الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

واحدة فقط من كل أربع وعشرين

الدعوة هي مشروع العمر، فالهمة الهمة، والإقدام الإقدام لنصرة دين الإسلام قبل فوات الأوان وضياع الساعات والأيام والشهور والأعوام

واحدة فقط من كل أربع وعشرين
شحاتة صقر
الاثنين ١١ أبريل ٢٠١٦ - ١٦:٣٨ م
1263

واحدة فقط من كل أربع وعشرين

كتبه/ شحاتة صقر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لو تخيلنا رجلًا عنده عشرون فدانًا صالحةً للزراعة، ولكنه يزرع منها فدانًا واحدًا فقط، ويترك الباقي دون استزراع، وأيضًا عنده عشرة من الأولاد؛ يستطيعون العمل ولكنه يستعمل منهم ثلاثةً فقط ويترك الآخرين نيامًا في البيت، ثم هو يشكو الفقر وقلة ذات اليد، فهل مثل هذا الرجل ناجح في إدارته لما لديه من إمكانيات مادية وكوادر بشرية؟. ولو تخيلنا مؤسسة بها خمسون عاملًا يعمل منهم خمسة فقط بكامل طاقتهم بينما الآخرون في سبات عميق، فهل هذه المؤسسة ناجحة؟.
إن نجاح أية مؤسسة مرهون –بعد توفيق الله سبحانه وتعالى– بقدرتها على حُسن الاستفادة مما لدى كوادرها من إمكانات، ولكي يتحقق هذا يجب على المسئولين في تلك المؤسسة معرفة تلك الإمكانات ثُم توظيفها لخدمة أهداف تلك المؤسسة. وكلما أحسن المسئولون الاستفادة من هذا التوظيف كلما زادت نسبة حدوث النجاح. 
وأَوْلَى المؤسسات باستغلال كوادرها هي المؤسسات الدعوية التي تخدم دين الله -سبحانه وتعالى- فلابد أن تكون المؤسسات الدعوية على وعي تام بوسائل استغلال الطاقات وتوجيهها والارتقاء بمستواها. والخطوة الأولى في هذا الأمر هي حصر تلك الكوادر، وإقناعها بأهمية الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- وتحفيزهم للعمل للدين، وتوجيه كل شخص إلى الدور المتناسب مع إمكاناته.
والتحفيز للعمل الدعوي يكون -كما ذكر بعض الدعاة- بالتذكير الدائم بالله وبفضيلة الإخلاص في الأعمال وثوابها العظيم عند الله، عز وجل. وتقسيم الدعاة إلى مجموعات متناسبة في التوزيع والمهام، والاهتمام بالدعاة باستمرار، ومنع وصول شعور سلبي لهم، بأنَّ هناك إهمالًا في متابعتهم. وبَثّ روح المسئولية في كلِّ فرد على أن يشعر كأنَّه هو وحده المسئول عن العمل. وتوفير الدعم الفني لهم وتدريبهم والتوجيه المستمر وتعهدهم بالنصح والإرشاد. وإشراكهم في وضع التصورات الخاصة بالعمل، وأن يُطلَب منهم عصفًا ذهنيًا لمزيد من الأفكار لتطوير العمل. ومنحهم الثقة بأنَّ لديهم القدرة على حلِّ مشكلاتهم بأنفسهم مع التعاهد بالنصح والإرشاد.
وبعملية حسابية بسيطة يمكن إدراك مدى خطورة إهمال الكوادر الدعوية القادرة على العطاء ومدى جدوى استغلالها، فلو أن هناك منطقة بها عشرة من الدعاة وأنفق كل واحد منهم يوميًّا ساعةً واحدةً فقط في الدعوة، خادمًا لدين الله، سبحانه وتعالى، فسيكون عندنا في تلك المنطقة 10ساعات دعوية في اليوم، و300 ساعة في الشهر، و3650 ساعة دعوية في السنة. فساعة واحدة للدعوة في اليوم = 30 ساعة في الشهر = 365 ساعة في السنة. ولك أن تتصور ثمار تلك الساعات المباركة إذا ما زانها الإخلاص والتعاون والتنسيق بين الدعاة.
ومع تعدد وسائل الدعوة اليوم هل هناك عذرٌ لأحد في التخاذل عن نصرة دين الله، وإنفاق 4% من يومه في سبيل الله، فساعة واحدة من أربع وعشرين = 4.16% من اليوم، فهل تبخل على نفسك أن تنفق لها كل يوم ساعة واحدة تجدها في ميزان حسناتك يوم القيامة؟.
ورغم أن الوسائل الدعوية كثيرة –بفضل الله– فوسيلة واحدة فقط -وهي الدعوة الفردية- لنا أن نتصور ثمارها المذهلة بعملية حسابية بسيطة، فلو أن أحد الناس التزم بدين الله -سبحانه وتعالى- ثم في خلال سنة ونتيجة الدعوة الفردية التزم على يديه شخص آخر، ثم قام الاثنان بالدعوة الفردية فالتزم على أيديهم اثنان آخران في خلال سنة أخرى، فأصبحوا في السنة الثانية أربعة، ثم قام الأربعة بالدعوة الفردية فالتزم على أيديهم أربعة في خلال سنة، فأصبحوا في السنة الثالثة ثمانية، وهكذا في متوالية هندسية، فكم سيكون عدد الملتزمين بعد 10 سنوات؟ الإجابة: 1024، أي أكثر من الألف.
وأيضًا بعملية حسابية بسيطة يمكن تحفيز الدعاة للعمل لدين الله عن طريق متوالية الأجر الهندسية، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا" (رواه مسلم).
ولو فكَّرنا في هذا الحديث، وحسَبْنا مقدار الأجر الناتج عن الدعوة بإخلاص، لَهَانت علينا مشقة الدعوة ومتاعبها، ولَبَذَلْنا أقصى جهدنا لتذليل العقبات التي تواجهها، ولو أخذنا مثلًا شخصًا كان لا يصلي، فأصبح من المحافظين على الصلاة بعد أن دعاه داعية مخلصٌ إلى الله، عز وجل، فإن أجر كل صلاةٍ يصليها هذا التائب ينال الداعية مثله، فتخيل لو أنه عاش بعد الهداية عشرين سنة، فكم صلاة يكون قد صلاها هذا التائب؟
فلنحسب سويًّا: في اليوم: 5 صلوات، في الشهر: 5 × 30 = 150 صلاة. في السنة: 150 × 12= 1800 صلاة. في العشرين سنة: 1800 × 20 = 36000 صلاة. للداعية مِثْلُ أجر ستٍّ وثلاثين ألف صلاة، ولو أن هذا التائب قد دعا أصحابه الذين لا يصلون فصَلّوا، فللداعية نفس الأجر، وإذا عَلّم هؤلاء زوجاتهم وأولادهم الصلاة فللداعية نفس الأجر وهكذا.
فالدعوة هي مشروع العمر، فالهمة الهمة، والإقدام الإقدام لنصرة دين الإسلام قبل فوات الأوان وضياع الساعات والأيام والشهور والأعوام، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوَدَّ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ"، (رواه الإمام أحمد في المُسنَد، وحسّنه الألباني).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com