الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الجهاديون الإفريقيون .. والقاعدة -2

ما زال للمسلمين الأفارقة جهودا كبيرة دفاعا عن الإسلام ونشرا له، وإحياء للعمل الإسلامي، ومواجهة للحملات التبشرية التنصيرية هناك

الجهاديون الإفريقيون .. والقاعدة -2
علاء بكر
الثلاثاء ١٤ يونيو ٢٠١٦ - ١٣:٠٢ م
1445

 الجهاديون الإفريقيون .. والقاعدة (2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الاستعمار الأوروبي لإفريقيا:

اتجهت أنظار المستكشفين الأوروبيين بعد الكشوفات الجغرافية والتعرف على طريق رأس الرجاء الصالح، وبعد قيام الثورة الصناعية في أوروبا إلى زيادة النشاط الكشفي الجغرافي؛ للتعرف على إفريقيا مِن الداخل لدوافع عديدة، منها:

- تأمين المستعمرات الأوروبية على سواحل إفريقيا وفي آسيا، والتوسع في ضم مستعمراتٍ جديدة.

- البحث عن أسواق جديدة لتصريف الفائض الضخم مِن الإنتاج الذي أعقب الثورة الصناعية في أوروبا، والذي زاد عن حاجة الأسواق الأوروبية.

- استغلال الثروات الكبيرة في حقول وباطن ومناجم الأرض في إفريقيا، بعد أن اتضح لأوروبا مع الوقت أن إفريقيا قارة غنية بالثروات المعدنية والمواد الخام اللازمة لقيام الصناعات المتطورة في الدول الاستعمارية الكبرى في أوروبا.

- استثمار الفائض من الأموال عند الشركات التجارية الأوروبية في استثماراتٍ جديدة في إفريقيا، بالتنقيب عن الثروات المعدنية في باطن الأرض والمناجم، وضم المزيد مِن الأراضي، والتوسع في مناطق النفوذ.

وقد قام العديد مِن المستكشفين والمغامرين الأوروبيين بنشاطٍ كبير في أعماق إفريقيا، ووصلوا إلى أراضٍ لم تطأها أقدام أوربيين مِن قبْل، وأطلقوا عليها أسماء أوروبية، وطالبوا حكومات بلادهم -تمهيدًا للسيطرة على شعوبها وقبائلها- بسرعة إرسال الإرساليات للتبشير بالنصرانية فيها، والترويج لبسط نفوذ الدول الاستعمارية الأوروبية فيها بدعوى نشر المدنية والتحضر في القارة!

وقد سارعت المنظمات التبشيرية بتوجيه مِن حكومات دولها الأوروبية، أو بتشجيع من متطوعين بأداء هذه المهمة، وبشكل مكثف ومتصل منذ القرن الثامن عشر الميلادي إلى الآن، لتحويل إفريقيا إلى قارة نصرانية.

وقد مهَّد هذا النشاط التنصيري الطريق للشركات التجارية الاستعمارية الأوربية للدخول إلى إفريقيا وبسط نفوذها عليها مِن خلال معاهدات واتفاقيات مع زعماء الكثير مِن القبائل ظاهرها الشراكة وتبادل المنافع، وحقيقتها الخداع والمراوغة؛ لتمكينها مِن نهب خيرات إفريقيا، واستغلال ثرواتها، والاستحواذ على أراضيها وما فيها مِن ثروات ومناجم لم يكن بمقدرة الإفريقيين وقتها الاستفادة منها.

وقد تحكمت هذه الشركات الأوروبية التجارية التي نمت نموًا سريعًا في القرن التاسع عشر الميلادي في سياسات دولها الاستعمارية، وتنافست فيما بينها في ضم الأراضي الواسعة للدول الاستعمارية التي تنتمي إليها، فما مِن أراضٍ وجدتها صالحة لاستيطان الأوربيين فيها إلا واستوطنتها، وما مِن ثروات معدنية ثمينة وصلت إليها إلا واستغلتها ونهبتها!

ولفض النزاع والصراع الشديد الذي ظهر وتفاقم بيْن الدول الأوروبية الاستعمارية بسبب تكالبها على بسط نفوذها على إفريقيا اتفقت 14 دولة أوربية فيما بينها في (مؤتمر لندن) الذي عقد في 1884م - 1885م على استعمار الدول الأوربية إفريقيا سلميًّا بقدر المستطاع، وفي إطار مبادئ اتفقوا عليها مِن خلال نظرة أوروبية استعمارية ترى أن أرض إفريقيا لا مالك لها؛ فيحق للأوروبيين أن يتملكوها!

وبتمادي التدخل الأوروبي في إفريقيا؛ استعمل الأوروبيون القوة العسكرية لتثبيت نفوذهم فيما تحت أيديهم مِن أراضٍ، وقامت الدول الأوروبية الاستعمارية بتقسيم البلاد الإفريقية فيما بينها واحتلالها عسكريًّا، وأذاقت شعوبها ألوانًا مِن الاضطهاد والتعذيب، واستعبدتها بسياسة التمييز العنصري في وقت ادعت فيه أوروبا أنها جاءت لتقضي على تجارة الرقيق في إفريقيا!

ولما رأت الدول الأوروبية الاستعمارية أن الإسلام أحد المكونات الرئيسية للموروث الحضاري الإفريقي، وأن له تأثيره الاجتماعي الملموس في ظل وجود ممالك ومدن ومراكز تجارية إسلامية عديدة، وأنه مِن أكبر العوائق أمام إخضاع الشعوب الإفريقية إخضاعًا كاملاً إذ إنه مِن أكبر أسباب المقاومة للاستعمار الأوروبي، خاصة في الممالك التي يسود فيها الإسلام، أو يعتنقه فيها كثيرون؛ قامت السلطات الاستعمارية خلال احتلالها لإفريقيا بأمور لإضعاف الوجود الإسلامي أو القضاء عليه.

منها:

- فتح الباب واسعًا أمام المنظمات التنصيرية التبشيرية للنفاذ بكثافة وبقوة إلى كل مكان في إفريقيا، خاصة الأماكن التي لم تدخلها مِن قبْل؛ لتنصير أكبر عددٍ ممكن مِن الأفارقة، حيث كان وما زال المستهدف حول تحويل إفريقيا إلى قارة نصرانية بالكلية.

- فتح المدارس التبشيرية والعلمانية الحديثة والجامعات الإنجيلية، وتشجيع الأفارقة خاصة مِن أبناء الطبقات العالية وأبناء المسلمين على الالتحاق بها.

- نشر الفكر الغربي والتعليم العلماني، وإعداد نخب مِن المتشبعين بالفكر الغربي والتقاليد الغربية، ووضعهم في مواقع القيادة والصدارة في مجتمعاتهم.

- إبعاد الدين الإسلامي عن الحكم أو تحييده بوضع وتطبيق دساتير علمانية خاصة في البلاد التي تقطنها أغلبية مسلمة أو كانت تطبق الشريعة الإسلامية مِن قبْل.

ويمكن القول أنها نجحت في ذلك بقدرٍ كبير، فقد كان تعداد النصارى في كل أرجاء إفريقيا حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي عشرين ألفًا وبضع مئات مِن العبيد، وخلال القرن التاسع عشر لم يكن للنصرانية قدم ثابتة في إفريقيا باستثناء بعض النقط الضئيلة على السواحل. والآن فإن عدد النصارى في إفريقيا يساوي عدد المسلمين فيها أو ربما يزيد.

ونجد كمثال: أن دولة السنغال التي يدين أغلب سكانها بالإسلام كان أول رئيس لها بعد الاستقلال هو "سيدار سنجور" وهو نصراني كاثوليكي، ومِن بعده "عبده ضيوف" وهو مسلم كان متزوجًا مِن نصرانية مِن طائفة الروم الكاثوليك.

إن دولاً إفريقية عديدة ذات أغلبية مسلمة بعيدة عن التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، منها: "مالي - والنيجر - وتشاد - ونيجيريا - والسنغال - وغينيا كوناكري - وغينيا بيساو- وسيراليون".

وهناك دول إفريقية صار المسلمون فيها مع الوقت أقلية، منها: "غانا - وليبيريا - وتوجو - وبنين".

وفي بعض الدول الإفريقية يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد، بل وللإبادة على مرأى ومسمع مِن الجميع! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ورغم ذلك كله؛ فما زال للمسلمين الأفارقة جهود كبيرة؛ دفاعًا عن الإسلام ونشرًا له، وإحياءً للعمل الإسلامي، ومواجهة للحملات التبشيرية التنصيرية هناك، وهي تتلقى بعض العون مِن بعض مؤسسات عربية وإسلامية، ومنها: "الأزهر الشريف"، ولكنها جهود ضعيفة جدًّا في مواجهة التحديات الكبيرة، والمعوقات الضخمة التي تواجهها، وما زال العمل الإسلامي هناك يحتاج إلى الكثير والكثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة