الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الجهاديون الأوروبيون وداعش -1

شتان بين الجهاد في الإسلام -وهو محمود في كل حال- وبين قتال الحكام أو الخروج عليهم، الذي يختلف بحسب من يكون الخروج عليه، و بحسب قصد الخارج وقدرته وانضباطه بضوابط الشرع

الجهاديون الأوروبيون وداعش -1
علاء بكر
الأحد ٢٤ أبريل ٢٠١٦ - ١٤:٠٩ م
1455

الجهاديون الأوروبيون وداعش (1)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تمهيد:

يقوم فكر التنظيمات الجهادية(1) على تكفير أعيان حكام المسلمين، وبالتالي الأنظمة التي يحكمونها، وترى هذه التنظيمات وجوب الخروج على الأنظمة الحاكمة بقوة السلاح، وأن قتالهم هو الجهاد، وأن على المسلمين أن ينخرطوا في هذا الجهاد مهما قلَّ عددهم لإقامة دولة الإسلام، رافضين الاكتفاء بالدعوة بالوسائل السلمية! 

ولا يخفى على مَن عنده العلم الشرعي والإلمام بعقيدة أهل السُّنة والجماعة ما في هذا الفكر مِن غلو -وليس هذا مقام بسطه-؛ لما فيه مِن تحجيم مفهوم الجهاد في الإسلام؛ فتكفير أعيان الحكام لا يكون إلا بعد ثبوت ارتكاب الكفر الأكبر ثم استيفاء شروط وانتفاء موانع، والإفتاء به لا يكون إلا لمن هو أهل له، وليس لآحاد الناس، والخروج على الحكام -إن وجب الخروج عليهم أو جاز- وقتالهم بالسلاح له ضوابط؛ مبناها على القدرة، والنظر في المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك، فهو مِن جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يكون أبدًا لآحاد الناس، بل لأهل الحل والعقد فيهم.

فشتان بيْن الجهاد في الإسلام -وهو محمود في كل حال- وبين قتال الحكام أو الخروج عليهم، الذي يختلف بحسب مَن يكون الخروج عليه، وبحسب قصد الخارج وقدرته وانضباطه بضوابط الشرع، ولا يخفى على كل متتبع لتاريخ الصحوة الإسلامية ما جرته التنظيمات الجهادية مِن مفاسد لعدم انضباطها بضوابط الشرع، وغلوها في إنكار المنكرات واستعمال السلاح، والجرأة على سفك الدماء؛ مما أوقعهم وأوقع الأمة الإسلامية معهم في منكراتٍ أشد مما خرجوا لإزالته، ولم يزيلوا ما خرجوا لإزالته، وأضروا الدعوة إلى الإسلام، بل أضروا عموم المسلمين، وبلغ ذلك الفساد أشده وأسوأه في نهج تنظيم داعش وفكره، ونحن اقتصرنا هنا على هذا العرض الوصفي للموضوع دون خوض في تحليله وتقييمه، فليراع ذلك.

وترجع ظاهرة ظهور "الجهاديين الأوروبيين" في أوروبا إلى أسبابٍ عديدة، منها:

1- التمييز والاستبعاد والتهميش الذي يعاني منه الكثير مِن المسلمين هناك؛ إذ يعيش الكثير مِن شباب المسلمين -ومنهم أجيال ثانية وثالثة مِن أسر عربية مسلمة هاجرت إلى أوروبا مِن عقود، ولم تستطع الاندماج مع المجتمعات الغربية- في شبه عزلة في أحياء يغلب عليها الفقر والبطالة وانتشار الجريمة.

ومِن أوضح الأمثلة على ذلك: (حي مولنبيك) في مدينة (بروكسل) عاصمة بلجيكا التي تُعد العاصمة السياسية لأوروبا؛ إذ يقع فيها المقر الرسمي للاتحاد الأوروبي، ويعيش فيها أكبر جالية إسلامية في أوروبا مقارنة بعدد سكانها، بمعدل 40 مسلمًا في كل مليون بلجيكي، نصف هذه الجالية المسلمة موجودة في بروكسل، حيث تمثـِّل نحو 1/ 4 سكان العاصمة، ويعيش 100 ألف منهم في (حي مولنبيك)، فهو أشهر حي يتجمع فيه إسلاميون، ترجع بدايات هجرة عائلات الكثيرين منهم إلى الستينيات، كعمالة رخيصة هاجرت مِن المغرب وتركيا إلى بلجيكا، لكنها لم تنجح في الاندماج في المجتمع البلجيكي بسبب النظرة العنصرية والتمييز؛ مما دفعهم إلى التجمع في أماكن وأحياء شبه منعزلة، يعاني شبابها مِن التهميش والإخضاع للمراقبة والاحتجاز، وقُبض على العديد منهم، وصدرت عليهم أحكامًا بالسجن بدعوى ممارسة العنف أو الدعوة إليه.

وقد عانى الكثير منهم مِن كراهية المجتمع لهم؛ فمارس العنف ضد المجتمع بالفعل، واتهم بممارسة جرائم انتقامية ضد المجتمع بسبب ذلك، ووقع بعضهم في دائرة تعاطي المخدرات قبْل أن تستقطبهم التنظيمات الجهادية هناك، وحتى مَن عُرف بالتفوق والتميز في دراسته لم يسلم مِن هذا الشعور بكراهية المجتمع له وعدم قبوله فيه؛ لذا كان هذا الحي (حي مولنبيك) موطنًا لعددٍ كبير مِن منفذي العمليات الإرهابية في بلجيكا وأوروبا. 

2- الاضطهاد المتزايد مِن اليمين المتطرف في أوروبا ضد المهاجرين إلى أوروبا عامة "والمسلمين خاصة" الذي يؤجج شعور الأوربيين بالكراهية تجاه المسلمين هناك، والذي يُترجم إلى اعتداءاتٍ متكررة وانتهاكاتٍ صارخة على المسلمين مِن وقت لآخر.

وقد زاد الأمر سوءًا: استغلال هذا اليمين المتطرف لاعتداءات سبتمبر 2011م، وما وقع مِن هجمات وعمليات إرهابية بعدها في أوروبا في تهييج الأوروبيين ضد المسلمين هناك، إلى درجة انتشار ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وما صاحبها مِن معاداة لمظاهر وشعائر الإسلام هناك بصورة فجة، بل السخرية والازدراء مِن الإسلام ومقدساته.

3- الحروب التي تشنها الدول الغربية التي لا تنقطع ضد الإسلام والمسلمين داخل أوروبا وخارجها، في البوسنة والهرسك والشيشان باسم التطهير العرقي، وفي أفغانستان والعراق والصومال باسم محاربة الإرهاب، والتواطؤ مع اليهود ضد الفلسطينيين، والتي تنمي التعاطف المتزايد عند الكثيرين مع المسلمين المضطهدين المظلومين.

الجهاديون الأوروبيون:

هم مَن يعتنقون فكر الجهاديين مِن مسلمي أوروبا وأمريكا "مسلمي الغرب"، وهم غير معروفين تحديدًا، إلا مَن شارك منهم بالفعل بحمل السلاح مع التنظيمات الجهادية حول العالم، خاصة مع تنظيم "داعش" في هذه الأيام.

انتشار فكر الجهاد عالميًّا:

عقب الاجتياح الروسي لأفغانستان تطوع الكثيرون مِن شباب الصحوة الإسلامية في مصر والعالم العربي للقتال مع الأفغان ضد الروس المحتلين، ومنهم عدد كبير مِن حملة فكر تنظيم الجهاد مِن مصر، وقد أبلى هؤلاء المجاهدون مع المقاتلين الأفغان بلاءً حسنًا، وقدَّموا تضحياتٍ كبيرة طوال سنوات طويلة مِن العمل المسلح أجبر الروس في النهاية على الخروج مدحورين مِن أفغانستان، وقد نالوا التأييد المادي والمعنوي مِن جهاتٍ عديدةٍ مِن أجل قضيتهم العادلة، وكفاحهم ضد الروس المعتدين.

ولما كان أكثرهم مِن العرب فقد أُطلق عليهم العرب الأفغان، وقد شاركهم في جهادهم قلة قليلة مِن الشبان الأوروبيين المعتنقين للإسلام الذين تطوعوا للجهاد مع الأفغان ضد الروس، وخلال سنين مِن القتال والكفاح نشر أصحاب الفكر الجهادي فكرهم في صفوف المقاتلين، وكوَّنوا تنظيم القاعدة بقيادة "أسامة بن لادن" الذي اعتنق هذا الفكر هناك.

ومع نهاية الحرب ضد الروس لم يعد وجود العرب الأفغان مرغوبًا فيه في ظل تقاتل قيادات الجماعات الأفغانية على الحكم بعد رحيل الروس؛ فعاد منهم مَن عاد إلى وطنه، وبقي منهم مَن استطاع البقاء في أفغانستان على أن يكون بعيدًا عن صراع القيادات الأفغانية، وانتقل آخرون -وقد انتابهم الخوف مِن العودة إلى أوطانهم- إلى  اليمن، والسودان، والعديد مِن البلدان الأوروبية والأفريقية التي رحَّبت أو سمحت بوجودهم فيها، وقد عاد الكثير منهم بعد ذلك إلى أفغانستان مرة أخرى بعد وصول حركة (طالبان) للحكم فيها، ونجاحها في الاستيلاء على العاصمة الأفغانية (كابول).

وقد شهدتْ أوروبا العدوان الصربي الكرواتي على مسلمي البوسنة والهرسك أوائل التسعينيات (1992م)، والذي صاحبه انجذاب الشباب المسلم المتطوع -ومنهم جهاديون مِن العرب الأفغان وتنظيم القاعدة- للقتال هناك، ثم كانت مشاركتهم في الحرب في الشيشان ضد الروس (1994م)، وقد استفاد المقاتلون البوسنيون والشيشان مِن هؤلاء المتطوعين الجهاديين؛ لما لهم مِن خبرة سابقة في القتال في أفغانستان مِن جهة، وتأثر مَن تأثر منهم بفكر الجهاديين مِن جهة أخرى، وبدأ التعاطف مِن المسلمين الأوروبيين خاصة الشباب مع هذا الفكر الذي يُشارِك أصحابه في الدفاع عن المسلمين المضطهدين في أوروبا، ومِن ثَمَّ ظهرت بصورة ملحوظة  ظاهرة (الجهاديين الأوروبيين).

أنواع الجهاديين الأوروبيين:

يعيش في أوروبا عدة أنواع مِن المسلمين، يتغلغل فيها الشباب مِن الأوروبيين الجهاديين:

الأول منهم: مِن أصول عربية -وهم الأكثرية- تقيم في أوروبا في شكل جاليات عربية مِن الجيل الثاني والثالث ممن تربوا داخل أسرهم، ويعيش أبناء هذه الفئة في صراع بيْن البقاء على الثقافة والعادات والتقاليد التي تربوا عليها داخل أسرهم والتمسك بالدين الذي ينتمون إليه، وبيْن الاندماج والذوبان في المجتمع الأوروبي الذي منحهم جنسيته بمقتضى قانون الأرض الذي يمنح كل مَن يولد على أرض أوروبية جنسية البلد الذي وُلد فيه، وهؤلاء وإن اعتبروا أنفسهم أوربيين؛ إلا أنهم يشعرون أن مِن الأوروبيين مَن ينظر إليهم بعنصرية، وأنهم أبناء أقلية مِن أصول مهاجرة.

الثاني: المهاجرون ممن هاجروا إلى أوروبا تحت ظروف مختلفة، وحصلوا على الإقامة فيها، أو نالوا جنسيتها بعد رحلة مِن البحث عن عمل أو للدراسة، أو كلاجئين سياسيين هاربين مِن أنظمة مستبدة، وغير ذلك، وهؤلاء يعاني الكثيرون منهم مِن التمييز والنظرة العنصرية، والاستبعاد والتهميش في العقود الأخيرة.

الثالث: المتحولون إلى الإسلام مِن الأوروبيين، وهم نوعياتٍ عديدة: منهم مَن جذبه فكر الإسلاميين السياسيين، أو ممن جذبتهم النزعة الإنسانية للإسلام، أو اقتنع بالإسلام بعد دراسة مستفيضة له أقنعته به، ومنهم تحول للإسلام استجابة لدعوة فردية، أو عن طريق أقارب ومعارف له مِن المسلمين، أو مِن زواج مختلط مِن مسلمين، وقد لعبت المراكز الإسلامية في العواصم والمدن الأوروبية دورًا كبيرًا في اعتناق الكثيرين منهم للإسلام.

تختلف سياسات الدول الأوروبية في التعامل مع مَن على أرضها مِن المهاجرين "خاصة المسلمين":

- فهناك دول تقوم سياستها على دمج الآخرين في مجتمعاتها، وتوجيههم نحو الاندماج في الهوية القومية للدولة؛ وبالتالي لا تتيح أي محاولة للتعبير عن التعدد الديني أو الثقافي فيها؛ إذ تقوم العلمانية فيها على الفصل المطلق بيْن الدين والسياسية، فلا دور للدين فيها في الحياة السياسية.

وعلى رأس هذه الدول: "فرنسا"، وهذا يفسِّر مواقفها مِن ارتداء النقاب عامة، والحجاب الإسلامي في المدارس والجامعات خاصة.

- وهناك دول تقبل التعددية الثقافية، ويمكن فيها للأقليات التعبير عن خصوصياتهم الثقافية وإظهار هويتهم؛ إذ تقوم العلمانية فيها على السماح بالتعبير عن الانتماء الديني، فتسمح مثلاً ببناء المدارس التي تحافظ على الثقافة الأصلية للأقليات.

وعلى رأس هذه الدول: "إنجلترا"، وهذا يفسِّر سماحها لرموز ومعتنقي الإسلام السياسي مِن الإقامة والتحرك فيها.

- وهناك دول تنتهج الوسطية في ذلك؛ فلا يغلب فيها هذا النهج على ذلك، فالتعبير عن الهوية الدينية والثقافية فيها نسبي، وعلى رأسها: "ألمانيا".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجهاديون والتنظيمات الجهادية هي تسمية باعتبار ما شاع في الناس، وما سموا أنفسهم به؛ وإلا فلا يحق تسمية هؤلاء بالجهاديين ولا التنظيمات الجهادية؛ لأن ما يفعلونه ليس جهادًا! والأحسن أن يُقال: "الصداميون الأوربيون وداعش". د.(ياسر برهامي).

 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة