أبناء كل مسجد وحي ويقرع بينهم ليذهب واحد فيهم شهريا للعمرة. وهناك أفكار أخرى كثيرة لمن شغل قلبه وباله بطاعة الله.

اللهم ارزقنا الحج والعمرة أعواما عديدة وسنوات مديدة، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم اللهم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آداب العمل الجماعي -3
630 ٣٠ أبريل ٢٠٢٠
رمضان في ظروف خاصة!
786 ٢٧ أبريل ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -2
619 ٢٢ مارس ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -1
946 ١٩ مارس ٢٠٢٠
الطموح -2
625 ١٠ مارس ٢٠٢٠
الطموح (1)
682 ٢٧ فبراير ٢٠٢٠