الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الاستشراق قديما وحديثا وواقعنا المرير -2

ما هو موقف الحكومات الغربية و الأوربية من دعم الدراسات الاستشراقية؟

الاستشراق قديما وحديثا وواقعنا المرير -2
مصطفى خطاب
الثلاثاء ١٢ أبريل ٢٠١٦ - ١١:١٤ ص
1489

الاستشراق قديما و حديثا و واقعنا المرير (2)

كتبه/ مصطفى خطاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ذكرنا في المقال السابق مقدمة عن الاستشراق وأسباب نشأته وأهدافه. ونتناول في هذا المقال بعض النقاط الأخرى المتعلقة بعلاقة اليهود والاستشراق، وهل بالفعل نشهد مرحلة أُفول لعلم الاستشراق؟.
علاقة اليهود بالاستشراق:
ذكرنا في المقال السابق أن نشأة الاستشراق وخلفياته نشأت من خلفية مسيحية، وأن أغلب المستشرقين من المسيحين، ولأهداف مسيحية، لكن هل لليهود أي علاقة بالاستشراق أو نشاط استشراقي؟، وسرعان ما نجد الإجابة، نعم لليهود أنشطة ومجهودات استشراقية فيما يتعلق بكافة أهداف الاستشراق وأنشطته.
ويجيب أيضا د. محمود حمدي زقزوق علي هذا السؤال في كتابه "الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري" بما يلي:" ما هي الأسباب التي دفعت بعض اليهود إلى الإقبال على الاستشراق؟.. وما الدور الذي قاموا به في إطار الحركة الاستشراقية؟"
والإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، فمن الصعب الحصول على إجابة صريحة في هذا الصدد، وذلك لأن المراجع التي تتحدث عن الاستشراق وتطوره قد أغفلت الحديث عن هذا الجانب. ونعتقد أن سبب إغفال الحديث عن هذا الموضوع يرجع إلى أن المستشرقين اليهود قد استطاعوا أن يُكيفوا أنفسهم ليصبحوا عنصراً أساسياً في إطار الحركة الاستشراقية الأوروبية النصرانية. فقد دخلوا الميدان بوصفهم الأوروبي لا بوصفهم اليهودي . وقد استطاع "جولد تسيهر" في عصره ـوهو يهودي مجري- أن يصبح زعيم علماء الإسلاميات في أوروبا بلا منازع، ولا تزال كتبه حتى اليوم تحظى بالتقدير العظيم والاحترام الفائق من كل فئات المستشرقين .
وهكذا لم يرد اليهود أن يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم مستشرقين يهود حتى لا يعزلوا أنفسهم؛ وبالتالي يقل تأثيرهم. ولهذا عملوا بوصفهم مستشرقين أوروبيين، وبذلك كسبوا مرتين: كسبوا أولاً فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلها، وكسبوا ثانياً تحقيق أهدافهم في النيل من الإسلام، وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية المستشرقين النصارى.
ويشير الأستاذ الدكتور محمد البهي -رحمه الله- في كتابه "الفكر الإسلامي الحديث" إلى ملاحظة لبعض الباحثين حول تفسير إقبال اليهود على الاستشراق. وتتلخص هذه الملاحظة في أنهم أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية وسياسية. أما الأسباب الدينية فإنها تتمثل في محاولة إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية عليه، وذلك بإدعاء أن اليهودية في نظرهم هي مصدر الإسلام الأول.

أما الأسباب السياسية فإنها تتصل بخدمة الصهيونية فكرة أولاً ثم دولة ثانياً .
ويرى الدكتور البهي أن وجهة النظر هذه على الرغم من أنها لا تعتمد على مصدر مكتوب يؤيدها، فإن الظروف العامة والظاهرة المترادفة في كتابات هؤلاء المستشرقين تعزز وجهة النظر هذه وتضفي عليها بعض خصائص الاستنتاج العلمي.
ونحن في الواقع لسنا في حاجة إلى دليل لإثبات كراهية اليهود للإسلام، وذلك لأن هذه الكراهية قد ظهرت واضحة كالشمس منذ ظهور الإسلام. وقد أكد القرآن ذلك في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.
وقد ظل اليهود طوال تاريخهم يتحينون كل فرصة متاحة ليكيدوا للإسلام والمسلمين. وقد وجدوا في مجال الاستشراق باباً ينفثون منه سمومهم ضد الإسلام والمسلمين، فدخلوا هذا المجال مستخفين تحت رداء العلم، كما وجدوا في الصهيونية باباً آخر يفرضون منه سيطرتهم على العرب والمسلمين."
و من أشهر المستشرقين اليهود :
-
 "جولدتسيهر": الذي يعده المستشرقون أعمق المستشرقين العارفين بالحديث النبوي، أَلّفَ الكتب وكتب المقالات بهدف الطعن في السنة النبوية، وتعتبر كتبه المرجع الاْساسي في دراساتهم للأحاديث والسنن، ولم يخرج عن متابعته في كل ما قاله إلا فئة قليلة جدا من المستشرقين المتأخرين عنه. وقد زار مصر في الفترة من 14 يناير 1874، إلى أبريل 1874.
-
 "دي ساسي": الذي شغل منصب مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية. 
مستقبل الاستشراق:
يذكر بعض الباحثين ان الاستشراق يمر بمرحلة النهاية والأفول، وانخفاض نشاطه و تأثيره، وهذا الطرح يبني تصوره اعتمادا على انحسار الاستعمار العسكري عن البلدان الإسلامية.
وهذا الطرح يتميز بحالة من ضيق الأفق حيث يتم فيه حصر أهداف وأثار الاستشراق في الأهداف العسكرية و الاستعمارية فقط، في حين أن له أهداف أخرى قد لا تقل خطورة عن الاحتلال العسكري، هذا بالإضافة إلى أنه حتى الأهداف الاستعمارية العسكرية أصبحت لها أساليب وأدوات أخرى تختلف عما كانت عليه سابقا، ناهيك عن الهدف الأخطر على الإطلاق وهو الغزو أو الاحتلال الفكري للمجتمعات الإسلامية والعربية من خلال العبث بثقافتها وتغيير هويتها، وهو الجيل الجديد من الحروب الفكرية.
وهنا يبقي سؤال ملح: ما هو موقف الحكومات الغربية و الأوربية من دعم الدراسات الاستشراقية؟
هنا يمكن الإجابة علي هذا السؤال من عدة جوانب أولها أن المتابع للسياسات الغربية يظهر له بوضوح مدى أثر تلك الدراسات الاستشراقية وتأثيرها على صناعة القرار والسياسات بها تجاه العالم الإسلامي.
ثانيا: من وجهة نظري أن مراكز الأبحاث و الدراسات السياسية والاستراتيجية الحالية هي إحدى ثمرات الاستشراق، وأنها استفادت بشدة من تلك الدراسات السابقة ولا تزال، ولا يخفى علي الجميع أن عملية صنع السياسات وترجيح القرارات والآراء يعتمد بشكل كبير على تقارير ودراسات تلك المراكز، وهو الأمر الذي يبدو جليا فيما يقوله "أوليريش هارمان": "هناك أيضا الضغط الملح من قبل أولئك الذين يقدمون الأموال لدعم النتائج التي تؤدي إلى احتواء العالم العربي والإسلامي والتشبث به باعتباره منطقة اضطراب، حيث تكمن اهتمامات العرب و مصالحه"، فالمتابع لبعض تلك المراكز البحثية يدرك حجم تأثيرها في صنع القرار في الدول الغربية كأمريكا و أوروبا وأن هذه المركز باتت تستحوذ على الجزء الأكبر من الاهتمام والتمويل من أجل إيجاد دراسات وخطط واستراتيجيات لتكريس الأهداف الغربية في السيطرة وتفتيت العالم الإسلامي. وهذا بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من طمس و تغيير للهوية والثقافة في المجتمعات الإسلامية مما يسهل بعد ذلك تحقيق أي أهداف أخرى سواء سياسية أو عسكرية أو اقتصادية. والواقع الحالي خير شاهد ودليل على هذا الأمر.
وللحديث بقية إن شاء الله...

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة