الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الجهاديون الإفريقيون.. والقاعدة -1

لا يخفى أن تنظيم الجهاد بغُلوّه في استعمال السلاح وسفك الدماء والصدام مع الحكام والأنظمة بعيدا عن مراعاة الضوابط الشرعية قد وقع في منكرات كبيرة

الجهاديون الإفريقيون.. والقاعدة -1
علاء بكر
السبت ٢١ مايو ٢٠١٦ - ١٢:٥٣ م
2181

الجهاديون الإفريقيون.. والقاعدة (1)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تمهيد :
تنظيم القاعدة من التنظيمات التي تتبنى الفكر الجهادي، وقد نشأ في ظل العلاقة القوية التي جمعت بين :
-
د. أيمن الظواهري: الذي سافر إلى أفغانستان للمشاركة في قتال المحتلين الروس هناك عن طريق إعداد الشباب القادمين لأفغانستان فكريا وعسكريا، وإلحاقهم بصفوف المجاهدين الأفغان، إلى جانب عمله في علاج المصابين. وقد قام بمشاركة أعضاء تنظيم الجهاد المصريين الذين سافروا مثله إلى أفغانستان بإعادة تأسيس تنظيم الجهاد في الخارج، وذلك عام 1987م .
-
الشيخ أسامة بن لادن: الذي سافر مبكرا إلى أفغانستان للجهاد، وتولى توفير المعسكرات لإيواء وتدريب آلاف المجاهدين هناك والإنفاق عليهم .
وقد تحولت العلاقة بين الظواهري وابن لادن إلى صداقة قوية، وتأثر ابن لادن بأفكار الظواهري حول الجهاد، فتحول من داعية يهتم بأمور المجاهدين إلى جهادي يحيط به العديد من الأعوان والمقربين المصريين والعرب من أصحاب الفكر الجهادي الذين سافروا إلى أفغانستان .
وفي عام 1989م اتفق الظواهري مع ابن لادن على خوض الحرب ضد عدد من الأنظمة العربية، وعدد من دول العالم الغربي في مقدمتها أمريكا، وتم إنشاء تنظيم القاعدة لذلك الغرض. وهو ليس بتنظيم بالمعنى المعروف، بل هو مكان أقيم كقاعدة للجهاديين، يتم فيه تسجيل أسماء المجاهدين المنضمين إليهم، وإلحاقهم بالتدريب. والمكان يضم عددا من المعسكرات، تستقبل القادمين من كل بلدان العالم العربى والإسلامي للقتال ضد الروس .
وبعد انتهاء الحرب وجلاء الروس عن أفغانستان تنقل الظواهرى بين أفغانستان واليمن ، حيث أنشأ باليمن معسكرات تدريبية لأتباعه في الفترة من 1990 م إلى عام 1993 م . ثم اتفق مع ابن لادن على التحول إلى السودان والإقامة بها ومن معه، وهناك تم تنصيب الظواهرى أميرا لتنظيم الجهاد خارج مصر. وفي أثناء إقامة الظواهرى في السودان قام بإرسال مجموعة مدربة إلى الصومال، أشرفت على تدريب الصوماليين، وشاركت في قتال القوات الأمريكية في الصومال، وقتلت منهم 18 أمريكيا، كما قام أتباع لابن لادن بعمليات ضد المصالح الأمريكية في السعودية، منها تفجير في (الرياض) في نوفمبر 1995م أسفر عن مقتل 7 أمريكيين، وآخر في (الخُبَر) عام 1996م أدى إلى مقتل 19 أمريكيا. مما جعل أمريكا تضغط على السودان التي أجبرت ابن لادن على مغادرة السودان، فغادرها إلى اليمن، ثم انتقل إلى أفغانستان، ومن بعده الظواهري، في حماية حكومة طالبان هناك.

وفي فبراير 1998م أسس الظواهرى وابن لادن (الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين)، ومن الأرض الأفغانية وجه تنظيم القاعدة ضرباته القوية ضد المصالح الأمريكية في العالم، ومنها: تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبى ودار السلام في أغسطس 1998م، وتدمير المدمرة الأمريكية العملاقة (كول) بميناء عدن في أكتوبر 2000م، ومهاجمة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) في 11 سبتمبر 2001م. فأعقب ذلك مهاجمة أمريكا لأفغانستان وإسقاط حكومة حركة طالبان .
وفي 2- 5– 2011 م أعلنت أمريكا عن قيام فرقة كوماندوز أمريكية باغتيال ابن لادن في مدينة باكستانية بالقرب من إسلام أباد، وعليه أعلن تنظيم القاعدة عن اختياره للظواهرى زعيما لتنظيم القاعدة خلفا لابن لادن.

وقد حظي تنظيم القاعدة عبر رحلته الطويلة بالكثير من الأتباع والمؤيدين والمتعاطفين، منهم من حمل السلاح ودخل في صدام مع الأنظمة الحاكمة في بلادهم، خاصة من تربوا في معسكرات القاعدة، أو تدربوا على أيدي قادتها، واعتنقوا فكرها، خاصة في اليمن والصومال .
وفكر الجهاديين يقوم كما ذكرنا من قبل على تكفير أعيان حكام المسلمين والأنظمة التي يحكمون بلادهم بها، وترى وجوب الخروج على هذه الأنظمة بقوة السلاح، وأن هذا هو الجهاد الواجب على المسلمين أن يقوموا به فهو الفريضة الغائبة. وتهدف من جهادها إقامة الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، كما حدث مع حركة طالبان في أفغانستان. وكما ذكرنا من قبل فإن تكفير أعيان الحكام لا يكون إلا بوقوع الكفر الأكبر منهم الذي يخرجهم من الملة، ولا يكون هذا التكفير أيضا إلا باستيفاء شروط وانتفاء موانع، ومرد الحكم بذلك عليهم لمن هو له أهل من علماء الأمة المعتبرين، لا لآحاد الناس. والخروج على الحكام هو من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وضوابط مبناها على النظر في المصالح والمفاسد، المرجع فيها لأهل الحل والعقد. لذا فالخروج على الحكام والأنظمة يختلف حكمه تبعا لذلك، فيمدح فاعله أو يذم، أما الجهاد الشرعي فمحمود كله. ولا يخفى أن تنظيم الجهاد بغُلوّه في استعمال السلاح وسفك الدماء والصدام مع الحكام والأنظمة بعيدا عن مراعاة الضوابط الشرعية قد وقع في منكرات كبيرة، ولم يزل ما قاتل لإزالته، وأعطى أمريكا والغرب مبررات ظاهرة (مفتعلة) لاحتلال بلاد المسلمين كما وقع في احتلال أفغانستان، وللتدخل في شئون البلاد العربية والإسلامية باسم مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، كما هو مشاهد ومعلوم، وليس هنا مقام بسط لذلك ،إذ نقتصر هنا على العرض التوصيفى دون الخوض في التفاصيل والتحليل .
قارة إفريقيا قارة مسلمة :
تعد قارة إفريقيا أكبر القارات من حيث نسبة عدد المسلمين فيها، إذ تبلغ نسبة المسلمين في القارة حوالي 50% من نسبة السكان. وقد دخل الإسلام إفريقيا مبكرا في عهد النبوة، وقبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، إذ هاجر عدد كبير من المسلمين إلى الحبشة عن طريق البحر الأحمر أثناء العهد المكي في هجرتين (أولى وثانية)، وكان في مقدمة المهاجرين: عثمان بن عفان وزوجته رقية ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا في حماية النجاشي -ملك الحبشة وقتها –الذي أسلم بعد ذلك، ومات على إسلامه رحمه الله .
وقد انتشر الإسلام في إفريقيا بعد ذلك عن طريقين :
-
الطريق البحري: عن طريق باب المندب المحاذي لسواحل إفريقيا الشرقية، حيث عبرت الدعوة الإسلامية البحر الأحمر مع المسلمين المهاجرين والتجار إلى بلاد الصومال والحبشة وزنجبار وغيرها من مناطق القرن الإفريقي، وقد استقر الكثير من المسلمين فيها، واختلطوا بأهلها وأثروا فيهم، وقد سمحت العلاقات القديمة بين العرب والحبشة بحدوث ذلك .
-
الطريق البري: عن طريق شمال وغرب إفريقيا، بعد الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا وتعريبه، وتأسيس العديد من المدن والمراكز الإسلامية الحضارية فيها، حيث تحركت قوافل الدعوة والتجارة إلى جنوب الصحراء الكبرى :
-
فمن جنوب مصر كان الانطلاق إلى بلاد النوبة والسودان وبلاد (برنو).
-
ومن برقة بليبيا اتجهت القوافل بالبضائع إلى (بيلما) ومنطقة بحيرة تشاد، وبلاد (برنو).
-
ومن القيروان بتونس اتجه التجار المسلمون إلى ( تكيدة )، و( كانو) في بلاد (الهوسا) بنيجيريا .
-
ومن تلمسان بالجزائر انطلقت القوافل إلى وادي نهر النيجر، ومدينتي ( تمبكتو) و(غاو).
-
ومن (متونة) في المغرب الأقصى توجه المسلمون على امتداد ساحل المحيط الأطلنطي إلى حوض نهر السنغال .
-
كما كانت هناك هجرات من قبائل البربر والطوارق بعد دخولهم في الإسلام من الشمال إلى جنوب الصحراء الكبرى حاملين معهم دعوة الإسلام .
-
كما شهدت جنوب إفريقيا هجرة مسلمين آسيويين أقاموا فيها، ولهم إلى اليوم أهمية ومكانة رغم كونهم أقلية هناك .
-
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ضم سلطان عمان المقاطعات الساحلية في شرق لإفريقيا لملكه، ونقل عاصمته من مسقط إلى زنجبار، وجعلها مركزا تجاريا، وأسس إمبراطورية عربية هناك، توغلت منها القوافل العربية بالتجارة إلى داخل أعماق إفريقيا، حتى بحيرة (فيكتوريا) و(نياسا)، والأجزاء العليا من نهري الكونغو والنيل، وأسسوا في بعضها مراكز تجارية ومستوطنات، وامتزجوا بأهلها، ونتج عن ذلك ظهور لغة جديدة هي لغة (السواحلية)، والتي هي مزيج من اللغة العربية و لغة البانتو.
-
وقد امتد نشاط التجار العرب ودعوتهم للإسلام إلى أوغندا (بوجندا أو بوغندا)، وقد شجعهم الزعماء البوغنديون على إقامة مراكز تجارية دائمة لهم في بلادهم، لما رأوه من خبرتهم وحسن تعاملهم وحسن خلقهم، فانتشر الإسلام هناك سلميا، واعتنقه الكثير من الوطنيين هناك .
-
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي امتد نفوذ مصر في عهد الخديوي إسماعيل من السودان إلى شمال أوغندة، ومنابع النيل، حيث بسطت مصر سيطرتها على أعالي النيل هناك، قبل وقوعها تحت الاستعمار الأوروبي، وتم رفع العلم المصري على أراضي مملكة (أونيورو)، قرب خط الاستواء عام 1872م، في الاتجاه الجنوبي الشرقي لنهر النيل، وأعلنت الحماية المصرية على أوغندة، واعتنق الكاباكا (موتيسا) أشهر زعماء مملكة أوغندة (بوجندة) الإسلام وحسن إسلامه، وبنيت العديد من المساجد هناك في عهده .
وقد نتج عن انتشار الإسلام واستقراره في غرب ووسط إفريقيا تولى الدعوة أفارقة أسلموا، ودخول زعامات من الإفريقيين في الإسلام، وظهور عدة ممالك إسلامية مزدهرة عبر التاريخ منها :
-
إمبراطورية غانا: في منطقة السافانا الواسعة بين السنغال والنيجر. وقد ساعد توافد التجار المسلمين الكثيف على بلاد غانا على تغلغل الإسلام بين الأهالي، الذين دخلوا فيه طواعية، وقد حكم هذه الإمبراطورية 22 ملكا بعد دخول الإسلام فيها.
-
إمبراطورية مالي: التي أنشأتها شعوب (الماندنجو) الزنجية التي كانت تقطن بين السنغال والنيجر .
-
إمبراطورية الصونغاي: والتي بلغت عصرها الذهبي بوصول الإمبراطور محمد تورودو للسلطة عام 1493م .


موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة