الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

وأقبل شهر المنافسة (موعظة الأسبوع)

إثارة الهمم للمنافسة على أن نكون مِن أهل فضائل شهر رمضان

وأقبل شهر المنافسة (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الخميس ٠٢ يونيو ٢٠١٦ - ١١:٢٨ ص
2132

وأقبل شهر المنافسة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- الغرض مِن الموعظة:

إثارة الهمم للمنافسة على أن نكون مِن أهل فضائل شهر رمضان.

- المقدمة: رمضان أعظم موسم للمنافسة:

- الله -تعالى- يأمر بالمنافسة والمسابقة لنيل الجنة ودرجاتها: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)، وقال -تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الحديد:21).

- الصالحون يسارعون ويسابقون إلى الخيرات بعد سماع المرغبات: قال ابن رجب -رحمه الله- في لطائف المعارف: "لما سمِع القوم ذلك فهموا أن المراد مِن ذلك أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة".

- لذلك صار التنافس على الجنة قاعدة حياتهم: قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إذا رأيتَ الرجل ينافسك في الدنيا؛ فنافسه في الآخرة"، وقال: "إذا نافسك الرجل في الدنيا؛ فألقها في وجهه".

- فالصالحون مهما أُعطوا مِن الدنيا فأعينهم على الآخرة: قال الله -تعالى-عن يوسف -عليه السلام-: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:101).

- رمضان موسم طاعة يبعث على المنافسة لنيل الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفـًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِمَنْ أطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأفْشَى السَّلاَمَ، وَصَلَّى بِالليْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) (رواه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني). (وهذه أعظم أوصاف الصائم).

- رمضان شهر القرآن:

- فهل تجعل القرآن مِن خصائصك أنتَ أيضًا؟ قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... ) (البقرة:185)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) (متفق عليه).

- تلاوة القرآن سبب مضاعفة الحسنات في سائر الأوقات؛ فكيف بشهر تضعيف الأجور؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ, مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).

- فائدة: إن قراءة سورة الإخلاص تعدل خمسمائة حسنة؛ فكيف بسورة ق؟ وكيف بالبقرة؟ وكيف بالقرآن كله؟! وكيف لو كررت ذلك مرات؟! (عدد حروف القرآن 320.015 حرفًا x 10 = 3.200.150).

- أحوال الصالحين مع القرآن في رمضان:

- سيد الصالحين -صلى الله عليه وسلم- يعرضه مرتين عام وفاته: عن فاطمة -رضي الله عنها- قالت: "إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي" (متفق عليه).

- يتفرغون له تلاوة وحفظـًا وعرضًا: "كان الزهري -رحمه الله- إذا أقبل رمضان يتوقف عن التحديث، ويقول: إنما هو لتلاوة القرآن وإطعام الطعام"، "وكان عثمان -رضي الله عنه- يختمه مرة كل ليلة"، "وكان الشافعي -رحمه الله- يختمه مرتين كل ليلة".

- لا عذر لك في هجر القرآن: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود -رضي الله عنه-: (اقْرَأْ عَلَيَّ) قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: (إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) (متفق عليه).

- رمضان شهر القيام والتراويح:

- فهل تجعل القيام مِن خصائصك أنتَ أيضَا؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" (متفق عليه).

- القيام مِن أشرف الأعمال في سائر العام؛ فكيف في رمضان؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأبُ الصَّالِحِين قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- أحوال الصالحين مع القيام:

- سلواهم في دنيا الفتن: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لولا ثلاث ما أحببتُ العيش في هذه الدنيا: الغزو في سبيل الله، ومكابدة الساعات مِن الليل، ومجالسة أقوام ينتقون الكلام كما ينتقى أطايب التمر" (مختصر قيام الليل للمروزي).   

- لا يحول بينهم وبينه سفر ولا مشقة: عن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: "لما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، جاءتني هند فقالت: إني أريد أن أبايع محمدًا! وقد رأت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أقاموا ليلة الفتح في المسجد الحرام يتهجدون، فقلتُ: قد رأيتك تكفرين! قالت: أي والله، والله ما رأيتُ الله عُبد حق عبادته في هذا المسجد قبْل الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين قيامًا وركوعًا وسجودًا" (حياه الصحابة - البداية والنهاية - نقلاً عن رهبان الليل .د/ سيد العفاني ص 367).

- هيا إلى التراويح والتهجد "تعب سيزول بعد قليل، وسيبقى الأجر الكثير": عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: (أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا) (رواه البخاري ومسلم).

- التراويح عمل قليل بالنسبة إلى الأجر الكثير: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

- شهر تنوير وتعمير المساجد:

- المساجد تستعد وتنتظر موسم رمضان مثلك، لتعمَّر بالتراويح والتهجد والاعتكاف، فهل كنتَ مِن المعمرين؟ قال الله -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور:36-37).

- المساجد... تلك البقاع التي لا فرق فيها بيْن غني وفقير، يأوي إليها المؤمنون مِن مادية الدنيا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ مُؤْمِنٍ) (رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني).

ـ تعميرها وارتيادها سبب لزيادة نصيبك مِن الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) (متفق عليه).

- أحوال الصالحين مع المساجد:

- جعل سيدهم -صلى الله عليه وسلم- بيته بجوارها حبًّا وتعلقًا، وهو ظاهر في أحواله: قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ" (متفق عليه).

- يأوون إليها للخروج مِن هموم الدنيا وغمومها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). (أبو إمامة -رضي الله عنه- يأوي إلى المسجد لما أصابته هموم وديون، فعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءً نافعًا - وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يأوي إليه لما تشاحن مع زوجته".

ـ أكثر مكان يرتادونه ويحبونه: "كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا سألوا عنه وجدوه في المسجد".

- يرجون الخاتمة منه: "لما حضرتْ عبد الرحمن السلمي -رحمه الله- الوفاة وهو في المسجد، فقالوا: لو تحولتَ إلى الفراش؛ فإنه أوثر وأوطأ؟ فقال: حدثني فلان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ) (متفق عليه)، وإني أريد أن أموت في مسجدي".

- خاتمة: هل مِن معمِّر؟!

هل مَن مشمِّر؟!

هل مَن مرتل؟!

هل مِن مسبِّح؟!

- قم وتجهز ولا تنتظر حلول الشهر؛ فهذا حال الصادقين: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) (التوبة:46).

- جهِّز مصحفك، ووفـِّر أسباب رزقك، واهجر الكسالى، واصدق الله يرزقك مِن حيث لا تدري: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق:2-3)، أم حرام تتمنى الغزو والشهادة، وهي ليستْ مِن أهل الجهاد؛ فترزق بها لصدقها!".

- هذا موسم ينقسم الناس فيه إلى قسمين: "منافس على الطاعة، ومنافس على الغفلة": فأي الفريقين تفتح له أبواب الجنان، وتسد عنه أبواب النيران؟!

نسأل الله أن يرزقنا حسن العمل وصدق النية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة