الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التوحيد وبناء أمة -9

الدعوة السلفية لا هم لأصحابها وحاملي لوائها -ولا يجوز لهم هم- إلا إخلاص الدين لله وتحرير قضية التوحيد وتفهيمه على وجهه الصحيح

التوحيد وبناء أمة -9
رضا الخطيب
الاثنين ٢٩ فبراير ٢٠١٦ - ١٧:٥٥ م
1203

التوحيد وبناء أمة (9)

كتبه/ رضا الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

   "من آثار التوحيد في النفس"

الرابع عشر: جمع كلمة المسلمين الموحدين وتوحيد صفوفهم، جمع الله بالتوحيد القلوب المشتتة والأهواء المتفرقة، فما اتحد المسلمون وما اجتمعت كلمتهم إلا بالتوحيد، وما تفرقوا واختلفوا إلا لبعدهم -والله- عنه، فَرَبهم واحد، ودينهم واحد، ونبيهم واحد، وقبلتهم واحدة، ودعوتهم واحدة، هي "لا إله إلا الله"، ولا معبود بحق إلا الله-فالتوحيد قبل توحيد الكلمة - فأهلُ التوحيد لا يختلفون في أصول الدين وقواعد الاعتقاد، أهل التوحيد تتفق في الغالب وجهات نظرهم وردود أفعالهم مهما تباعدت الأمصار والأعصار.

الخامس عشر: جُود نفوس الموحدين بالمال، والنفس في سبيل الله ونصرة دينه، فأُمة التوحيد أمة قوية، تبذل كل غالٍ ونفيس من أجل عقيدتها، وتثبيت دعائمه، غير مبالية بما يصيبها في سبيل ذلك، يقول الحق عز وجل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } [الحجرات]، لم يدخلهم شك ولا ريب، ولا خوف ولا يأس ولا قنوط في حقيقة توحيدهم وعقيدتهم، بل في حقيقة نصرة الله لهم: { ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ } [الحجرات]، الصادقون في قول لا إله إلا الله، أهل التوحيد أمة واحدة، يأمرهم ربهم بقوله: { انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [التوبة:41]. فهل جعلت نفسك ومالك وولدك وكل ما تملك في خدمة هذه العقيدة في سبيل لا إله إلا الله؟ ماذا قدمت لدينك وعقيدتك؟ ماذا قدمت لهذا المبدأ العظيم؟ نعجب ونتحسر يوم أن يضحي الكافر من أجل دينه وعقيدته، وهو على باطل، ويهمل ذلك المسلم من أجل عقيدته وتوحيده وهو على حق. إنما المؤمنون هم أولئك الصادقون في توحيدهم، وفي قولهم لا إله إلا الله، لا يستطيع ذلك إلا من ذاق طعم الإيمان وحقق التوحيد صادقاً من قلبه.

 أما الخذلان والبخل والكسل والفتور، فهي من صفات المنافقين، فلما عُدم تحقيق التوحيد في قلوبهم، تركوا الجهاد، وفرحوا بالتخلف عنه، ورضوا بشهوات الدنيا، وبخلوا بأموالهم وتقلبت مواقفهم وردود أفعالهم تبعاً لأهوائهم، فذمهم القرآن.

السادس عشر: شعور النفس الموحدة بمعية الله عز وجل: قال "ابن القيم" في الفوائد: "فإن قلت بأي شيء أستعين على التجرد من الطمع والفزع؟ قلت: بالتوحيد والتوكل على الله والثقة بالله، وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، وأن الأمر كله لله ليس لأحد مع الله شيء"، قال الحق عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا } وقال : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر] وقال : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ } [محمد] وقال : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }، وقال جل وعلا في الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه"، فأي فضل يناله صاحب التوحيد؟ فالله معه يحفظه وينصره ويدافع عنه، مما يزيده قوةً وشجاعة وإقبالاً على الله عز وجل.

 وختاما بعد هذه السلسلة نقول: أن التوحيد قبل توحيد الكلمة، لأن التوحيد أهم قضايا الدين ورأس أمره وتاج شجرته وعمود فسطاطه، وأي دعوة لا تنطلق منه ولا ترتكز عليه فهي دعوة فاشلة.

لذلك فالدعوة السلفية لا هم لأصحابها وحاملي لوائها -ولا يجوز لهم هم- إلا إخلاص الدين لله وتحرير قضية التوحيد وتفهيمه على وجهه الصحيح، فالدعوة السلفية تجعل كل هذا نصب عينها فتدعوا الناس أولا إلى هذه القضية الكلية "توحيد الله" ثم تبدأ بعد ذلك في تفصيل فرعياتها وجزئياتها، فلا يزال الفرد الذي يسير في الطريق السلفي يرقى كل يوم درجة من درجات سلم التوحيد ويترقى في سلم العبودية، وبهذا تفترق الدعوة السلفية عن كل ما عداها من دعوات الإصلاح الجزئية التي تنتسب إلى الإسلام.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة