الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إياكم والدمار... !

مَن يحاولون القضاء على الدعاة إلى الله والمريدين الإصلاح ، ويحاولون إقصاءهم، ويحاولون إسكات أي صوت ناهٍ عن الفساد؛ هم سبب الدمار والهلاك

إياكم والدمار... !
ياسر برهامي
السبت ٠٢ أبريل ٢٠١٦ - ٠٩:٢٠ ص
1346

إياكم والدمار... !

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تكرر في القرآن كثيرًا ذِكرُ سُنة الله -سبحانه- "التي لا تبديل لها ولا تحويل" في الأمم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر:43)، بذكر الارتباط بيْن مصير الأمم إعزازًا وإذلالاً، وغنى وفقرًا، وضيقًا وسعًة، وتمكينًا واستضعافًا، وإبقاءً وإهلاكًا، وبيْن عقائدهم وعملهم، قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96)، وقال عن أهل الكتاب: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (المائدة:66)، وقال -سبحانه-: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (المؤمنون:44).

وقال -سبحانه وتعالى- عن بني إسرائيل: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) (الإسراء:4-5).

فالفساد مِن أعظم أسباب تسليط الأعداء على الأمة المسلمة "ولو كان الأعداء كفارًا، يدمِّرون المساجد ويخرِّبون البلاد"، كما قال -تعالى- عنهم في الإفساد الثاني: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء:7)، أي يدمِّروا ما علوا تدميرًا، وقد علوا على المسجد الأقصى ودمروه!

بل إن نوعية الرزق حِلاً وحرمة، وسعًة وضيقًا مرتبطة بالعمل، مع أن العمل الحلال هو الأصل، وهو الأوسع والأكثر، والحرام هو الأضيق والأقل؛ ذلك أن فسق الناس ومعاصيهم مِن أسباب أن يتسع الرزق الحرام، ويضيق الرزق الحلال، بل ربما يختفي بالكلية، قال الله -تعالى-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:163)، فصيد السمك كان حلالًا لهم ستة أيام في الأسبوع ومحرَّمٌ عليهم العمل في يوم واحد، وهو يوم السبت؛ فصار السمك لا يظهر في البحر كل أيام الأسبوع، ولا سمكة واحدة، ويملأ البحر يوم السبت؛ ابتلاءً ومحنة بسبب الفسق؛ لعلهم أن يرجعوا ويتوبوا إلى الله ليعود الرزق الحلال أوسع.

والآيات في هذا كثيرة جدًا تقرر قاعدة كلية مضطردة مستمرة عبْر الزمان في إثبات هذه العلاقة بيْن عقائد الناس وأعمالهم باتباع الرسل أو تكذيبهم، والعمل بطاعة الله وأولها التوحيد وترك الشرك، أو العمل بمعصيته والخروج عن شريعته، وبيْن المصائر والمآلات والأزمات التي تحل بهم أو تُفرج عنهم.

وأمتنا لا تخرج عن هذه القاعدة، وبلادنا ومجتمعاتنا داخلة تحتها؛ فمحال أن نبحث عن مخرج لأزماتنا ومشاكلنا بعيدًا عنها، والله قد أخبر أن انتشار الفساد مُهلك، وأن النهي عن الفساد نجاة، فقال: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) (هود:116)؛ أي: فهلا كان مِن الأمم مِن قبْل أمة الإسلام أصحاب بقية ممن بقوا على ما كان عليه الأنبياء، لكن لم يقع ذلك (إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ)؛ فدَّل على أن غير هؤلاء القليل هلكوا.

وبيَّن -سبحانه- سبب ذلك، وهو الدخول في الأمور الثلاثة التي هي دائرة مفرغة للهلاك يؤدي بعضها إلى بعض ثم إلى أصلها، وهي: "الظلم والترف والإجرام": فقال -تعالى-: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)؛ فالظلم بأنواعه يجعل الإنسان حريصًا على الترف لا يحتمل الحياة بعيدًا عنه، وهذا يدفعه إلى الإجرام لينال الترف؛ فيرتكب الجرائم ليزداد مالاً وسلطة وشهرة، فيحتاج إلى ظلم الناس ومداهنة أهل الشرك والكفر، والنفاق والظلم؛ ليحافظ على ترفه، ويهرب مِن عقوبة جرائمه؛ فيدخل في الدائرة المهلكة للأمة (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16).

فما النجاة... ؟!

بيَّن -سبحانه- أنه يريد المُصلِحين وليس فقط الصالحين "بل في الحقيقة لا يكون الإنسان صالحًا إلا إذا كان مصلحًا قدر استطاعته" كما قال -عز وجل-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى? بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود:117)، وهذا هو القول الأول بأن المقصود أن الله لا يظلم الناس فيهلكهم وهم مصلحون، وإنما لا يُهلِك إلا المفسدين؛ فإن عموم الإصلاح وغلبة المصلحين نجاة للبلاد والعباد. وعلى القول الثاني: فإن المقصود أن الله لا يهلك الأمة بظلمٍ مِن أفرادها وفيها مَن يصلح مثل قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال:33)، أي وفيهم مَن يستغفر، فإن وجود الفئة المصلحة -حتى لو كان الفساد ظاهرًا كثيرًا- مانع للهلاك العام والعقوبة العامة للأمة والبلاد.

مِن هنا نخلص إلى ما نريد، وهو: أن مَن يحاولون القضاء على الدعاة إلى الله والمريدين الإصلاح "بأنفسهم وأزواجهم، وجيرانهم، وزملائهم وأصدقائهم، وكل مَن حولهم في مجتمعهم"، ويحاولون إقصاءهم، ويحاولون إسكات أي صوت ناهٍ عن الفساد؛ هم سبب الدمار والهلاك، وأن مَن ينشر الفساد الاعتقادي والعملي والأخلاقي والسلوكي، ويسعى لنشر الحرام وتقريره وتقنينه وعلوه؛ هو سبب الخراب والأزمات؛ فاحذروا مِن أسوأ النتائج مهما حسُنت الصور، وتزخرفت العناوين!

فإياكم.... ومحاربة الدعوة إلى الله باسم التنظيم والترتيب!

إياكم.... والتضييق على دعاة الإصلاح الذين بهم تُحفظ العباد والبلاد "وبهم حفظت"؛ فإن في ذلك فتح أبواب الانحراف الفكري والعملي الذي هو طريق الإرهاب والتخريب.

إياكم... والظلم والاعتداء على حقوق الناس "مسلمهم وكافرهم"؛ باسم المحافظة على كيان الدولة وهيبتها، فإن هيبتها في العدل والحق والقسط، وهذا سبب بقائها.

إياكم... والفتح لدعاة الفساد والفجور باسم حرية الإبداع أو مواكبة العصر أو موافقة متطلبات العالمية؛ فإنهم لا يريدون لبلادنا إلا الخراب والدمار والانقسام.

كونوا مع الله يكن الله معكم.

اللهم نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك مِن سخطك والنار.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة