الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ناقوس الخطر

نتمنى أن تتضافر الجهود لوضع آلية واضحة المعالم بوقت زمني محدد لإخراج جيل متكامل الجوانب في كل المجالات

ناقوس الخطر
إيهاب شاهين
الأحد ٢٠ مارس ٢٠١٦ - ١٤:١٤ م
1190

ناقوس الخطر

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

ففي زمن اختلاط الأوراق وكثرة المتكلمين هنا وهناك لا يستطيع المرء أن يميز بين الغث والسمين، وبين الحق والباطل، بعد توفيق الله تعالى إلا عن طريق العلم، والعلم إذا قل أو اندثر في قوم حلت المصائب والكوارث، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله - جل جلاله-: {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }: "أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عُبدت".

لما نسي العلم وحل مكانه الجهل وقع الشرك بالله تعالى والبدع المحدثات، والفتن بأنواعها؛ الشبهات والشهوات، بل ويحدث الضلال كما قال النبي  - صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" لما ضاع العلم حدثت الجرأة على الفتوى، تحدث الجرأة على التكفير وسفك الدماء، وهذا الجهل الذي يحل مكان العلم يدفع الناس إلى القنوط والعياذ بالله والإصرار على المعصية كما حدث مع الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، لما قذف الله في قلبه توبة إليه سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب ولكنه جاهل، فقال: هل له من توبة؟ فقال: لا. فقنطته بجهله فلم يجد بدا بعد أن أغلق باب التوبة في وجهه جهلا إلا أن تمادى في غيه وعصيانه، والسبب هذا الجاهل الذي أفتاه بلا علم فقتله وأكمل به المائة، وما زال ضميره يؤنبه وتوفيق الله عز وجل قريب منه، فما زال يبحث عن توبة فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على عالم، فبين له كيف يتوب، وختم له بخير بعد فضل الله تعالى بفتوى عالم بصير.

فناقوس الخطر يدق أجراسه عندما يذهب العلم ويحل مكانه الجهل، إذا حل الجهل تعبد بعض الناس باستحلال دماء الخلق وتكفيرهم، لأنهم لم يفرقوا بين فعل الكفر وفاعله، وقول الكفر وقائله؛ من حيث ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، فقد يقول الرجل قولا كفريا ثم هو لا يكفر لوجود مانع، كعدم القصد مثلا، مع اتفاق الجميع أن القول كفري مذموم ولكن صاحبه لم يكفر لما تلبس بمانع عدم القصد كحال الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح، أراد أن يثني على ربه فأخطأ التعبير دون قصد، كما قال النبي  - صلى الله عليه وسلم- ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح، فعذره النبي  - صلى الله عليه وسلم- بخطئه الذي لم يقصده، والذي لم يفرق بين حكم القول والقائل أو الفعل والفاعل سيقع في تكفير الناس واتهامهم بالزندقة، ومن ثم استحلال دمائهم، ويعم الفساد في المجتمع بكثرة الهرج والقتل، كل ذلك سببه غياب العلم، ولا يفهم أحد أن هذا تهوين من أمر القول الكفري أو فعله ولكن هذا تحقيق مناط لأن شأن التكفير وما يترتب عليه خطير جدا، هذا من أعظم الأمور حدوثا فضلا عما يقع من بدع محدثات، لأنه كما قال بعض أهل العلم ما ماتت سنة إلا وأقيمت مكانها بدعة، والبدعة أخطر من المعصية، فالمعصية صاحبها يعلم أنه يغضب الله بفعله ويؤمل لنفسه توبة ولو بعد حين، وإن كان هذا خطر عليه جدا إلا أن الأخطر أن يتعبد الرجل لله ببدعته هذه، ظنا منه أنها سنة، وهذا بسبب غياب العلم وحضور الجهل. هذا الناقوس الذي بدأت أجراسه تدق بصوت عال نخشى أن يعلو أكثر، ويحل مكان العلم تماما، فينتشر الفساد بأنواعه المختلفة داخل المجتمعات.

ومن رحمة الله بالخلق أنه لا يخلو زمان من قائم لله بحجة، وإن كانوا قليلا غرباء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". نريد أن نكثر من سواد هذه الطائفة حتى لا يقع ما نحذر منه من خطر.

وأول من يجب أن يسمع هذا الناقوس الخطر من كان له اهتمام بالعلم ثم تركه، من كان يحضر حلقات العلم وتركها، من كان له اطلاع على كتب العلماء وتركها، من كان ينوي إخراج أبحاث علمية وانشغل عنها بغيرها، من انشغل بمفضول وترك هذا الفاضل، نتمنى أن تتضافر الجهود لوضع آلية واضحة المعالم بوقت زمني محدد لإخراج جيل متكامل الجوانب في كل المجالات؛ الأزهر من جانب، والمعاهد العلمية من جانب آخر، والعلماء في المساجد من جانب ثالث، أجراس الخطر تدق إن لم يساهم كل واحد منا في ذلك فالخطر لاحق بالجميع.

نسأل الله أن يحفظنا وبلادنا من كل سوء. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً