الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مشاريع تدبُّر القرآن... ضوابط ومحاذير

مَن الذي يضمن لنا ألا يعجب أحدهم بما جادت به قريحته، ولا يتراجع أمام التفسير الصحيح، كما حدث في تجربة المعتزلة

مشاريع تدبُّر القرآن... ضوابط ومحاذير
عبد المنعم الشحات
السبت ١٦ أبريل ٢٠١٦ - ٠١:١٢ ص
8147

مشاريع تدبُّر القرآن... ضوابط ومحاذير

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مِن القضايا التي يُجمِع عليها الدعاة والخطباء، بل وربما العامة: أن القرآن نزل ليُتلى وتُفهم معانيه، ويُعمَل بما فيه، ولكن مع هذا حدثت أنواع مِن الاضطراب في هذه المسألة.

وهذا راجع إلى أمورٍ، منها:

1- أن هذا الاتفاق على هذا المعنى لا ينفي حقيقة مستقرة هي الأخرى أن القرآن يُتعبد بتلاوته؛ وبالتالي فتلاوته مطلوبة لذاتها باعتبار الثواب المترتب عليها، وباعتبار إقامة الصلوات بها، ومطلوبة لغيرها مِن جهة أن المطلوب: الفهم لكل ما دلتْ عليه بدلالة المنطوق، وبدلالات المفهوم المختلفة، وسائر طرق الاستنباط.

2- أن هذا الفهم شرط لحصول العلم بدلالة الآيات، والذي لا بد بعده مِن العمل؛ إلا أن استغراق البعض في قضية أن القرآن يُتعبد بتلاوته قد جرَّ إلى أنواع مِن الانحراف، منها ما يدخل في حيز البدع: كوضع المصاحف في مداخل المحال التجارية، وكالاجتماع على القراءة في السرادقات حيث الجميع منصرف حتى عن التلاوة والاستماع؛ فضلاً عما في هذه الاجتماعات مِن مخالفاتٍ شرعية أخرى كثيرة.

3- وعلى صعيد آخر، وفي أوساط مَن يصفون أنفسهم أو يصفهم الناس باتباع السُّنة وُجد مَن يتخصص في علم التجويد أو القراءات دون أن يلم بحدٍّ يَليق بحامل للقرآن مِن معرفة تفسير القرآن.

4- وهذه الظواهر كانت -وما زالت- بحاجة إلى التذكير المتكرر لمواجهة هذه الظواهر السلبية، وهي ظواهر تتواجد في كل زمان ومكان؛ لارتباطها بآفاتٍ بشرية، وحيل شيطانية تستثمر تلك الآفات البشرية مِن النظرة الأحادية أو الانشغال بالمفضول عن الفاضل أو الانشغال بالجزء عن الكل، إلى آخر ذلك.

5- وفي هذا الصعيد خرجتْ دعوات كثيرات تنادي بأن الآفة في ترك تدبر القرآن؛ لا سيما وأن الله -تعالى- قد بيَّن أن الكفار والمنافقين لو تدبروا القرآن لقادهم هذا إلى الإيمان، فقال -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82)، وقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).

6- ومع وضوح القضية والاتفاق العام عليها بدأ البعض يبحث عن وضع تشخيص للمشكلة وعلاج لها، وأُنشئتْ مراكز بحثية وهيئات محلية وعالمية للتدبر، بل ودارتْ رُحى حرب اصطلاحية حول التدبر والفرق بينه وبيْن التفسير، والفرق بينهما وبيْن الاستنباط، وهل الأثر القلبي هو جزء مِن التدبر؟ أو هو التدبر ذاته؟ أو أنه ثمرة له؟!

7- وحاول البعض تقديم أوراق عملية لإعانة الدارسين على التدبر؛ فصاغ الأمر على شكل أسئلة يجب أن يسألها كل واحد لنفسه حول الآية أو حقوق يراجعها، واستعان البعض بطرق مدربي التنمية البشرية الذين يبالغون في تنميق الفكرة وتهويلها في كثير مِن الأحيان، وهي أمور قد تبدو في بداياتها مِن الوسائل المباحة، ولكنها في كثير مِن الأحيان تقود إلى انحرافاتٍ أو بدع أو -على الأقل- تحجير واسع.

ونحن في هذه المقالة بعد هذا الاستعراض نلخِّص أهم النقاط المتعلقة بهذه المسألة:

أولاً: كيف يمكننا أن نفهم القرآن ونعمل به؟

1- معرفة تفسير القرآن وهو مراد الله مِن الآيات، وهذا يشمل أمورًا:

أ‌- معرفة معاني المفردات، وكلما بعدنا عن زمن التنزيل كلما كانت الحاجة إلى ذلك أمسّ؛ لا سيما في أزمنتنا التي "استعجم فيها العرب" -على حد قول العلامة الألباني رحمه الله-.

ب‌- معرفة معنى منطوق الآية، وهو ما يسميه بعضهم بالمعنى الإجمالي للآية أو للآيات، ومِن الباحثين مَن يرى أن هذا القدر والذي قبْله هو الأقرب لاسم التفسير، وأن الذي بعده زيادة في العلم بالقرآن وليس داخلاً فيه، ومنهم د."مساعد الطيار" في كتابه: "مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسِّر"؛ وعلى أي فلا مشاح في الاصطلاح، والذي يجب اتباعه لمعرفة هذا التفسير هو: الرجوع إلى القرآن -فآيات القرآن يفسِّر بعضها بعضًا-، ثم إلى السُّنة؛ لقوله -تعالى-: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل:44)، ثم إلى أقوال الصحابة والتابعين؛ لكونهم هم مَن عاصر التنزيل، مع الرجوع فيما لم يُتبيَّن أن الشرع قد عرَّفه بتعريفٍ خاص "كألفاظ: الإيمان، والصلاة، والزكاة، وغيرها... " إلى لغة العرب؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (يوسف:2)، وهذا ما يعيدنا إلى النقطة الأولى (يراجع مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية، وشرحه للعثيمين، وأصول في التفسير لابن عثيمين).

ج- وبعد معرفة معنى منطوق الآية، يأتي إعمال المفهوم مِن مفهوم المخالفة والموافقة -كل بشروطه-، ومِن ربط الآية بغيرها مِن الآيات، ومِن المتفق عليه تسمية هذه العملية بالاستنباط، ولكن: هل الاستنباط مرحلة بعد التفسير أو أنها إحدى مراحله؟ فهذا فيه خلاف، وهو خلاف اصطلاحي، وإن كان مِن المهم التمييز بيْن هاتين المرحلتين بحيث تُعطى الأولى للمبتدئ أو الذي توجهتْ همته إلى الحفظ، ويريد أن يجمع مع الحفظ معرفة إجمالية بكتاب الله.

وأما هل يسمَّى هذا بالتدبر؟ لو تتبعنا كلام العلماء؛ لوجدنا أن كثيرًا منهم يسمِّي عملية الاستنباط تدبرًا، وهذا مِن باب أن التدبر عمل عقلي فيه إعمال النظر في كتاب الله وما دلَّ عليه مِن معانٍ، وسوف نعود إلى ذلك لاحقًا -إن شاء الله-.

والذي يهمنا هنا تقرير الشروط التي ينبغي توافرها في عملية الاستنباط، فكما هو واضح: فإن الاستنباط أعمق مِن التفسير الإجمالي؛ فكيف يلزم أهل العلم قديمًا وحديثًا مَن يطلب معنى الآيات بالرجوع إلى الكتاب والسُّنة وأقوال السلف، بالإضافة إلى اللغة، ثم يأتون إلى ما هو أوسع ويحتاج إلى نظر أشمل؛ فيجعلونه كلأً مباحًا، كما يزعم بعضهم!

وقد جمع ابن القيم -رحمه الله- ضوابط ذلك في "التبيان في أقسام القرآن" فقال: "وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون. وتفسير على المعنى، وهو الذي يذكره السلف. وتفسير على الإشارة والقياس، وهو الذي ينحو إليه كثير مِن الصوفية وغيرهم؛ وهذا لا بأس به بأربعة شرائط: أن لا يناقض معنى الآية. وأن يكون معنى صحيحًا في نفسه. وأن يكون في اللفظ إشعار به. وأن يكون بينه وبيْن معنى الآية ارتباط وتلازم؛ فإذا اجتمعتْ هذه الأمور الأربعة كان استنباطـًا حسنًا".

إذن هذه المراتب الثلاث لمعرفة معنى الآية: "معاني المفردات - المعنى الإجمالي أو منطوق الآية - الاستنباطات على تنوعها".

ثانيًا: التدبُّر وعلاقته بالتفسير:

يقول الشنقيطي -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29): "وقد ذكر -جلَّ وعلا- في هذه الآية الكريمة أنه أنزل هذا الكتاب معظمًا نفسه -جلَّ وعلا- بصيغة الجمع، وأنه كتاب مبارك، وأن مِن حِكَم إنزاله أن يتدبر الناس آياته، أي: يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها، حتى يفهموا ما فيها مِن أنواع الهُدى، وأن يتذكر (أُولُو الْأَلْبَابِ): أي يتعظ أصحاب العقول السليمة مِن شوائب الاختلال".

ويقول الشيخ العثيمين في كتابه أصول في التفسير: "والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك فاتت الحكمة مِن إنزال القرآن، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها؛ ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه".

والمقصود أن هاهنا أمرين:

الأول: معرفة المعنى "معنى الألفاظ - المعنى الإجمالي - المعاني المستنبطة منها".

الثاني: الانتفاع بها، وهو يشمل أمرين:

أ‌- عقلي: وهو الوصول إلى إدراك أن مثل هذا الكلام لا يأتي به البشر، وما شابه ذلك مِن المعاني العقلية.

ب‌- قلبي: وهو امتلاء القلب بالتعظيم لهذا الكلام، والحب لمُنزِّله -عز وجل- والخوف منه، ورجاؤه، وهكذا... بحسب المعاني المقصودة مِن كل آية مِن آي القرآن الكريم.

فهل التدبر هو معرفة معنى الألفاظ، أو أنه معرفة المعنى الإجمالي، أو أنه التفكر العقلي في الآيات لاستخراج كل ما فيها مِن دقائق الاستنباط، أو أنه النتيجة العقلية لهذه العملية العقلية، أو النتيجة القلبية لهذه العملية العقلية؟

في الواقع إن تحرير كل هذا قد يؤول إلى الخلاف اللفظي، إذا استحضرنا بعض الأمور، والتي منها:

1- أن معرفة المعنى مطلوب أساسي سواء قلنا بدخوله في اسم التدبر أم لا؟

2- أن معرفة المعنى له قواعد سبق بيانها لكل نوع مِن أنواع معرفة المعنى: "معنى اللفظ - المعنى الإجمالي - الدقائق والاستنباطات العلمية".

3- أنه لا يكفي معرفة المعنى حتى يعمل فيه الفكر للوصول إلى المعنى العقلي والقلبي المقصود.

وهذا ما يتضح مِن نُقُول العلماء في تفسير الآيات الداعية للتدبر التي تقدَّم بعضها، ومِن ذلك: قول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا): "يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَنَاهِيًا لَهُمْ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَعَنْ تَفَهُّمِ مَعَانِيهِ الْمُحْكَمَةِ وَأَلْفَاظِهِ الْبَلِيغَةِ، وَمُخْبِرًا لَهُمْ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا اضْطِرَابَ، وَلَا تَضَادَّ وَلَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فَهُوَ حَقٌّ مِنْ حَقٍّ؛ وَلِهَذَا قَالَ -تَعَالَى-: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). ثُمَّ قَالَ: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ) أَيْ: لَوْ كَانَ مُفْتَعَلًا مُخْتَلَقًا، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ جَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي بَوَاطِنِهِمْ (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) أَيْ: اضْطِرَابًا وَتَضَادًّا كَثِيرًا. أَيْ: وَهَذَا سَالِمٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. كَمَا قَالَ -تَعَالَى- مخبرًا عن الراسخين في العلم حَيْثُ قَالُوا: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آلِ عِمْرَانَ:7)، أَيْ: مُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ حَقٌّ؛ فَلِهَذَا رَدُّوا الْمُتَشَابِهَ إِلَى الْمُحْكَمِ فَاهْتَدَوْا، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ رَدُّوا الْمُحْكَمَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ فغووا؛ وَلِهَذَا مَدَحَ تَعَالَى الرَّاسِخِينَ وَذَمَّ الزَّائِغِينَ"

ثالثًا: العلم والعمل:

المطلوب مِن الأمة ككل أن تعلم الحق وتعمل به، ولتفاوت همم الناس كان طلب العلم مِن فروض الكفايات، قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122).

والعامة لا بد لهم مِن العمل، ولكنهم في العلم لا يلزمهم معرفة الدليل؛ فضلاً عن معرفة الدليل بشرحه وطرق الاستنباط منه، وإنما فرضهم السؤال، قال الله -تعالى-: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل:43).

وأما العلماء وطلبة العلم الذين يتمكنون مِن معرفة الدليل؛ فيلزمهم العمل مِن باب أولى.

تعليق حول تعلم الإيمان والقرآن:

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ، وَأَحَدُنَا يَرَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ نُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا، كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقْلِ".

وهذا الحديث فيه شرف الصحابة -رضي الله عنهم- الذين مكَّنهم الله مِن أفضل حالات العلم والعمل، فكان القرآن ينزل فيقرأه عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يعلمهم ما فيه مِن أحكام فيعملون بها، ثم يحفظونها أو على الأقل لا يطلبون حفظ غيرها قبْل أن ينتهوا منها.

ولكن هل استمرت الأمة على هذه الوتيرة؟!

إن المتابع لكل الروايات التي فيها شيء مِن هذا يلحظ أن الصحابة يخاطبون التابعين بأنهم لم يتبعوا ذات أسلوب الصحابة، بل ليس في الأمر إلا استنكار غياب معنى العمل عند البعض.

وفي الواقع: إن التمسك بهذا النص على أهميته، وإهمال أن مِن الصحابة مَن كان همه الجهاد في سبيل الله، ولم يكن مِن المشتغلين بالعلم، ومنهم المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد، ومنهم مَن قال: "أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ" (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

ثم إن الأمر ازداد وضوحًا في التابعين حتى فيمن يطلبون العلم فيهم؛ فتنوعوا في أنواع العلوم، فمنهم مَن كان جلّ همه في نقل القرآن بالتواتر، وهو مِن آكد الواجبات على الأمة، ومنهم مَن عني بتفسيره، ومنهم مَن عني بحلاله وحرامه، بل حتى الحديث ذاته مع أنه غير متعبَّد بألفاظه إلا أن حفظ ألفاظه وسيلة لفهمه، فقد وُجد مَن سدَّ هذه الثغرة، وُوجد مَن سد ثغرة الفهم والاستنباط، وكل هؤلاء لم يكونوا ممن يكتفون بالعلم ويتركون العمل؛ لأننا قد اتفقنا أن العمل ممكن للعامي الذي لم يتمكن مِن شيء مِن العلم، فغاية ما هنالك أن كلاً مِن هؤلاء يكون في العلوم الأخرى بمنزلة العامي؛ فيسأل ليعمل.

فالعمل مطلوب على كل حال، والحفظ والتفسير كلاهما مِن فروض الكفايات، ومَن قام بهما معًا فهو أفضل، ومَن قام بأحدهما فقد قام ببعض الخير.

جاء في كتاب المنتقى مِن فتاوى الشيخ "الفوزان" الجزء الثاني، هذا السؤال وجوابه: "رجل يقول‏:‏ إنه يحاول حفظ القرآن، لكنه لا يتمكن مِن قراءة التفسير لظروف عمله: هل يستمر بالحفظ فقط‏؟

لا بأس بذلك، فليس مِن لوازم الحفظ أن تقرأ التفسير، بل إذا أمكن أن تحفظ وأن تقرأ التفسير؛ فهذا شيء طيب، وإذا لم يتيسر؛ فإنك تحفظ القرآن أولاً، وإذا تيسر الأمر وسنحت الفرصة فإنه تقرأ التفسير بعد الحفظ، فالجمع بيْن الحفظ والتفسير أكمل إذا تيسر، أما إذا لم يمكن قراءة التفسير ولم تتمكن إلا مِن الحفظ فإنك تقتصر على الحفظ وتحفظ القرآن، ثم بعد ذلك تقرأ التفسير، وفي كلا الحالتين لا بد مِن العمل بالقرآن، فإنه لا يكفي الحفظ ومطالعة التفسير بدون عمل".

وأما أبرز الأخطاء الموجودة في بعض مناهج التدبر المطبقة في دور تحفيظ القرآن حاليًا:

1- استغراق بعض مطبقيها في حالة مِن حالات الإعجاب بالنفس ومدحها بصورة تدل على أن صاحبها لم يتدبر القرآن، ولم يؤثر فيه القرآن، وإذا تصفحتَ بحثًا -يمكن تصنيفه على بحث طلابي- فوجدت كاتبه يمدح بحثه بأنه أوفى ما كُتب في بابه، وفي الباب عشرات رسائل الدكتوراه والماجستير، فضلاً عن كلام السلف؛ فلا يسعك إلا أن تتساءل: أي تدبر هذا؟!

2- الاستغراق في حرب اصطلاحية حول مفهوم التدبر وعلاقته بالتفسير، وغيرها مِن المصطلحات مع اتفاق كل كلام العلماء -والعقلاء- على أنه لا بد مِن فهم المعنى ثم إعمال العقل فيه طلبًا للاقتناع، وإخضاع القلب له طلبًا للتسليم، واتباع ذلك كله بالعمل، بل في زماننا -ومع استقرار علوم الشريعة- العمل واجب وممكن، حتى للعوام الذين لا يطلبون شيئًا مِن العلم، وهو لمن يطلب العلم آكد؛ فلماذا إشغال مَن يريد حفظ القرآن -ومنهم أطفال- بهذه المعارك الوهمية "في الواقع لهذا تعليل في سلوك بعضهم، سيأتي في نقطة تالية -إن شاء الله-".

3- مبالغة بعضهم في أهمية التدبر -وهو هام بلا شك-، ولكن البعض يبالغ إلى الدرجة التي يصف فيها القارئ الذي لا يدري معنى ما يقرأ "بالحمار يحمل أسفارًا!"، وفي هذا سوء أدب مع كتاب الله وحرمته وعظمته وفضله، وأن مِن فضله أن تلاوته المجردة عبادة وقـُربة.

وقد تقدم إجابة الشيخ "الفوزان" على ذلك، وفي ذلك إجابات مماثلة للشيخ "ابن باز" والشيخ "العثيمين"، مِن ذلك هذا السؤال وجوابه للشيخ "العثيمين" على موقع طريق الإسلام:

- "السؤال: أداوم على قراءة القرآن، لكنني لا أفهم معانيه... فهل أُثاب مِن الله على ذلك؟

- الإجابة: القرآن الكريم مبارك كما قال الله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، فالإنسان مأجور على قراءته سواء أفهم معناه أم لم يفهم؟ ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ دون أن يسعى لأن يفهم معناه، فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ودرس كتب الطب؛ فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يفهم معناها وتشرح له، بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها مِن أجل أن يطبقها؛ فما بالك بكتاب الله -سبحانه وتعالى- الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه؟! ولهذا كان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها مِن العلم والعمل.

فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن، سواء أفهم معناه أم لم يفهم؟ ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه، وأن يتلقى هذا المعنى مِن العلماء الموثوقين بعلمهم وفي أمانتهم، فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى؛ فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة، مثل: "تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وغيرهما".

