الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

علو الباطل إيذانا بسقوطه

وهي رسالة لأهل الحق لا تيأسوا ولأهل الباطل إن لم تعودوا ستندموا

علو الباطل إيذانا بسقوطه
خالد آل رحيم
الثلاثاء ٠٣ مايو ٢٠١٦ - ١١:٤٥ ص
2030

علو الباطل إيذانا بسقوطه

كتبه/ خالد آل رحيم 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله تعالي: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾
يقول السعدي رحمه الله :"والباطل قد يكون له صولة وروجان إذا لم يقابله الحق، فعند مجئ الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك. ولهذا لا يروج للباطل إلا فى الأزمان والأمكنة الخالية من العلم بأيات الله وبيناته. اهـ. وقد بينا ذلك بشيء من التفصيل سابقا.

وحديثنا اليوم عن أساليب الباطل في رد الحق فإن كان الصراع موجودا ومحتما فالباطل لا يستكين، فهو يحارب الحق ويعمل بكل قوته للقضاء عليه، ويستخدم كل السبل المؤدية لذلك، مهما كان الثمن الذي سيتكبده ولكن كلما ارتفع الباطل كان هذا إيذانا بسقوطه، كما درجت السنن الكونية على ذلك.

وصور رد الحق في القرآن الكريم كثيرة أخذنا منها أنموذجا واحدا وهو نموذج نوح عليه السلام مع قومه وقد اخترنا هذا النموذج لعدة أسباب منها:
-طول عمر نوح عليه السلام في الدعوة: وهذه رسالة للدعاة وحملة الحق أن لا تيأسوا.

-لم يؤمن له إلا القليل من الناس: وهذا درس بليغ للدعاة ما عليكم إلا الدعوة والنتائج لله تعالى.
-جلد الباطل ومكوثه ما يقارب ألف سنة يعاند ويحارب الحق: وهذه رسالة للدعاة إذا كانت هذه همة أهل الباطل فأين همة أهل الحق؟
-أن النصر والبقاء لأهل الحق بشرط التمسك بالحق والدعوة إليه والتضحية في سبيله. 
فنوح عليه السلام أول الرسل إلى الأرض بعد هبوط آدم عليه السلام، فمكت يدعو أهلها الذين بدلوا الإيمان والتوحيد بالكفر والشرك وعبادة الأوثان ألف عام إلا خمسين كما قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاما﴾.  
فاستخدموا معه كل الأساليب والطرق لمنعه ومحاربته واختلقوا له الأعذار التي يتذرعون بها كي لا يؤمنون له، ومنها أنه يحيط به بعض الضعفاء ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ﴾.
ولأن صاحب الباطل دائما ما يتكبر ويتجبر ويرى نفسه فوق الجميع يريد دينا ورسولا يليق به أما أن يجمعه دين بهؤلاء الشراذم (حسب زعمهم) فهذا لا يليق ولذلك كان رد نوح عليه السلام قاطعا ورافضا لما يقولون فقال لهم: ﴿وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ﴾. فاتجهوا للطعن في نوح ذاته، وهذه طريقة ينتهجها الباطل في كل زمان ومكان، فعندما يريد الإطاحة بدعوة لا بد أن يطيح برمزها، كما فعلت قريش مع النبي ﷺ فقالوا عنه: "شاعر وساحر وكذاب وبه جنة، وغير ذلك من هذه الأباطيل". ولهذا قالوا لنوح عليه السلام: ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا﴾
وقالوا: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾.
وقالوا: ﴿مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾.
وقالوا: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ﴾.
وقالوا: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾.
وقالوا: ﴿مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾.
إذن هذه طريقة الباطل في تشوية صاحب الحق وحامل رايته :
الاستهزاء بأتباعه وإضفاء عليه صفة البشرية حتى لا يظن أحد أنه مفضل عليهم وإلا فالأولى إرسال الرسل من الملائكة، واتهامه بالكذب وبالجنون وبمخالفة الآباء، وكأن ما كانوا يفعلونه مقدس وهذه المرحلة الأولى للباطل مرحلة التشويه، ثم ينتقل للمرحلة الثانية، وهي: مرحلة الإيذاء البدني
وتهديده بالرجم والقتل فقالوا: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ﴾. مع إصرارهم على عبادة الأوثان بل والدعوة إلى ذلك فقالوا: ﴿لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا﴾.
وهنا لجأ نوح إلى ربه مخاطبا له -وهو أعلم بهم-: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا ﴾.
فجاءه الأمر بصناعة السفينة، فبدأ في صنعها، وقيل أنه ظل أربعين سنة يبنيها، فكانوا يسخرون منه كلما مروا به؛ ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ لأنه كان يبنيها على اليابسة، وطبقا لمفاهيم أهل الباطل الدنيوية كيف ستبحر هذه السفينة؟ متجاهلين الإرادة الإلهية. وهذا درس عظيم للدعاة اعملوا واعلموا أن الرب تبارك وتعالى منجز وعده وناصر رسله وأولياءه، ولذلك كان رده عليه السلام :﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾.
فكان ردهم في قمة السخرية والاستهزاء: ﴿يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ﴾.
فقال لهم: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾. فأخبره تبارك وتعالى أنه ﴿لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
وهنا لأول مرة نوح يدعو على قومه: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّارا﴾.
فقد صبر عليهم ألف عام إلا خمسين ولكنهم رفضوا واستكبروا كما الباطل في كل زمان ومكان، فكان الدعاء وكانت الإجابة من الله تعالى: ﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وكانت الإرادة الربانية التي غفلوا عنها وتجاهلوها: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾.
وهنا أخذت نوح عاطفة الأبوة فقال لابنه: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾. فرفض متمسكا بالأسباب الدنيوية المحضة متناسيا أن الأمر الآن أمر إلهي تعجر معه كل الأسباب لأنه تعالى هو مسببها، وهو من أوقفها ثم كانت النهاية لأهل الباطل والبداية لإعمار الأرض بعد تخلصها من أدران الشرك والكفر وأهله، وهي نهاية محتمة كتبها الله تعالى على نفسه ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
فكان الأمر الرباني: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
والذي يتأمل هذه الرحلة القصيرة في كلماتها الطويلة في أعوامها يجد أن الباطل استخدم كل أساليبه وحيله وفشل، وكانت نهايتة تعيسة بئيسة وفي المقابل أهل الحق صامدون ثابتون على ما أصابهم من محن وكانت الغلبة لهم والحق معهم هذا في الدنيا على ما لهم في الآخرة من جزاء عظيم.
وهي رسالة لأهل الحق لا تيأسوا ولأهل الباطل إن لم تعودوا ستندموا، والله من وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة