الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

اجْنِ الثَّمراتِ واحذَرْ العَقَباتِ

من أفضل ما تعمر به الأوقات الاهتمام بالقرآن، حفظًا وتلاوة وتدبرًا، وعملاً

اجْنِ الثَّمراتِ واحذَرْ العَقَباتِ
جمال فتح الله
الاثنين ٠٦ يونيو ٢٠١٦ - ٠٩:٠١ ص
1265

اجْنِ الثَّمراتِ واحذَرْ العَقَباتِ

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.  
حِكم الصيام عظيمة، ومن الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمة، وهو من العبادات الرامية إلى تزكية النفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح حال الأفراد فردًا فردًا، إذ منهم يتكون المجتمع .
فقوله {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، فيها أغراض أربعة:

1ـ الاهتمام بهذه العبادة.

2ـ أن في التشبيه بالسابقين تهوينًا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم.

 3ـ إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض، بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة.

4ـ تخفيف على نفوس المؤمنين من وطأة الصوم، فإن المسلم إذا عرف أن هذا درب سلكه قبله الصالحون من الأنبياء وأتباعهم فإنه يفرح بذلك ولا يستثقله .
ثم قال: "لعلكم تتقون"، إيماء إلى الحكمة في مشروعية الصيام، وهي تحقيق التقوى من قِبل الصائم .
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "إن الصيام سبب للتقوى، وأن من لم يظهر عليه أثر التقوى بالصيام فصيامه ناقص" .
أتى رمضان مزرعة العباد   ..  لتطهير القلوب من الفساد 
فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً ..  وزادك فاتخذه للمعاد 
فمن زرع الحبوب وما سقاها ..  تأوه نادمًا يوم الحصاد 
فإن حكمة الله -جل وعلا- اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعة للآخرة، وميدانًا للتنافس، ويجعل لعباده مواسم تعظم فيها الطاعة، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات، ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلها شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن المجيد.
لكن هناك من يستثمر هذه الأيام ويجني ثمرات كثيرة، ومن الناس من يقع في عقبات كثيرة بسبب جهله وعدم علمه بعِظم هذه الأيام، لذلك أنصح نفسي ومن يقرأ هذا الكلام بأن نجتهد في جني الثمرات والتغلب على العقبات، استعن بالله ولا تعجز.
(ثمرة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".

فرصة ذهبية نادرة، لابد من استثمارها، فيها الرحمة والمغفرة، ودواعيهما متيسرة والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة، ومردة الشياطين مصفدة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك، فمتى تناله إذن، من خاض البحر اللجي ولم يطهر، فماذا يطهره؟

إذا الروضُ أمسى مُجِدباً في ربيعهِ .. ففي أي حينٍ يَستنيرُ ويُخِصبُ؟

(عقبة) كثير من المسلمين يغفل عن قيام أول ليلة من رمضان، وكذلك ذكر رؤية الهلال، وهذا مخالف لسنة رسول –صلى الله عليه وسلم- فاحذر هذا، واحرص على القيام من أول ليلة، حتى يكتب لك قيام رمضان كاملًا.

(ثمرة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"، كل إنسان له ذنوب، وما أكثرها في هذا الزمان بسبب الفتن، وضعف الإيمان، فإذا صام المسلم امتثالاً لأمر الله، غُفِر له ما تقدم من ذنبه.

(عقبة) كثير من الناس لم يتعود الصيام إلا في رمضان، فإذا صام رمضان كان كثير الغضب والانفعال السريع، بحجة أنه صائم، نقول له: "لا يجوز ذلك لأن العبادات تهذب النفوس وتزيد الإيمان، فاحذر الغضب".

(ثمرة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، إيماناً بالله عز وجل واحتساباً للأجر الذي أعده الله للصائمين، النية الصادقة عمل عظيم جدًا، نسأل الله الإخلاص في السر والعلن.

(عقبة) عن حفصة -رضي الله عنها- زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له"، فلابد من تبييت النية قبل الفجر لصيام الفريضة، فاحذر الغفلة عن النية.

(ثمرة) قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: "أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه"، ويقول القرآن: "منعته النوم بالليل فشفعني فيه"، فيشفعان".

وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه". هذه من أعظم وأجل العبادات صيام وصلاة، كيف يغفل عنها المسلم، الخائف من ربه، والطالب للجنة، والمسارع للآخرة؟.

(عقبة) قال الله تعالى : {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}، أهل الفن، والمسلسلات، والفوازير، والتلفاز والصحف الفاسدة، والإنترنت، والمواقع المشبوهة، فرِّوا من هؤلاء فراركم من الأسد، لأنهم قطاع الطرق، فاحذرهم، قال –صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

(ثمرة) قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.

شهر رمضان شهر القرآن، فمن أفضل ما تعمر به الأوقات الاهتمام بالقرآن، حفظًا وتلاوة وتدبرًا، وعملاً، وهكذا كان سلف الأمة ،المراد بالهدي الأول ما في القرآن من الإرشاد إلى المصالح العامة والخاصة التي لا تنافي العامة، كان جبريل يدارس النبي –صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان الصحابة إذا أقبل رمضان تفرغوا لتلاوة القرآن، وكان سفيان الثوري إذا أقبل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

(عقبة) بعد رمضان، كثيراً ما نسمع هذه الجملة، من الناس يؤخرون كثيراً من الأعمال إلى ما بعد رمضان بحجة الصيام، وكأن الصيام يمنع من العمل، ويدعو إلى الكسل، والراحة والنوم، وهذا خلاف سلف الأمة، فكثير من الغزوات كانت في شهر رمضان، وكان النصر حليفهم، لأن العبادات تقوي القلب والبدن، وتزيد الإيمان، فاحذر تأخير الأعمال، واستعن بالله ولا تعجز.

(ثمرة) قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"، ثمرة عظيمة لابد من اغتنامها، ليلة واحدة تقوم فيها مثل الرجال، تؤجر بسببها بما يعادل 83 سنة عبادة لله.

(عقبة) احذر النوم الكثير، بعض الناس يضيع يومه وليلته في النوم، بحجة الصيام، والتعب، فمن خاف النار لا ينام، ولمن خاف مقام ربه جنتان.

(ثمرة) الاعتكاف، وما أدراك ما الاعتكاف، بيت المشاعر وعمق الإيمان وصدق التوجه وحلاوة الغربة، وملازمة الباب والوقوف في المحراب ولذة أُولي الألباب، وهو قطع العلائق عن الخلائق ليتفرغ لخدمة الخالق.

نعم، خلوة شرعية، لابد للروح من خلوة وعزلة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة، لابد من فترة للتأمل والتدبر، والتعامل مع الكون الكبير، والاعتكاف سنة مؤكدة، واظب عليها النبى –صلى الله عليه وسلم- في حياته بعد هجرته إلى المدينة المنورة.

فهي دورة تربوية مكثفة لها نتائجها الإيجابية الفورية على حياة الإنسان في أيام وليالي الاعتكاف، إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبداً لله -عز وجل- ويكون شغله الشاغل في زمن الاعتكاف هو مرضاة الله -عز وجل-، والصلاة من الفرض والنفل، والدعاء، والذكر، وقراءة القرآن.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
70 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
65 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
47 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
98 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
96 ١٩ يونيو ٢٠٢٣