الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حلب ألم وأمل!

يجب على كل مخلص منا الاعتصام بالحق المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة

حلب ألم وأمل!
أسامة شحادة
الأربعاء ١٨ مايو ٢٠١٦ - ١٤:٣٢ م
1310

حلب ألم وأمل!

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 تعصر جريمة حلب المستمرة منذ أسبوعين القلب الحي عصرًا من الألم، فالبراميل المتفجرة المصبوبة على رؤوس الأبرياء -من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في البيوت والمساجد والطرقات والمستشفيات والمدارس- لم تتوقف ولن تتوقف بحسب مجرمي روسيا، ذات التاريخ العريق في إسالة دماء المسلمين في كل حقبها القيصرية والشيوعية والبوتينية، حيث يقدر عدد من قتلهم الروس من مسلمي الجمهوريات الإسلامية بمئات الملايين! وهل هاجر أهلنا الشيشانُ والشركس من بلادهم إلى منطقتنا منذ أكثر من 150 عاما إلا هربا من بطش الروس القياصرة الدموي! والذين بطش بهم بوتين من جديد ودمّر عاصمتهم جروزني حين حاولوا الاستقلال، كما تُدمر الآن حلب وأخواتها من مدن سوريا!

 

وهل قام الاتحاد السوفييتي إلا على جماجم ملايين المسلمين هناك الذين صدقوا شعارات المجرم الكذاب الشيوعي لينين "يا مسلمي العالم اتحدوا"!! فكانت النتيجة أن سالت دماؤهم في الطرقات كما يحدث اليوم في حلب، وهجر ملايين المسلمين قسرا لمجاهل سيبيريا المتجمدة، كما يكرر الروس اليوم تهجير السوريين دون رحمة ليغرق الآلاف منهم في البحر!

 

إن العداء الروسي للإسلام والمسلمين عداء متأصل ولا يشبع أبدا من دماء المسلمين، ولعل من أبشع عدوان الروس على المسلمين هو قدرته على صنع العملاء والخونة من طينتنا والذين يزداد تصفيقهم للروس كلما أمعنوا في قتل إخوانهم وجيرانهم وأصدقائهم وشركائهم في الوطن!

 

إن قوافل الخونة من أبناء جلدتنا والتي تحج إلى سرداب المجرم بشار لتبارك تعميده الروسي بالدم السوري طاغية للشام، وحارسا لمقامات وأضرحة الطائفيين الدمويين، مما لا يكاد العقل احتماله، أين ذهبت شعارات التعايش والوحدة والتشارك والتسامح!

 

أين منظمات حقوق الأطفال العلمانية التي صدّعت رؤوسنا بثقل الحقائب المدرسية على ظهور أطفالنا، ما بالها لا تكترث بثقل الجدران المهدمة على رؤوسهم! أين مراكز ومؤسسات المرأة ذات الثقافة "الجندرية" والهوى "السيداوي" ما بالها لا تحفل بأرواح النساء السوريات اللواتي يتطلعن للحرية والكرامة، فلا يمنحن من هذا النظام البشع إلا الاغتصاب والقتل، لماذا تحفل هذه الجهات والهيئات بعازفة بيانو سورية في المهجر ولا تهتم بأعراض آلاف السوريات اللواتي يبتن في العراء في ساحات موانئ أوربا وغاباتها، بعد أن سدّ في وجوههن حلم اللجوء للعالم المتحضر!

 

كم كانت مروعة وعظيمة تلك الصورة التي سميت لوحة "سوريا ليزا" وهي لامرأة سورية ينزف دمها على وجهها بفعل الإجرام السوري الروسي الإيراني، لكنها مع ذلك بقيت محافظة على حجابها وعزتها وشرفها في وجه دعاة الطغيان والفجور، حيث شاهد الجميع مقطع الضابط الأسدي الذي يطلب إحضار بعض الصبايا للطيارين الروس ليتمتعوا بهن، وشاهد العالم إعلانات الإيرانيين عن شواغر في مؤسسة زواج المتعة بحسب قناة روسيا اليوم!

 

ومقابل هذه الشريفة العفيفة شاهد العالم ما فعلته الشبيحة الإعلامية كنانة علوش من التقاط صورة سلفي مع بعض جثث القتلى في حلب، الذين قتلتهم طائرات النظام المجرم .

 

ما يجري في حلب من إجرام متواصل هو مشهد مصغر من جريمة خذلان الثورة السورية نفسها، فقد انقسم العالم إلى ثلاثة أقسام تجاهها: قسم مجرم بلطجي قام بدعم النظام علنا وسرا في قتل شعبه، ولا يكترث للقانون الدولي أو الموقف الأخلاقي العادل والمحقّ، ويتصدر هذا القسم نظام الملالي في طهران وأذنابه في بلاد العرب والعجم كحزب الله والحوثيين والمليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية، ثم روسيا التي دعمت بشار سرا في البداية ثم علنا بالقصف الجوي، والحماية السياسية طيلة الثورة.

 

والقسم الثاني قسم مؤيد للثورة لكنه قصير اليد في الدعم العسكري للثورة مقابل بلطجة وتشبيح بشار وميلشيات إيران، واكتفى برعاية اللاجئين ودعم المعارضة سياسيا والتقيد بضغوط وخطوط أمريكا الحمراء الظالمة في تسليح الثوار كتركيا والسعودية، بينما تقاعست دول عربية أخرى، وتواطأت دول عربية مع المجرم بشار.

 

وقسم ثالث هو أمريكا وأوربا الذين تبدلت مواقفهم عدة مرات لكنهم دوما كانوا ثابتين بالحفاظ على أمن إسرائيل ومصالحهم في عدم نجاح ثورة وطنية مخلصة لشعبها بالمقام الأول، ولذلك لم يكترثوا لاستمرار سيلان الدم السوري في المسار العسكري أو السياسي طالما أنه في النهاية يخدم مخططاتهم ومصالحهم!

 

إن القلوب والعقول الحية تكاد لا تصدق أن هناك من يستطيع تبرير كل هذه الجرائم وإغفال كل هذه الآلام الرهيبة، لكن هذه هي العلمانية في أجلى صورها، فالعلمانية والتي تقصي الدين والأخلاق وترتكز على المادة والقوة والتفوق ومنها تستمد قانونها وأخلاقها، تحول الساسة إلى آلات باردة لا تكترث للإنسانية إلا بقدر ما تحقق لها من منفعة، وعليه فإن أرواح مئات الآلاف من السوريين لا معني لها عندها، لأن السوريين لا يصوّتون في الانتخابات الأمريكية والأوربية!!

 

إن ما يشاهده العالم من بث حي ومباشر لمشاعر الألم بسبب القتل والدمار والهدم هو صورة مكبرة لما عاناه الشعب السوري طيلة أربعة عقود في سراديب السجون الرهيبة كسجن تدمر وسجون فروع المخابرات المنتشرة في ربوع القطر السوري العربي المجيد!

 

ومع هذا الألم الكبير الذي قهر قلوب ألوف الملايين من المسلمين والشرفاء في العالم الذين يتمنون أن يكون لهم دور في نصرة الأبرياء والضحايا ورد العدوان عنهم ومعاقبة المجرمين والبطش بهم، فإن الأمل كبير ومشرق بإذن الله.

 

إن الثورة السورية ودماء الشهداء والأبرياء ليست حدثًا عابرا سيطويه النسيان، بل هي كالكهرباء تسري في جسد الأمة؛ توقظ النائم، وتنبه الغافل، وتشجع اليقظ، وتنير طريق العزة والإيمان والكرامة والحرية، وإن نهايته بإذن الله ليست بعيدة.

 

دم الثــــوار تـــــــــعـــرفه فرنـــسا *** وتعـرف أنه نور وحق

 

جرى في أرضها، فيه حياة *** كمنهل السماء وفيه رزق

 

بلاد مـــــــــــات فتيتها لـتحـيا *** وزالوا دون قومهم ليبقوا

 

إن دم الشهداء والأبطال دوما هو الوقود لعزة الأمة وهو السلم الذي تصعد عليه الأجيال، فبدم الشهداء عرف الناس عدوهم وقاتلهم المخادع والذي كان يرفع شعارات الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والتسامح، فإذا هو ذئب كاسر يتلذذ بالولوغ في دمائهم، وعرف الناس والعالم أن السوريين لو بقوا مخدوعين فيه لتحولوا من شعب مضطهد في أرضه من قبل أقلية مستبدة غاشمة تتلاعب بالطائفية والعلمانية إلى شعب محتل من قبل غزاة خارجيين دون حرب أو قتال، بل بتسلل ديني ناعم باسم مقامات وأضرحة آل البيت!

 

وبسبب دماء الشهداء والأبطال عرف الناس والسوريون مقدار العداء والظلم الذي وقع على المسلمين وغيرهم من الروس اليوم وفي الماضي، وهو ظلم كبير وبشع لكن الروس بخبثهم تمكنوا من صرف الأنظار عنه بالتعتيم الإعلامي والأبواق العميلة في بلادنا، وعبر عمليات تضليل إعلامية تسلط الضوء بعيدا عن جرائم الروس، ولعل قناة روسيا اليوم خير مثال على ذلك، إذ لا تفتأ تفتح ملفات جرائم الغرب على المسلمين صدقا وكذبا، حتى نبقى غافلين عن جرائمها الحديثة كما يجري في حلب وسوريا أو في الشيشان والبوسنة قبل أعوام أو في أفغانستان قبل عدة عقود أو الجمهوريات الإسلامية قبل قرنين!

 

وبسبب دماء الشهداء والأبطال تشهد سوريا والعالم يقظة ووعيا على حقيقة الإيمان والإسلام، ومكر النظام وحلفائه من الإيرانيين والروس، وخبث الغرب وغيرهم بالتلاعب بهذه اليقظة والوعي الإسلامي الكبير من خلال دعم وتشجيع الإرهاب والتطرف والحرص على بقائهم، وتسهيل تنقلهم عبر دول العالم، ليكونوا أداة في ضرب تطلعات الأمة ونهضتها، علموا ذلك أو جهلوه!

 

فباسم محاربة داعش نجا بشار المجرم من الإسقاط، برغم مئات الأدلة على تعاون بشار وداعش، وباسم محاربة داعش عاث الروس وطيرانهم في سوريا، وباسم مكافحة داعش ضيق على اللاجئين في أوربا وعلى الأفراد والمؤسسات من المسلمين، وباسم محاربة داعش يتواصل تجاهل العالم الدولي لحصار وقتل السوريين وتعويم التفاوض السياسي في سوريا وإضعاف الفصائل الوطنية المخلصة!

 

ولذلك فإن الأمل كبير في استمرار تصاعد اليقظة والوعي بالإسلام الصحيح والإيمان السليم الذي يقوم على سلامة العقيدة ونقائها، والعمل المتقن الصائب، وتجنب فخ التطرف والإرهاب، والذي تساق له الجماهير قسرا، عبر سد منافذ العمل السلمي ومسارات المشاركة السياسية كما هو حاصل في مفاوضات جنيف، والتي أصبحت مفاوضات للمفاوضات، وفي ظلها تجري جريمة قتل وإبادة حلب.

 

إن سد منافذ العمل السياسي بعد سد منافذ العمل العسكري الوطني المخلص بمنع دعم الفصائل الوطنية والإسلامية المخلصة، والإمعان في القتل والتدمير والحرق والبطش، مع الإبقاء على قوى التطرف والإرهاب تسرح وتمرح لا تلتفت لها الطائرات ولا تغلق منابرها الإعلامية ولا تنقطع عنها الكهرباء أو الإمدادات، هي باختصار استراتيجية لتدعيش الجمهور الأعظم من الناس والمسلمين، مما يخسرنا قضيتنا ويقضي على أملنا بالعزة والتمكين والتقدم والازدهار والسلام والاطمئنان.

 

لذا يجب على كل مخلص منا الاعتصام بالحق المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والآمرة بتجنب التطرف والغلو والصبر على الشدة والبلاء، حتى ننال معية الله ونصره وتثبيته.

 

معركتنا اليوم هي الصبر والثبات والمدافعة في وجه العدوان والإجرام البشاري الإيراني الروسي، والصبر والثبات في وجه المكر الأمريكي الغربي والتقصير العربي الإسلامي، والصبر والثبات والوعي في وجه فخ مسار التطرف والغلو والإرهاب، والذي إن سرنا فيه انتصر الأعداء علينا وحققوا مرادهم فورا.

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً