الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات ومواقف للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين

بقي مع هذا لنا من هذا الدرس ألا تغيب الدعوة عن أذهاننا لحظة من اللحظات، وأن يكون رضا الله تعالى هو الذي يحرك مواقفنا جميعاً

وقفات ومواقف للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين
خالد آل رحيم
الثلاثاء ٢٦ أبريل ٢٠١٦ - ١١:٣٠ ص
1328

وقفات ومواقف للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين

كتبه/ خالد آل رحيم

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال المستشرق والمفكر الإنجليزي "إدوارد هنري بالمر" في مقدمة كتاب ترجمة القرآن: "لقد جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- بمبادئ عظيمة للعالم، أما دينه فلو أنصفت البشرية لاتخذته لها عقيدة ومنهاجاً تسير على ضوئه؛ فقد كان محمد عظيماً في أخلاقه وتكوينه، عظيماً في دينه وشرائعه. وإنني لا أبالغ إذا قلت أن شريعته تحمل للناس تعاليم ونظم وقوانين ليس في غيرها مما سبق مثيل لها". أ.هـ

ويدلل على ذلك مواقفه -صلي الله عليه وسلم- مع المشركين المعاندين في مواقف متعددة، نذكر طرفاً منها على كثرتها، وهي في كيفية تعامله معهم -صلي الله عليه وسلم- ومع إن النبي -صلي الله عليه وسلم- لقي من المشركين في جزيرة العرب من التكذيب والإهانة والتعدي بالإيذاء النفسي والبدني، ومع أنه لم ير منهم خيراً منذ بعثته إلى أن قامت الدولة الإسلامية؛ فقد كان -صلي الله عليه وسلم- رحيماً بهم يود لو أنهم أسلموا جميعاً. حتى أن ربه تبارك وتعالى خاطبه في ذلك قائلا له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}. أي مهلكها لعدم إيمان هؤلاء.

وكان كثيراً ما يقال كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: "يا رسول الله أدع على المشركين" فيقول: "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة". ويتجلى ذلك في مواقفه معهم على اختلاف طبائعهم ومعاملتهم له. فتأمل أول هذه المواقف وهي موقفه مع قريش عندما طلبوا المعجزات، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قالت قريش للنبي -صلي الله عليه وسلم- ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك، قال: وتفعلون؟ قالوا: "نعم" قال: "فدعا فأتاه جبريل، فقال: إن ربك عز وجل يقرؤك السلام ويقول إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من الباغين، وأن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة، فقال: "بل باب التوبة والرحمة". فأنزل الله عز وجل {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ...}. قال الزندانى تعليقاً على ذلك: لو أجابهم الله إليها لازدادوا عنتاً وفسد نظام الأرض والسماء؛ لأن هذا يشترط على الله أن يجعل الليل نهاراً، وآخر يشترط أن يجعل النساء رجالاً، وثالث يشترط أن يقتل الله خصمه ويزوجه فلانة وفلانة، وهذا يقترح على الله أن يجعل أمامه الأرض سماء، وهذا يقترح أن يجعله ربه في درجة الأنبياء، وصدق الله القائل: {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل تعنت الجاهلين فقد أقام للناس الدلائل وأوضح البينات، وأقام البراهين وخلق للناس أسماعاً وأبصاراً وأفئدة؛ فانتفع بها من أنتفع من المؤمنين وأبى الجاهلون والكافرون إلا العنت.

ثانيا: موقفه مع ثقيف:

فعن "عائشة" قالت: "قلت للنبي -صلي الله عليه وسلم- هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟، قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن "عبد يا ليل" بني عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا "بقرن الثعالب"، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: "إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: "فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ، ثم قال: "يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين"، فقال له رسول الله: "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً".

قال الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: "حين رجوعه -صلي الله عليه وسلم- من ثقيف حينما أذوه وجاءه جبريل ومعه ملك الجبال يأتمر بأمره إلى أن قال: "لا.. اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون، إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله". فقد صفح وصبر ورجا من الله إيمان من يخرج من أصلابهم، وهذا أقصى درجات الصبر والصفح، وأعظم درجات الخلق العظيم". أ.هـ

قال صاحب كتاب "المنهج الحركي": "إن مهمة السياسي أن ينتصر، أما مهمة الداعية أن تنتصر دعوته، وحين يخير بين الأمرين فيختار دعوته على شخصه، وكم من الدعاة بحاجة إلى أن يتعمق هذا المعنى في نفوسهم". أ.هـ

ولو كان النبي -صلي الله عليه وسلم- يريد الانتقام الذاتي لنفسه لأمر ملك الجبال أن يحطم تلك الرؤوس العنيدة المتحجرة، والتي صارت أقسي من الحجارة، ولكنه الرحمة المهداة الذي أُرسل للعالمين.

ثالثا: موقفه مع قبيلة "دوس": قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، فقالوا: "يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليهم"، قال أبو هريرة: "فرفع رسول الله صلي الله عليه وسلم يديه،  فقلت هلكت دوس، فقال: "اللهم اهد دوساً وآت بهم". ومن عظم حلمه عدم دعائه على من آذاه من قومه، فقد كان باستطاعته أن يدعوا عليهم فيهلكهم الله ويدمرهم؛ ولكنه حليم حكيم يهدف إلى الغاية العظمى وهي رجاء إسلامهم أو إسلام ذريتهم. قال "توماس كارلايل" -من أشهر الكتاب الانجليز-:

"يزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والجاه والسلطان، كلا وأيم الله، لقد انطلقت من فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس المملؤة رحمة وبراً وحناناً وخيراً ونوراً وحكمة، وأفكارا غير الطمع الدنيوي وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان". أ.هـ

رابعاً: موقفه مع قريش عند فتح مكة:

وهنا يجب على العالم بأسره أن يقف إجلالاً وتقديراً لهذا النبي العظيم، أن يقفوا لأعظم القادة بل للقائد الأوحد لهذا العالم، ينظر إلى خير من وطئ اليابسة، ينظر إليه وهو يدخل مكة فاتحاً منتصراً عزيزاً مؤزرا على من آذوه وشتموه ووصفوه بأشنع الصفات، بل ضربوه وأهانوه وأخرجوه طريداً خائفاً، لا يأمن على نفسه بعد محاولة قتله لينظر قادة العالم الذين إذا انتصروا عاثوا في الأرض فساداً لينظروا وليتعلموا كيف كان يعامل أعداءه بعد ما فعلوا به ما فعلوه؟ وليسمع العالم هذا هو نبينا هذا هو نبي العالمين فهل أنتم منتهون؟.

فلما دخل صلي الله عليه وسلم مكة كانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة فلما مر بأبي سفيان قال له: "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة. اليوم أذل الله قريشاً" فلما حاذى رسول الله صلي الله عليه وسلم أبا سفيان قال: "يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد؟" قال: "وما قال؟" قال: "قال كذا وكذا" فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: "يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة"، فقال رسول الله: "كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكس فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً"، ثم أرسل إلى سعد فنزع اللواء؛ ودفعه إلى ابنه "قيس". ثم كان

العفو العام، قائلاً -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: "خيراً.. أخ كريم، وابن أخ كريم" قال: "فإني أقول لكم كما قال يوسف عليه السلام لأخوته {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ} اذهبوا فأنتم الطلقاء". ثم أعطاهم الأمان العام للأموال والممتلكات.

ووسع في الأمن والعفو حتى أصبح أهل مكة لا يهلك منهم إلا من زهد في السلامة وكره الحياة، فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن" ونهى رسول الله -صلي الله عليه وسلم- جيشه أن يستخدموا السلاح –عندما يدخلون مكة– ضد أي إنسان إلا من اعترضهم وقاومهم. وأمر بأن يعفوا الجيش عن أموال أهل مكة وممتلكاتهم، وأن يكفوا أيديهم عنها.

وختاماً لا أجد إلا أن أنقل هذه الكلمات الرائعة تصف بعض هذه المواقف للنبي -صلي الله عليه وسلم- يقول صاحبها: "إن المرء ليعجز عن تصور هذا السمو البشري مهما كان مستواه، بل يكاد يعجز عن تصوره، وبقي مع هذا لنا من هذا الدرس ألا تغيب الدعوة عن أذهاننا لحظة من اللحظات، وأن يكون رضا الله تعالى هو الذي يحرك مواقفنا جميعاً". أ.هـ

والله من وراء القصد,,,,

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة