الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تعليق د."ياسر برهامي" على تصريحات وزير العدل "أحمد الزند" حول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحكم التكفير بذلك

السؤال: ما حكم الشرع في تصريحات "أحمد الزند" التي فيها الإساءة والاعتداء على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى مقامه الجليل؟ حيث قال متحدثـًا عن حبس الصحفيين والمستحقين للعقاب: "السجون خُلقت مِن أجل هؤلاء، حتى لو النبي هحبسه... !" وهذا مسجل ومثبت "فيديو" بالصوت والصورة، ثم عقـَّب بقول: "أستغفر الله العظيم!" وخرج يقول للناس إنه لم يكن يقصد ذلك بعد ما قال ما قال! ومعلوم أن شيخ الإسلام قد بيَّن أن مَن فعل ذلك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فليست له توبة ولا بد مِن قتله؟ فما الموقف الشرعي مِن هذا الرجل عليه مِن الله ما يستحق؟

تعليق د."ياسر برهامي" على تصريحات وزير العدل "أحمد الزند" حول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحكم التكفير بذلك
الأحد ١٣ مارس ٢٠١٦ - ١٨:٠٧ م
6090

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالكلام الذي قاله لا يجوز بلا شك، وهو خلاف ما أمر الله -تعالى- به مِن تعظيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره كما قال -سبحانه-: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) (النور:63)، ولكن كون هذا سبًّا أو استهزاءً أو سخرية بالرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا ليس بظاهر السياق الذي تـَكلم به، وقد سمعتُ المقطع الذي قال فيه ذلك، ولا يَظهر منه قصد الاستهزاء أو السب كما يقوله البعض، ويحملونه على أنه داخل في الآية الكريمة: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (التوبة:65)، وفي كلام أهل العلم في ردة الساب والمستهزئ.

ولا نزاع في أن الساب أو المستهزئ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مرتدٌ، وإنما النزاع في قبول توبته ظاهرًا، ونحب أن نبيِّن أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- "في عدم قبول توبته ظاهرًا مع قبولها باطنًا، وتحتـُّم القتل"؛ ليس إجماعًا مِن أهل العلم، بل هو ترجيح شيخ الإسلام.

لكن نقول: الكلام هنا على أن ما صدر منه: هل هو سب أو لا؟ وهل هو استهزاء أم لا؟ فالحكم الشرعي لا خلاف فيه؛ إنما الخلاف في التطبيق على الواقع بالنظر إلى نص العبارة وسياقها، والذي يظهر جدًّا "خصوصًا مع استغفاره، ومِن سياق كلامه" أنه ليس سبًّا ولا استهزاءً، وصيغة "لو" لا يلزم منها التحقيق؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (متفق عليه)؛ فهل هذا سب لفاطمة -رضي الله عنها- أو استهزاء بها أم تأكيد على أن الحدود والعقوبات الشرعية تقام على كل أحد مهما كان قدره؟!

ولا نشك أنه لا يجوز أن يتكلم أحدٌ على النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، ولكن هذا لا يلزم منه أنه ساب أو مستهزئ، ولقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسائله على قول الله -تعالى-: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِين) (يونس:106)، قال: "فيه إن دعاء غير الله هو الشرك الأكبر، وأنه لو فعله أصلح الناس لكان مِن الظالمين".

والمقصود بأصلح الناس في كلامه على الآية الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فهل يُقال: هذا استهزاء أو سب؟! هذا باطل، ولم يزل الشُراح يقولون: إن الشرك لو وقع فيه نبي لكان مِن الظالمين، وحاشا النبيين مِن ذلك، وهذا الكلام قطعًا ليس سبًّا ولا استهزاءً؛ علمنا ذلك مِن سياق كلامهم وقصدهم مِن تعظيم خطر الشرك وبيان حبوط العمل به، ولو كان مَن تكلم به مِن أصلح الناس؛ فالسياق مهم للغاية في ذلك، ومع كون السياق كان لا يصح -ولا يجوز استعمال هذه العبارة المذكورة فيه-؛ إلا أنه ليس سياق استهزاء وسب للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يجوز التكفير بمثل هذا.

وأتعجب مِن الجرأة العجيبة مِن الكثيرين "وليسوا مِن أهل العلم والفتوى" على التكفير دون تثبُّت ومعرفة للاحتمالات ونظر في السياق، وخاصة مع تصريح الرجل بنفي قصد الاستهزاء أو السب تصريحًا لفظيًّا وكتابيًّا، ولا يعني ذلك الدفاع عن كل تصريحاته أو أفعاله؛ فهذا شأن والتكفير شأن، وكل يؤاخذ بما يقول ويفعل، لكن أمر التكفير عظيم، ولا بد مِن الاحتياط فيه.

هدى الله الجميع إلى سواء السبيل.

وبيان الأزهر في هذا الشأن بيان في غاية الاتزان والموضوعية، فعليكم بهذا الأسلوب العلمي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com