الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

متى يأتي الطلاق؟

لو تتبعنا الخطوات الربانية في حل المشاكل الزوجية، ما وقع طلاق إلا نادرا

متى يأتي الطلاق؟
جمال فتح الله
الأربعاء ١٦ مارس ٢٠١٦ - ١٣:٤٥ م
1312

متى يأتي الطلاق؟

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعد:

فشرع الله الزواج ورغب فيه وذلك لأهداف كثيرة من أهمها بقاء النوع الإنساني وعمارة الكون. وجعله أية من آياته قال - جل جلاله-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. فالزواج لازم لكل مسلم قادر يخشى العنت. ورغّب كذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم- في هذه العبادة المحببة إلى النفوس، فقال - صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"

وعلى الشاب أن يختار المرأة الصالحة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- "تنكح النساء لأربعة: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".

وعلى ولي المرأة أن يراعي أمورا منها: أن يتخير لها من يتوسم فيه الصلاح والتقوى. لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". فمن أخل بهذه الأمور فلا يلومن إلا نفسه.

والأصل في الزواج استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين، وقد شرع الله - جل جلاله- أحكاما كثيرة وآدابا جمة في الزواج لاستمراره وضمان بقائه، إلا أن هذه الآداب قد لا تكون مرعية من قبل الزوجين أو أحدهما، فيقع التنافر بينهما حتى لا يبقى مجال للإصلاح، فكان لا بُد من تشريع أحكام تؤدي إلى حل عقدة الزواج على نحو لا يهدر فيه حقوق أحد الزوجين، ما دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما.

فشُرع الطلاق لأن فيه حلا للمشكلات الزوجية عند الحاجة إليه، وبخاصة عند عدم الوفاق وحلول البغضاء التي لا يتمكن الزوجان معها من إقامة حدود الله، واستمرار الحياة الزوجية، وهو بذلك من محاسن الدين الإسلامي.

والطلاق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال - جل جلاله-: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. وقال - جل جلاله-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.

ومن السنة حديث ابن عمر رضى الله عنهما، أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لعمر: "فليراجعها، فإذا طهرت، فإن شاء فليطلقها". وأجمع علماء الأمة على جواز الطلاق ومشروعيته.

ويصح إيقاع الطلاق من الزوج البالغ العاقل المميز المختار الذي يعقله، أو وكيله، فلا يقع طلاق غير الزوج.

والأصل في الطلاق أن يكون جائزا، مباحا، عند الضرورة والحاجة إليه، كسوء خلق المرأة وسوء عشرتها، ويكره من غير حاجة إليه، لإزالته النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها: من إعفاف نفسه، وطلب النسل، وغير ذلك. ويحرم الطلاق في بعض الأحوال. وتفصيل ذلك كتب الفقة.

قال الله - جل جلاله-: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن، بأن تعصيه بالقول أو الفعل، فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل. {فَعِظُوهُنَّ} أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.

هذه مراحل التأديب والعلاج الثلاث للزوجة: الأولى: الوعظ. الثانية: أن يهجرها الزوج في الفراش، فلا يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد، وقد أعطاها ظهره فلا يكلمها ولا يجامعها، وليصبر على ذلك حتى تؤوب إلى طاعته وطاعة الله ربهما معا، هذا الهجر في الفراش شهر فلا يزيد عليه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وإن أصرت ولم يجد معها الهجران في الفراش، الثالثة -من دواء النشوز: الضرب، وهو أقصاها، ولا يلجأ إليه إلا عند فشل الدواءين السابقين. وقد ثبت أن الضرب المباح يكون عندما تبلغ الحياة الزوجية درجة يخشى عليها من النشوز والافتراق، وقد قيدته السنة بقيدين؛ أحدهما: أن يكون غير مبرح، وأن يكون غير مشينا. انظر كيف يعلمنا الله - جل جلاله- كيف نؤدب نساءنا؟ وكيف نتدرج بهذا التأديب؛ فمن نصح يبلغ حد اللطف، إلى هجر لا يبلغ حد العنف، إلى ضرب بعيد عن القسوة؛ فإذا نفع الوعظ: حرم الهجر، وإذا تم التأديب بالهجر: حرم الضرب {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أي: إن أطعنكم بالوعظ؛ فلا تبغوا عليهن بالهجر، وإن أطعنكم بالهجر؛ فلا تبغوا عليهن بالضرب.

قال الله - جل جلاله- {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيد إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما. بطلاق السنة، وتكون طلقة رجعية.

وطلاق السنة له سبعة شروط وهي: أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض طاهرا، لم يمسها في ذلك الطهر، ولا تقدمه طلاق في حيض. ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه. وخلا عن العوض.

لقوله - جل جلاله-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.

والطلقة الرجعية لها حكمة عظيمة وهي هدنة للتروي وإعطاء الزوج فرصة إذا ندم على إيقاع الطلاق وأراد استئناف العشرة الزوجية، فيجد الباب مفتوحا أمامه، وهذا من رحمة الله - جل جلاله- بعباده ولطفه بهم.

وتصح الرجعة بشروط: منها: أن يكون الطلاق دون العدد الذي يملكه الزوج، أن تكون المطلقة مدخول بها، أن يكون الطلاق بغير عوض، أن يكون النكاح صحيحا، أن تكون الرجعة في العدة، أن تكون الرجعة منجزة.

والمطلقة طلاقا رجعيا زوجة ما دامت في العدة، لها ما للزوجات من نفقة وكسوة ومسكن، وعليها ما عليهن من لزوم المسكن، ولها أن تتزين له، ويخلو بها ويطؤها، ويرث كل منهما صاحبه.

ولا يشترط في الرجعة رضا المرأة أو وليها لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}.

فهذه الطلقة الأُولى: فإن استقامت الحياة الزوجية فالحمد لله. وإذا وقع النشوز والخلاف أتينا بنفس الخطوات السابقة في العلاج والتأديب، وما زالت الزوجة في بيت الزوجية.

لو تتبعنا الخطوات الربانية في حل المشاكل الزوجية، ما وقع طلاق إلا نادرا، سبحان الله تشريع منظم دقيق من لدن حكيم عليم، شرعه الله لعباده ترفيها لهم ورحمة بهم، وعلاجا شافيا لِما يكون في الأسرة بين الزوجين من شقاق وضرار، ورسم قواعده وحد حدوده بميزان العدالة الصحيحة التامة. قال - جل جلاله-: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

هذا هو نظام الطلاق في الإسلام كما تدل عليه الأدلة الصحيحة الثابتة، من الكتاب والسنة

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
57 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
60 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
40 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
91 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
94 ١٩ يونيو ٢٠٢٣