الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بين الثبات والزلل

من رحمة الله بعباده أن هيأ لهم أسبابا لو أنهم اتخذوها كانت من أسباب ثبات العبد على الدين

بين الثبات والزلل
إيهاب شاهين
الأربعاء ٠٩ مارس ٢٠١٦ - ١١:٠٢ ص
1449

بين الثبات والزلل

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

فعن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)).

الثبات ضد الزلل، نعوذ بالله منه، عندما يتأمل العبد في قوله تعالى فتزل قدم بعد ثبوتها يدرك خطورة الأمر، وأن الإنسان لا يأمن علي نفسه أبدا، فإن الله قال: {فتزل قدم بعد ثبوتها} ولم يقل: "تذبذبها" فبعد أن كانت راسخة زلت، شيء يدعو إلي الخوف وعدم الأمن ولذلك علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم- أن نلجأ لمقلب القلوب كي يثبتنا، وقبل ذلك أمرنا الله أن ندعوه في كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: ثبتنا عليه وزدنا فيه هدي.

والناظر في حال الدنيا يجد أن الحياة جلها فتن بين شهوات وشبهات، لذلك كان الثبات صعبا على العبد إن لم تدركه رحمة الله عز وجل، لذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله في حقه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} خائفا على المؤمنين حريصا على ألا يتفلت منهم أحد إلى غير هدى، فعلمنا - صلى الله عليه وسلم- أن نلجأ إلى الله بصدق وأن ندعوه أن يثبت قلوبنا على دينه، لذلك قيل لأحد العلماء: إن فلانا انتكس. فقال: إما أنه لم يسأل الله الثبات، أو لم يشكر الله علي نعمة الاستقامة. فعلى العبد أن يعلم أنه حينما اختاره الله عز وجل لطاعته ليس لتميزه وإنما رحمته عز وجل قد شملت هذا العبد، ولو شاء أن ينزعها في أي لحظة نزعها، لذلك يجب على العبد ألا يغتر بعمله، ولا ينظر باستصغار لمن ضل عن الطريق فلولا رحمة الله لكنت مكانه، تأمل قول الله سبحانه في حق سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم- {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فإذا كان هذا في حق من لم يخطئ قط، فكيف بمن دونه أمثالنا؟ فالأمر جد خطير، لكن من رحمة الله بعباده أن هيأ لهم أسبابا لو أنهم اتخذوها كانت من أسباب ثبات العبد على الدين منها:

1- العمل بالمواعظ والنصائح التي يسمعها الإنسان قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}. فالعبرة ليست بكثرة السماع وإنما العبرة في أن تعمل بما تسمع، وأن لا يتخلف القول عن العمل، والنظرية عن التطبيق لأن هذا يجلب غضب الله عز وجل، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}

2- قراءة القرآن بتفهم وتدبر قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} فقراءة القرآن والعمل به يثبت قلوب المؤمنين.

3- قراءة سير المرسلين والصالحين، كيف تعرضوا لفتن كثيرة ونجاهم الله تعالى، قال تعالى: {َكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}. فقراءة قصصهم تهون على العبد الغربة التي يعيشها في زمان يعج بالفتن في كل مكان.

4- نصرة دين الله والحق مهما كان وعدم التخاذل الذي هو سبب الزلل والخسران، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ومن ثبته الله في الدنيا كان أقرب لأن يثبت عند القدوم عليه، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}.

5- الدعاء الكثير والإلحاح على الله تعالى، وهذا دأب الصالحين فقد أخبرنا الله عز وجل عن الصالحين من عباده في أكثر من موضع في القرآن أن قولهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}. ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي كان يكثر أن يقوله: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".

 نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة