الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حتى لا تهدم الصومعة

الإشكال يكمن في نظر الناس لهذا المتسنن، إنهم لا يقبلون منه أن تظهر منه معصية أو ما يُزدرى من الزلات

حتى لا تهدم الصومعة
إسلام مصطفي عبد المجيد
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦ - ١٢:٤٠ م
2411

حتى لا تهدم الصومعة

كتبه/ إسلام مصطفي عبد المجيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

حين التزمتَ بالهدي الظاهر، وأصبحت قدماك ترتاد المساجد، وتعلو على منابر الوعظ، فأصبحتَ تحمل أمانة تبليغ الدين، وصرتَ تقلب نظرك في ميراث الأنبياء -وهو العلم- لتنهل منه وتمتثل للأمر : "بلغوا عني ولو آية"، وليس معنى ذلك أن الداعي -فضلًا عن المتسنن- أنه قد دخل إطار العصمة بالتزامه، بل له ذنوب ومعاص، ظهر منها ما ظهر وخفي منها ما خفي.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، إن العبد خلق مفتنًا توابًا نسيًّا إذا ذُكّر ذَكَر"، وقال: "لو أنكم لا تعصون لأذهبكم الله ولأتى بقوم يعصونه فيستغفرونه فيغفر الله لهم"، وأفضل المجتمعات مجتمع الصحابة، كان فيهم من قَذَفَ، وأقيم عليه الحد، ومنهم من زنا، كقصة ماعز والغامدية، ولم يخلُ هذا العصر من المعاصي، وإن كان تميز بعدم تفشي المعاصي، وسرعة توبة أهلها.

ولكن الإشكال يكمن في نظر الناس لهذا المتسنن، إنهم لا يقبلون منه أن تظهر منه معصية أو ما يُزدرى من الزلات، وهم محقون في إنكارهم للمنكر بلا شك، وهو مخطيء في معصيته أيضًا كذلك بلا شك، ولكن لا يُساوي الناس في معاملتهم له، بمعاملتهم لغيره، وهذه سنة كونية متكررة على مر الأزمان.

وتأمل في قصة جريج المشهورة، ففي الحديث المتفق عليه: "لم يتكلم في المهد إلا عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلًا عابدًا، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمُّه وهو يصلي، فقالت: "يا جريج"، فقال: "يا رب أمي وصلاتي"، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: "يا جريج" ، فقال : "يا رب أمي وصلاتي"، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: "يا جريج"، فقال: "أي رب أمي وصلاتي"، فأقبل على صلاته، فقالت: "اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات -والمومس هي التي شهرت بالفاحشة- فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يُتَمثَّلُ بحسنها، فقالت: "إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم"، قيل: فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت، قالت: "هو من جريج"، فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: "ما شأنكم"، قالوا: "زنيت بهذه البغي فولدت منك"، فقال: "أين الصبي"، فجاءوا به، فقال: "دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطَعَنَ في بطنه، وقال: "يا غلام، من أبوك؟" قال: "فلان الراعي"، قال: "فأقبلوا على جريج يقَبِّلونه ويتمسحون به"، وقالوا: "نبني لك صومعتك من ذهب"، قال: "لا، أعيدوها من طين كما كانت"، ففعلوا ".

فتأمل كيف هدموا صومعته لأنه عابد عصى، والمومسات المظهرات للفاحشة لم يُعقب عليهن!

فما السبيل كي لا تهدم الصومعة؟!

أولًا: لابد من مراعاة أن الناس ينظرون إليك على أنك قدوة ومحل لثقتهم ودينهم، والتعامل مع ذلك بمراعاة ما يراه الناس وتقع أعينهم عليه منك، فلا تهدم صومعتك بيدك.

ثانيًا: لا نقول أنك لابد أن تكون معصومًا، لأن هذه من ضرورات البشرية التي فطرت عليها، ولكن فرق بين معصية فعلتها سرًا لغلبة الشيطان والهوى، وتبت بعدها، وبين معصية تكررت منك على مرأى ومسمع من الناس، حتى سقطت من أنظارهم، وسعوا لهدم صومعتك تدينًا منهم.

فإن وقعت في الزلل فاحرص على بقاء حفظ ستر الله عليك، وسارع بالرجوع والتوبة، ولا يستجرينك الشيطان ويطمئنك بأن الستر عليك مستمر لا ينقطع، فإن مكر الله لا يؤمن.

ثالثًا: ضع أمام ناظريك أن اشتهار المعصية عنك مفسدته لا تترتب عليك وحدك، بل على كل من حمل وسمك، وكم من عمل دعوي توقف بسبب معصية أحدهم، ظهرت فاستنكرها الناس؟، وهدموا صومعته فلم يقدر غيره على أن يتعبد فيها. "فتأمل"

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة