السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هداية القرآن

نحتاج في هذا الشهر أن نسمع القرآن بقلب مختلف عن الأعوام السابقة علّه يحدث لنا هداية لا نشقى بعدها أبدا

هداية القرآن
إيهاب شاهين
الأحد ١٩ يونيو ٢٠١٦ - ١٢:٥٤ م
1474

هداية القرآن

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

من أهم الخصائص التي خص الله بها شهر رمضان: القرآن الكريم، قال تعالى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" ولو لم يكن غير هذه المزية في رمضان لكفت أهل الإيمان؛ يقول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" فالرحمات والذكرى تتنزل علي أهل الإيمان بالقرآن الكريم.

معلوم أن وصية الوداع من أجلّ الوصايا التي يجب أن توضع في سويداء القلب، خاصة إذا كانت وصية شفوق حريص، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث زيد بن أرقم: "أَلَا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ؛ مَنْ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ" كتاب الله هو حبل الله، هو الصلة بين العبد وبين الله؛ عندما يقرأ العبد القرآن يناجي الرحمن، وهذه المناجاة تورث المحبة في القلب ومن ثمّ الشوق إلى اللقاء، كما حدث مع موسى عليه السلام حينما ذهب لمناجاة الله تعالى، أراد أن يطيل وقت الحوار إلى أقصى مدى؛ لأنه يناجي حبيبه، حتى سأله الله تعالى وهو أعلم: "وما تلك بيمينك يا موسى" "قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي" وهذه فائدة العصا في هذا الوقت، ولكن لشغفه بمناجاة حبيه سبحانه وتعالى قال: "وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى" انتظارا منه أن يرد الله عز وجل عليه وماهي تلك المآرب؟ فيظل الحوار مفتوحا مع الله؛ بعد هذه المناجاة، أثمر ذلك في القلب الشوق وحب اللقاء والرؤية؛ فقال موسى عليه السلام كما حكى الله عنه: " رَبِّ أرني أنظر إليك" وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم من فرط محبته لله وكثرة مناجاته؛ "اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك".

قراءة كلام الله تعالى والارتباط به يفعل في القلب العجائب، ويورث محبة الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف" وإذا كان مجرد النظر يفعل ذلك فما بالك بمن كان القرآن بالنسبة إليه منهج حياة؟

عندما يلقي العبد سمعه ويفرغ قلبه من الشواغل عند الإستماع إلى القرآن وتلاوته يحدث ذلك في قلبه التذكر "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"

إذا كان القرآن قد أثّر في الكافرين عند سماعه فما بالك بأهل الإيمان؟، عتبة بن ربيعة كان سيداً في قومه قال يوماً وهو جالس في نادي قريش -ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده-: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً علّه يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ -وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون-، فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه؛ فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي؛ إنك منا حيث علمت من السلطَة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفّرت به من مضى من آبائهم؛ فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع؛ فقال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال نعم. قال فاستمع مني، قال أفعل. قال: "بسم الله الرحمن الرحيم، حم تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون" ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط؛ والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي، خلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه؛ فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحَرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

وكذلك تأثرت الجن وعلمت حين سمعت القرآن أنه يفعل العجائب في القلوب كما حكى الله عنهم: " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" علمت الجن أن القرآن يهدي إلى الرشد، لمن يطلب الهداية ويسأل عنها.

كانت هذه حال الجن عند إستماعهم، وليس ذلك فقط بل قاموا دعاة منذرين لقومهم بهذا القرآن، قال تعالى: "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" أوصى بعضهم بعضا بالحضور والإستماع والإنصات.

القرآن فيه شفاء من كل داء "وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا.

القرآن فيه الموعظة والعبرة والرحمة "يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ".

يا لها من وصية لو تعلمناها وعملنا بها ودعونا غيرنا لحلقات القرآن وتعلمه وتعليمه وقراءته فتحدث السكينة وتتنزل الرحمات؛ قال صلى الله عليه وسلم: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ".

وقبل ذلك كله رائدنا وأسوتنا نبينا محمد صلي الله عليه وسلم كيف كان يحب الإستماع؟ بل كان يشتهي ذلك عليه الصلاة والسلام، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  اقرأ علي القرآن  قال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟  قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" وفي رواية  قال "إني أشتهي أن أسمعه من غيري"  فقرأت عليه من أول سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا".  قال: حسبك الآن، فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان .

وكذلك عباد الله الصالحين؛ قال تعالى: "فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ" وأحسن القول هو قول الله تعالى.

نحتاج في هذا الشهر أن نسمع القرآن بقلب مختلف عن الأعوام السابقة علّه يحدث لنا هداية لا نشقى بعدها أبدا، جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة