الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تيسير الزواج مِن هدي خير الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- -1

كلما خفت مؤنة الزواج وتكاليفه كلما كان أعظم بركة

تيسير الزواج مِن هدي خير الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- -1
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الثلاثاء ١٥ مارس ٢٠١٦ - ١٠:٣٩ ص
2210

تيسير الزواج مِن هدي خير الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- (1)

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان مِن اهتمامات النبي -صلى الله عليه وسلم- "بل مِن أولوياته" حض الشباب على الزواج لتحصينهم بالعفة، وسد مداخل الشيطان إليهم مِن باب الشهوات التي تكاد تفتك بإيمانهم والتزامهم بدينهم، وخصوصًا في زمننا هذا الذي انتشرت فيه واستشرت ألوان الشهوات وتبرج النساء بما لم يكن في الأزمنة الماضية؛ حتى صارت كثير مِن طاقات الشباب مِن أهل الالتزام تُصرف في مواجهة الشهوة بدلاً مِن استثمار الهمم والطاقات في الدعوة إلى الله وخدمة دين الله -تبارك وتعالى-؛ ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن استطاع الباءة مِن الشباب بالمبادرة إلى الزواج فقال -عليه الصلاة والسلام-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ) (متفق عليه)، بل أمر الله -تعالى- الأولياء بذلك فقال -عز وجل-: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) (النور:32).

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأمُرُ بِالْبَاءَةِ, وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه ابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره).

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لو لم يبقَ مِن أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يومًا، وليَ طَوْل النكاح فيهن -أي القدرة عليه-؛ لتزوجت مخافة الفتنة!". وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لا! قَالَ: فَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً" (رواه البخاري).

وقال إبراهيم بن ميسرة: "قال لي طاوس: لتنكحن، أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك مِن النكاح إلا عجز أو فجور!". وقال طاوس أيضًا -رحمه الله- قَالَ: "لا يَتِمُّ نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ".

وعَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قال: "مَا أَشَدَّ الشَّهْوَةَ فِي الْجَسَدِ، إِنَّمَا هِيَ مِثْلُ حَرِيقِ النَّارِ، وَكَيْفَ يَنْجُو مِنْهَا الْحَصُورُونَ". وَالْحَصُورُ: مَنْ لا يَأْتِي النِّسَاءَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ. (سنن سعيد بن منصور).

وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن الصلاة بحضرة الطعام ومدافعة الأخبثين، وما هذا إلا لتفريغ النفس مِن الشواغل والصوارف عن طاعة الله -عز وجل- في باب الصلاة، فيقبل المسلم على صلاته بقلب حاضر خاشع -ذلك أن روح العبادة وغايتها مقدمة على صورتها-؛ فكيف بالشهوة الجنسية التي هي مِن أعظم ما يشوش على الإنسان طاعته وعبادته؟! 

ولقد صدق عدو الله القائل -وهو كذوب-: "كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع!"؛ ولمَ لا؟ والله -عز وجل- قال في كتابه الكريم: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14)، فبدأ أول ما بدأ بالنساء، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) (متفق عليه)؛ ولهذا جاءت التدابير الإسلامية العظيمة بسدِّ كل ما يمكن أن يؤدي إلى الفتنة بالنساء، وما ذاك إلا لخطورة هذه القضية وأثرها في قوة الدولة المسلمة وريادتها؛ فما استشرت الشهوات في أمة إلا وهنتْ قوتها وذلت بيْن الأمم.

ومِن أجْل ذلك كانت قضية تيسير الزواج وتحقيق العفة لشباب الأمة مِن أهم وأخطر ما يكون؛ فإن في تحصين الشباب والشابات بالزواج المصالح العظيمة التي مِن أهمها: تكثير الأمة وتحقيق مباهاة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَزَوَّجُوا، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني)، وكذلك صرف الشباب والفتيات عن الوقوع فيما حرَّم الله مِن المحرمات المتعلقة بعفة الفرج، فـ(إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) (متفق عليه)، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك مِن المصالح العظيمة والكثيرة.

ولهذا حَرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تيسير أمر الزواج وتخفيف مؤنته حرصًا عظيمًا حتى تترسخ في المجتمع النظرة الصادقة لحقائق الأمور، وفهم الهدف مِن الزواج والغاية منه، وتشيع بيْن الناس روح التخفيف والسهولة واليسر؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيرُ النكاحِ أيسَرُهُ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال: (خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ) (رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني)، وقال: (إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً) (رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي).

وقال لمن أراد الزواج مِن الواهبة نفسها: (هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟) قَالَ: مَا عِنْدِي إِلا إِزَارِي، فَقَالَ: (إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لاَ إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا) فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ: (التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ) فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: (أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟) قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: (قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ) (متفق عليه).

فكلما خفت مؤنة الزواج وتكاليفه كلما كان أعظم بركة.

وقد طبـَّق النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك التيسير على بناته ومنهن فاطمة -رضي الله عنها إحدى سيدات نساء أهل الجنة- في زواجها وبعد زواجها: فعن علي -رضي الله عنه- قال: "أَرَدْتُ أَنْ أَخْطُبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَتَهُ، فَقُلْتُ: مَا لِي مِنْ شَيْءٍ؛ فَكَيْفَ؟! ثُمَّ ذَكَرْتُ صِلَتَهُ وَعَائِدَتَهُ، فَخَطَبْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ؟) قُلْتُ: لا. قَالَ: (فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟). قَالَ: هِيَ عِنْدِي. قَالَ: (فَأَعْطِنِيهَا). قَالَ: فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ. (رواه أحمد، وسنده حسن لغيره). فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى سيدات نساء أهل الجنة.

- وعن علي -رضي الله عنه-: أَنَّ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأَقُومَ، فَقَالَ: (عَلَى مَكَانِكُمَا). فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: (أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ) (متفق عليه). ولم يكلـِّف -صلى الله عليه وسلم- عليًّا أو يأمره بما لا يطيق مِن أجرة خادمٍ ونحوه مِن تكلف ما لا يطيق.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com