الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حول قاعدة: "مَن طلب شيئًا كفره بالعمل لا يكفر إذا نُـبِّه ورجع عنه!"

السؤال: 1- ما حكم هذه القاعدة التي يذكرها بعض العلماء مِن أن: "مَن طلب شيئًا كفره بالعمل فإنه لا يكفر إذا تم تنبيهه مِن ساعته ورجع إلى توحيده"، وهذه يذكرونها في سياق قصة بني إسرائيل مع موسى -عليه السلام- في طلبهم إلهًا، وفي قصة "ذات أنواط"؛ فيقولون إن بني إسرائيل والصحابة لم يرتد أحد منهم بهذا القول؛ لأنهم نُبِّهوا فورًا؛ فراجعوا إسلامهم، وبعد البحث وجدتُ أن كتب التفاسير ذكرتْ ذلك بالفعل، فقد قال البغوي -رحمه الله-: "(قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا) (الأعراف:138)، أي: مثالاً نعبده (كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، ولم يكن ذلك شكًّا مِن بني إسرائيل في وحدانية الله، وإنما معناه: اجعل لنا شيئًا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله، وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم" (تفسير البغوي). وقال الألوسي -رحمه الله-: "ثم إن هذا الطلب لم يكن -كما قال محيي السنة البغوي- عن شك منهم بوحدانية الله -تعالى-، وإنما كان غرضهم إلهًا يعظمونه ويتقربون بتعظيمه إلى الله، وظنوا أن ذلك لا يضر بالديانة، وكان ذلك لشدة جهلهم كما أذنت به الآيات، وقيل: إن غرضهم عبادة الصنم حقيقة فيكون ذلك ردة منهم، وأيًّا ما كان فالقائل بعضهم لا كلهم" (تفسير روح المعاني للألوسي). وقال ابن عطية -رحمه الله-: "قال القاضي أبو محمد: والظاهر مِن مقالة بني إسرائيل لموسى -عليه السلام-: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) أنهم استحسنوا ما رأوه مِن آلهة أولئك القوم فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى، وفي جملة ما يُتقرب به إلى الله؛ وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى -عليه السلام-: اجعل لنا صنمًا نفرده بالعبادة ونكفر بربك، فعرَّفهم موسى -عليه السلام- أن هذا جهل منهم؛ إذ سألوا أمرًا حرامًا فيه الإشراك في العبادة، ومنه يتطرق إلى إفراد الأصنام بالعبادة، والكفر بالله، وعلى هذا الذي قلتُ يقع التشابه الذي قصَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قول أبي واقد الليثي له في غزوة حنين، إذ مروا على دوح سدرة خضراء عظيمة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" (تفسير ابن عطية). فما الجواب عن هذه القاعدة في ضوء هذه التفسيرات للآية الكريمة؟ مع العلم أن بعض الشيوخ تدليلاً على الكلام السابق مثالاً جاء فيه: "لو أن رجلاً قال لغيره: هلم إلى فلان الرجل الصالح ندعوه ونسأله أن يشفي هذا المريض، ونحو ذلك... ثم نُبِّه مِن ساعته وعاد إلى توحيده؛ فإنه لا يكفر، وإنما ارتكب كبيرة؛ لأن هذا الرجل قال شيئًا أو طلب شيئًا كفره بالعمل". فما حكم ذلك؟ 2- ما توجيه قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "إن المسلم، بل العالم قد يقع في أشياءٍ مِن الشرك والكفر وهو لا يدري، فإذا نـُبِّه وتاب مِن ساعته لم يكفر"؟ حيث إنه ذكر "العالِم" بهذا الإطلاق الذي يدخل فيه الصحابة وغيرهم؛ فكيف يقع مثل هؤلاء مِن أهل العلم والقدوة في شرك؟ وهل مَن جهل العقيدة والشرك يكون عالمًا؟! فما جواب شيخنا الكريم د."ياسر برهامي" عن هذه الأسئلة الهامة؟

حول قاعدة: "مَن طلب شيئًا كفره بالعمل لا يكفر إذا نُـبِّه ورجع عنه!"
الخميس ٢٥ فبراير ٢٠١٦ - ١٥:٣٦ م
1059

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالصواب في هذه المسألة ليس التفريق بيْن ما كفره العمل أو بالاعتقاد؛ فكلاهما كفر، ولكن التفريق بيْن التصريح بعبادة غير الله "سواء على الإفراد أو الإشراك؛ إذ كلاهما كفر أكبر"، وبيْن طلب أو قول أو فعل أو اعتقاد ما حقيقته ولازمه عبادة غير الله، ولكن القائل أو الفاعل لا يعلم أن هذه عبادة، كما قال عدي بن حاتم -رضي الله عنه- عن طاعة الأحبار والرهبان في تبديل الشرع: "إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ"، فعنه -رضي الله عنه- قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: (يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ)، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (التوبة:31)، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ, فَقَالَ: (أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟), قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: (فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ) (رواه الطبراني والترمذي، وحسنه الألباني)، فهذا لا بد أن يوضَّح له أن ما يفعلونه أو يطلبونه عبادة.

والصحيح في قصة بني إسرائيل أنهم صرَّحوا بطلب إله يعبدونه غير الله! وأن طلب ذلك كفر، لكن مَن رجع مِن ساعته بعد النية؛ فقد عاد إلى الإسلام: كالذين عبدوا العجل ثم تابوا ورجعوا بعد عودة موسى -عليه السلام- إليهم.

2- فهو لا يدري أنه شرك، ويمكن أن يكون الإنسان عالمًا ببعض المسائل وجاهلاً ببعضها، وهذه المسألة هي مِن لوازم "لا إله إلا الله" أو ضمن عمومها على الأصح، لكن ليست صريحة في نقضها "أعني اتخاذ ذات أنواط للتبرك"؛ ولذا احتاجت إقامة الحجة، فالذي يقول: أنا أعبد غير الله نقض توحيده بلا شك، والحجة مقامة عليه ببلوغ كلمة "لا إله إلا الله"، وكذا مَن يقول: فلان إله أو الشيء الفلاني أو القبر الفلاني إله! أما من يقول: مدد يا سيدي فلان، ويقول: أنا لا أعبده، بل هذا توسل؛ فهذا يحتاج إلى إقامة الحجة بأن ما يفعله عبادة، ولو لم يسمه عبادة، والدليل هذه القصة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com