4- قدَّمنا أن بعضهم يدخل في معركة كبرى للتفريق بيْن التفسير والتدبر، وغرضهم في ذلك الوصول إلى أن التفسير له قواعد، بينما التدبر متاح حتى للعامة، وربما انتزعوا نُقولاً عن العلماء مِن سياقها!

وفي الواقع: أن التدبر هو إدراك المعنى على أحد معانيه، أو هو التفكر في المعنى على المعنى الآخر، وبالتالي؛ فلا تدبر بلا إدراك للمعنى، وإدراك المعنى على ثلاث مراتب تقدم ذكرها: "معرفة الألفاظ - معرفة المعنى الإجمالي للآية - معرفة كل ما يستنبط مِن الآية".

وبحسب معرفة كل شخص بالمعنى يتمكن مِن درجة تدبر؛ ولذلك ناسب أن يُخاطَب الكفار والمنافقون بالتدبر؛ لكون الآيات الداعية للإيمان يتمكن كل عربي مِن فهمها؛ ولأنها تخاطِب الكفار والمنافقين بالحجج العقلية.

وأما المسلم وهو مخاطب بالإسلام كله؛ فلا يسعه أن يقول في القرآن برأيه، سواء سُمِّي هذا تفسيرًا أو تدبرًا.

ومِن عجائب الأمور أن الإمام "ابن كثير" -رحمه الله- قال في تمام تفسير قوله -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا): "قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمر النَّعم، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَة، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُغْضَبًا حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: مَهْلًا يَا قَوْمُ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مَنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فردوه إِلَى عالمِه.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده قَالَ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ، وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمان مِنَ الْغَضَبِ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟! بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. قَالَ: فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم أَشْهَدْهُ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ -أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ-. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ نَحْوَهُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عمْران الجَوْني قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاح، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَإِنَّا لَجُلُوسٌ إِذِ اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي آيَةٍ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ".

فجعل الإمام "ابن كثير" -رحمه الله- آية التدبر مانعة مِن القول على الله بغير علم.

- شبهة وجوابها:

يحتج بعضهم بما ورد مِن سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وأنه كان يسألهم ثم يصوب لهم، مثل قوله: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟) (متفق عليه)، إلى آخر هذا.

وهذه الأسئلة معظمها لا يتعلق بتفسير كلام الله، ولا بالاستنباط منه؛ فخرجتْ مِن موطن النزاع.

- أما ما يتعلق منها بالاستنباط: فراجع إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علَّم المتأهلين للاستنباط مِن أمته أصول الاستنباط، كما سأله عمر -رضي الله عنه- عن القبلة للصائم؟ فقال: (أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ، وَأَنْتَ صَائِمٌ) قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: (فَمَهْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وهذا في الاستنباط.

- وأما التفسير "وهو معنى منطوق الآية": فأي قول فيه بلا علم هو مِن القول على الله بغير علم، وقد قال فيه الصديق -رضي الله عنه-: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إن قلتُ في القرآن برأيي"، وكان هذا في تفسير لفظة مِن غريب القرآن (وَأَبًّا)، والسياق يدل على أنها عمومًا مِن جنس ما يخرج مِن الأرض، وإنما تهيب الصديق مِن تعيينها بلا علم.

- وأما العامة فلا يترك لهم لا التفسير ولا الاستنباط، وكلٌ له شروطه.

وإنما يفسَّر لهم القرآن؛ فيتدبرون في المعنى الصحيح المذكور لهم.

ثم إن ترك الباب للعامي ليقول؛ بدعوى وجود مَن يصحح له، وهذا الذي سيصحح يحتاج إلى مَن يصحح له، وأقصاه أن يكون راجع بعض التفاسير، ولا يستطيع أن يتوقع كل ما ستتفتق عنه أذهان الحاضرين ليعرضه على كل نصوص الشريعة، وليس نص الآية التي هو بصددها فقط.

- ومِن عجيب أمرهم: أن كثيرًا منهم ينقل عن الشيخ "محمد الغزالي" في ثنايا استدلالهم على أهمية أن يعرف الناس معاني القرآن، وهو مطلوب كما أسلفنا، ولكننا نصحح بعض ما احتفت به مِن أخطاء، فينقلون عنه أنه كان يتخيل وهو في العاشرة مِن عمره أن قوله -تعالى-: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (الإسراء:13)، أنه طائر كالحمامة أو نحوها، ويغفلون أن هذه الحكايات لو تأملوها كانت مِن المفترض أن تردهم عن العبث بكتاب الله.

ثم مَن الذي يضمن لنا ألا يعجب أحدهم بما جادت به قريحته، ولا يتراجع أمام التفسير الصحيح، كما حدث في تجربة المعتزلة، وتجربة أصحاب التفسيرات الباطنية قديمًا، وتجربة أصحاب الإعجاز العددي، وبعض غلاة الخائضين في الإعجاز العلمي حديثًا.

5- ومِن الأخطاء تسرب بعض البدع إليهم، كما في بعض البرامج التي يستخرجون فيها لكل آية أدعية ثناء، وأدعية مسألة، استدلالًا بعمومات الشريعة في فضل الدعاء، أو فضل الدعاء عند المرور بآيات الرحمة، أو بآيات العذاب؛ فيزيدون على هذا تخصيص أدعية لآياتٍ لم يأتِ الشرع بتخصيصها، وعلى هذا مدار البدع الإضافية، وإذا كان" بن مسعود" -رضي الله عنه- قد بالغ في الإنكار على مجلس ذكر لم يكن فيه مِن هيئة زائدة على الوارد في السنة؛ إلا أن لهم إمامًا، والسُّنة أن يجلس الناس في مجلس الذكر كلٌ يذكر ربه؛ فكيف بتخصيص أدعية معينة تُقال في الدرس وبعده؟!

6- ومِن الأخطاء أن بعضهم يأتي إلى مَن يريد الحفظ فيصده عن ذلك، إلى دراسات مطولة في آيات جامعة منتقاة؛ ويكون ما يقال تحتها لا هو داخل في التفسير ولا الاستنباط ولا التدبر، ولكن تناول قضايا إيمانية واجتماعية في ضوء الوصايا العامة في الآيات التي تأمر بالإحسان أو الإصلاح أو التقوى، وهى معاني حسنة وجيدة -إذا خلتْ مِن الأخطاء- ولكنها مِن جهة أخرى مزاحمة لمهمة مِن أجلِّ المهمات، وهي حفظ القرآن الذي تحتاجه الأمة؛ لإقامة الصلوات، ولبقاء القرآن منقولًا بالتواتر، إلى غير ذلك.

وإبهار الأطفال والنساء بتفسير آيات جامعة مِن القرآن، مع إدخال عامل القصص وغيره لن يُخرج منهم حفظة، ولن يخرج منهم طلاب علم، ولا بأس أن تكون هذه محاضرات عامة إذا اُلتزمتْ فيها الضوابط الشرعية، بينما مَن وُجد فيه ملكة الحفظ تنمَّى له، ويُستثمر في سدها، والأفضل أن يُعطى مع الحفظ تفسيرًا ميسرًا منضبطًا بقواعد التفسير لما يحفظ.

وأما العمل: فهو مطالب "لا سيما إذا كان بالغًا، أو قريبًا مِن البلوغ" بالعمل بكل ما يلزمه، وهو أوسع مما يحفظه؛ لأن بعض هذا اللازم مستفاد مِن السُّنة، ولكن مِن الجيد مع الحفظ إعادة الربط بيْن الدليل وبيْن العمل به.

وبعد، فأرجو أن أكون قد وضعتُ بين يدي الإخوة إجابة على أهم الأسئلة التي تم تداولها في الفترة الأخيرة عن مشاريع التدبر، سائلا الله -عز وجل- التوفيق والسداد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com