الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (موعظة الأسبوع) (1) جلسة في بيت النبوة

كانت هذه الجلسة بداية لأحداثٍ عجيبة وغريبة امتلأت بالآلام، واشتملت على دروسٍ وعبرٍ عظام

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (موعظة الأسبوع) (1) جلسة في بيت النبوة
سعيد محمود
الجمعة ٢٢ يوليو ٢٠١٦ - ٠٣:٠٠ ص
1137

وقفات إيمانية مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (موعظة الأسبوع) (1)

(جلسة في بيت النبوة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض مِن الموعظة:

الوقوف على الفوائد الإيمانية في القصة مِن خلال أحاديث مسلسلة، والتعريض بالمسلسلات والأفلام الهابطة والقذرة التي تفسد الدين والدنيا.

مقدمة:

- قصة يوسف -عليه السلام- محببة إلى نفوس المؤمنين؛ لما تحمله مِن كل معاني القصة الهادفة، والتي تنقلك مِن مشهدٍ إلى مشهد في سياق مشوقٍ فريد: قال الله -تعالى-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (يوسف:3).

- قصة يوسف -عليه السلام- تحكي تجربة فريدة مِن نوعها، حيث بدأت أحداثها مِن مرحلة مبكرة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مرورًا بمراحل عمره المختلفة بأحداثها الغريبة العجيبة: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) (يوسف:7)، (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود:120).

- قصة يوسف -عليه السلام- دليل على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث إن العرب كانوا يجهلون ذلك: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49).

- قصة يوسف -عليه السلام- تسلية لقلوب المؤمنين المضطهدين في كل زمان ومكان: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ملَّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ملة، فقالوا: يا رسول الله حدثنا. فأنزل الله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23)، ثم ملوا ملة أخرى، فقالوا يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن، يعنون القصص، فأنزل الله: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (تفسير الطبري)، وقال الله -تعالى- في آخرها: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110).

- أحسن ما يتناول مِن خلاله القصة هو سورة يوسف -عليه السلام- التي أفردت لها: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ).

قصص غير القرآن على نوعين:

- الأول: قصص أهل الكتاب، وهو: إما أكاذيب، وإما تفاصيل لا تنفع، كاختلافهم في أسماء إخوة يوسف -عليه السلام- والكواكب التي سجدت.

- الثاني: قصص غيرهم مِن الناس، وهو إما أساطير وخرافات، أو عشق وغرام ونشر للفواحش، أو عنف ودمار، بل إن القصص الحق إذا تناوله أهل البدع والضلال؛ حرفوه وشوهوه "مثال: المسلسل الإيراني - الأفلام الإسلامية زعموا!".

تفصيل الأحداث مِن خلال الآيات، والوقوف على الفوائد الإيمانية

(1)- قوله -تعالى-: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ):

- جلسة في بيت النبوة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ، يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ) (رواه البخاري).

- جلسة أسرية مفقودة لأسبابٍ كثيرة، مِن أشهرها الآن: "الهاتف المحمول حيث مواقع التواصل الاجتماعي التي قطعتْ ما أمر الله به أن يوصل!".

- (يَا أَبَتِ): أدب رفيع، وإشعار بالخصوصية، واستخراج للحنان والعطف، واسترشاد وتواضع.

- يقابله (يَا بُنَيَّ): رحمة وشفقة عالية حيث التصغير الذي يزيد الحب والتعلق.

- (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا): فسَّرها يعقوب -عليه السلام- وعلمها بأنه سيصير له شأن يعلو به إخوته، وسبق به أبويه.

- رؤيا الأنبياء وحي قاطع: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102).

فائدة: أنواع الرؤيا:

1- الرؤيا الصادقة، وهي استئناس لأمرٍ غيبي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) (متفق عليه).  

2- الحُلم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ) (متفق عليه).

3- حديث النفس: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) (يوسف:44)، والناس يقولون: "الجعان بيحلم بسوق العيش".

(2) قوله -تعالى-: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ):

- علِم يعقوب -عليه السلام- ما تحمله الرؤيا مِن بيان علو مكانة يوسف -عليه السلام- على إخوته عند الله مِن الإكرام والاختصاص، فخاف مِن حسدهم: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف:5).

- مشروعية كتمان الخير إذا خيف الحسد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَعِينُوا عَلَى إنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).  

- آداب تتعلق بحكاية الرؤيا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ، فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ، وَالرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، لَا يَقُصُّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ) (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني).

- (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا): أهمية معرفة كل مربٍّ لنفسيات مَن تحته، فهذا يقدَّم الآن وهذا يؤخر، وهذا علاجه الإهمال، وهذا علاجه الإشغال. أمثلة: "قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) (رواه مسلم) - قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر -رضي الله عنه-: (إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ) (رواه البخاري) - (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ) (رواه مسلم)".

- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ): أهمية ترسيخ عقيدة أن الشيطان هو العدو الحقيقي، وهو المحرض للشرور في النفوس.

- أثر ذلك في عقيدة يوسف -عليه السلام- في الكِبر: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (يوسف:100).

(3) قول الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ):

- (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ): كما اختارك وأراك سجود هذه الكواكب والشمس والقمر لك، فكذلك سيختارك ويصطفيك ويعلمك تأويل الأحلام.

- (رَبُّكَ): بكل ما تشتمله مِن معاني الربوبية: "المالك - المنعم - المدبر - المصلح - المطاع - وجهتك عند الشدة"، وتأمل إيراده اسم الرب مضافًا إلى ضمير المخاطب المفرد؛ للإشعار بالخصوصية الزائدة.

- (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ): شهود نعمة الله أصل السعادة وطريق الشكر، وأعظم النعم: النبوة والإسلام.

- أهمية التربية على الأسماء والصفات حيث التأكيد على شهود ربوبية الله في كل حال، حيث ربط قلبه وعقله بربه في كل الأحوال، فلم يقل: ستصبح عالمًا، وستنال كذا وكذا، وإنما ربط الأمور كلها بفعل الله ونعمته: "(رَبُّكَ)، (وَيُعَلِّمُكَ)، (وَيُتِمُّ)، (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)".

- (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): عليم بك في كل أحوالك، حكيم في كل فعله بك وبغيرك.

- أثر ذلك على يوسف -عليه السلام- في الكبر: (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:100-101).

وهكذا كانت هذه الجلسة بداية لأحداثٍ عجيبة وغريبة امتلأت بالآلام، واشتملت على دروسٍ وعبرٍ عظام حيث قال الله -تعالى- فيها: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) (يوسف:7).

وهذا ما يأتي عليه الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله تعالى-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة