الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دروس مِن قصة نبي الله يونس -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)

الصبر أشد ضرورة للداعي؛ لأنه يعمل في ميدانين "نفسه، وغيره" وإلا قعد وانزوى وأصابه اليأس

دروس مِن قصة نبي الله يونس -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٣ فبراير ٢٠١٦ - ١١:٤٥ ص
8709

دروس مِن قصة نبي الله يونس -عليه السلام- (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- قصة يونس تحمل دروسًا عظيمة للمسلمين عمومًا وللدعاة خصوصًا: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ... ) (القلم:48).

- ذكر الله نبيه يونس في موضعين بوصف "ذي النون - صاحب الحوت"؛ لاقتران قصته بالأمر العجيب حيث ابتلعه حوت عظيم ثم خرج مِن بطنه حيًّا سالمًا بعد حين.

(1) دعوة يونس -عليه السلام- لقومه:

- هو يونس بن متـَّى مِن ذرية إبراهيم -عليه السلام-، بعثه الله إلى أهل "نينوى" بأرض الموصل، إذ كانوا يعبدون الأصنام ويشركون بالله: قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الصافات:139-140).

- دعاهم إلى الله فكذبوه وردوا دعوته: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات:147).

- إصرار قومه على الكفر ويأسه منهم وخروجه عنهم: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا... ) (الأنبياء:87).

- ندم القوم على ما فعلوا وتوبتهم: قال ابن كثير -رحمه الله-: "قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد مِن السلف والخلف: فلما خرج مِن بيْن ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب بهم؛ قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح وفرَّقوا بيْن كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله -عز وجل-، وصرخوا وتضرعوا إليه وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي... فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي كان قد اتصل بهم سببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم؛ ولهذا قال -تعالى-: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (يونس:98)" (البداية والنهاية).

(2) محنة الحوت:

- تعجَّل يونس -عليه السلام- إيمانهم، فهجرهم مِن غير أمر مِن الله، ولعله ظن أن إخبارهم بالعذاب يجيز له ذلك: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (الصافات:139-140). (الْمَشْحُونِ): المملوء بالأمتعة.

- السفينة تتعرض للغرق وإلقاء يونس -عليه السلام- في البحر: (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ . فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (الصافات:141-142). (فَسَاهَمَ): قارع. (الْمُدْحَضِينَ): المغلوبين.

- الله يأمر الحوت أن يحفظه في بطنه إلى أن يؤمر بإلقائه، والحوت يطوف به في البحار وهو مع ذلك مِن الذاكرين: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87). قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: "ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل". (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات:143-144).

- الاستجابة مع أسباب التفريج: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:88)، (لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (القلم:49). (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ . وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) (الصافات:145-146). 

(3) النبي يعود إلى القرية لمواصلة الدعوة:

- توجهه إلى القرية والمفاجأة إيمان القرية كلها: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ . فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (الصافات:147-148).

- القرية الميئوس منها، هي الوحيدة في العالم التي آمنت بأكملها!: وقال: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (يونس:98).

- عظيم قدرة الله في خلقه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99). (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:216).  

(4) دروس وعبر:

1- عوائق وعقبات على طريق الدعوة:

أ- اليأس مِن المدعوين:

- لا تستبعد إيمان أحد مِن الخلق ولو كان مِن أشدهم جرمًا: لما كان يوم أحد وقد أصيب النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون، جعل -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ). فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) (متفق عليه).

- وأسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد كان بعضهم يقول: "إذا أسلم حمار الخطاب أسلم عمر!"، وأسلمت هند بنت عتبة -رضي الله عنها-: التي كانت تحرض الناس على قتال النبي-صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، وغيرهم كثير.

ب- تعجُّل الإجابة:

- أيها الداعي: اصبر ولا تيأس مِن تأخر الاستجابة ، ولا تَضيق نفسك مِن سوء حال المدعوين: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ... ) (القلم:48).

- الصبر ضروري لكل إنسان، وبغيره لا يبلغ الإنسان مراده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200). "الطالب يحبس نفسه على الدراسة وترك الراحة، وكذلك التاجر، وكل صاحب غرض".

- الصبر أشد ضرورة للداعي؛ لأنه يعمل في ميدانين "نفسه، وغيره" وإلا قعد وانزوى وأصابه اليأس: قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ... ) (متفق عليه). وقال لقمان -عليه السلام- لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (لقمان:17).

2- مَن يتق الله يجعل له مخرجًا: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات:143-144)، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

3- دعاء تفريج الكرب والهم: قال الله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

4- إعمال قاعدة "ارتكاب أخف الضررين": (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (الصافات:140-141).

5- اقتران العافية أو حلول العقاب بحال الناس: (فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (الصافات:148)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال:53).

خاتمة: فضل يونس -عليه السلام-:

- ما جرى على نبي الله يونس -عليه السلام- لا يقلل مِن مكانته: قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الصافات:139)، (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القلم:50). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) (رواه البخاري).

فاللهم احفظ المسلمين بحفظك، ونجهم مِن كل محنةٍ ألمَّت بهم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة