الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الصراع بين النفس والشهوة

لابد للعبد أن يلجأ في أمر نفسه لله تعالى

الصراع بين النفس والشهوة
زين العابدين كامل
الأحد ٠٣ يوليو ٢٠١٦ - ٠٠:٠٢ ص
3270

الصراع بين النفس والشهوة

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد،

قال قتادة رحمه الله: "خلق الله سبحانه الملائكة عقولا بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الانسان وجعل له عقلا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم" فهذه هي تركيبة الشهوة فى المخلوقات، و يواجه الإنسان فى حياته منذ سن البلوغ تقريبا مجموعة من الشهوات والاغراءات، فهناك أنواع من الشهوات المختلفة، كشهوة المال والجاه والمنصب وحب الرياسة والصدارة وكذا شهوة النساء وهي من أشد الفتن والشهوات على الإطلاق، ويواجه الإنسان كذلك النفس البشرية الأمّارة بالسوء، ويلعب الشيطان دورا هاما في حرب الإنسان مع الشهوات المختلفة والغرائز المتنوعة، فيزينها ويغري الإنسان للوقوع فيها، وهو أكبر عامل مساعد في استثارة تلك الشهوات والغرائز داخل النفس، لاسيما وهو الذي يجري في الانسان مجرى الدم من العروق. ثم يأتى العقل ليلعب دورا إيجابيا خلال هذة المحنة، فيحاول أن يظهر الفارق الكبير بين الخير والشر، وطريق الهدى وطريق الضلال، ويتحول كل ذلك إلى صراع مع النفس البشرية، وهذه المعركة بين العقل والنفس والشيطان، وغالباً ما تكون (سجالاً) يوم لك ويوم عليك.

فأحيانا ينتصر الشيطان ومعه النفس الأمارة بالسوء ويقع الانسان فريسة لمتعة وهمية سريعة الزوال، وأحيانا أخرى ينتصر ويعصمه ربه تعالى من الوقوع فى الزلل؛ قال ابن القيم رحمه الله: "جمع فِيك عقل الملك وشهوة الْبَهِيمَة وَهوى الشَّيْطَان وَأَنت للْغَالِب عَلَيْك من الثَّلَاثَة إِن غلبت شهوتك وهواك زِدْت على مرتبَة ملك وَإِن غلبك هَوَاك وشهوتك نقصت عَن مرتبَة كلب، لما صَاد الْكَلْب لرَبه أُبِيح صَيْده وَلما أمسك على نَفسه حرم مَا صَاده" ولعل ابن القيم أراد أن يشير إلى أن الكلب المعلم الذى يصطاد، استطاع أن يكبح جماح شهوته ولم يأكل صيده وعاد به إلى صاحبه، لأن صاحبه علمه ذلك وأمره به، فكيف للإنسان صاحب العقل أن يكون أضعف من الكلب، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (70 الإسراء)

وهناك عدة عوامل مساعدة للإنسان لينتصر على رغباته و شهواته وتزيين الشيطان له، كالنفس اللوّامة التي تقوم بدور المؤنب الثائر على كل ما وقع فيه العبد من الخطايا والذنوب، وكذلك الصحبة الصالحة؛ وهم قارب النجاة للعبد، يحملونه معهم بعيدا عن عالم الشهوات والشبهات، وهنا يسهل على العبد صياغة نفسه وإعادة تشكيلها من جديد في بيئة آمنة مطمئنة، تحب الخير وتسعى إليه، وتبغض الشر وتبتعد عنه.

وعلى الجانب الآخر هناك صحبة الشر، أعوان إبليس، وهؤلاء هم شياطين الإنس، يحاولون جر الانسان إلى طريق الضلال والعياذ بالله، وإذا تأملنا حديث قاتل المائة نفس؛ نرى أن العالِم نصحه بتغيير بيئته ليستطيع إعادة تربية نفسه وإعادة تشكيها وصياغتها من جديد، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة و تسعين نفساً؛ فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلّ على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال له: لا؛ فقتله فأتم به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُلّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم؛ ومن يحول بينه و بين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت؛ فاختصمت فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك فى صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا مابين الأرضين؛ فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضتة ملائكة الرحمة، وفي روايةٍ في الصحيح: "فكان إلى القرية الصَّالحَةِ أقربَ بِشِبْرٍ، فجُعِل مِنْ أَهْلِها"، وفي رِواية في الصحيح: "فأَوْحَى اللَّهُ تعالَى إلى هذه أن تباعَدِي، وإلى هذه أَن تَقرَّبِي، وقَال: قِيسُوا مَا بيْنهمَا، فَوَجدُوه إِلَى هَذِهِ أقربَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ له"، وفي روايةٍ: "فنأَى بِصَدْرِهِ نحوها"، فهذا الرجل سقط قبل أن يصل، لكنه سلك الدرب عازمًا على المضي فيه حتى نهايته.

لحظات قصيرة من القرب من الله والسير إليه، أودت بحياة طويلة عريضة في التيه والضلال، فلابد من معالجة النفس البشرية ولكن فى بيئة حاضنة للخير، كالطفل المصاب عند ولادته بمرض الصفراء، يحتاج لبيئة معينة يعيش فيها، وهى الحضّانة، فلابد إذن من البيئة المناسبة لإصلاح النفس.

قال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نفسي، مرة لي ومرة علي. وقال مجاهد: من أعزّ نفسه أذل دينه، ومن أذلّ نفسه أعزّ دينه. وقال مالك بن دينار رحمه الله: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله تعالى؛ فكان لها قائداً. وقال أبو يزيد: ما زلت أقود نفسي إلى الله وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.

ولابد للعبد أن يلجأ في أمر نفسه لله تعالى، فهو الذي بيده الأمر كله؛ عن أبي هريرة رضى الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت؛ قال: قل: "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه" قال: قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك.(رواه الترمذى وصححه الألبانى)، و عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أعلمكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها". .(رواه النسائى وصححه الألبانى).

اللهم احفظنا من شرور أنفسنا وخذ بنواصينا لكل ما تحب وترضى، اللهم أمين .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com