الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن نور السُّنة... مِن وظائف شهر شوال

الحمد لله الذي قلَّب عباده المؤمنين في الطاعات

مِن نور السُّنة... مِن وظائف شهر شوال
عصام حسنين
الثلاثاء ٢٦ يوليو ٢٠١٦ - ٢٢:٣٤ م
1900

مِن نور السُّنة... مِن وظائف شهر شوال

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالتْ: "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ؛ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟!"، قَالَ: "وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ" (رواه مسلم).

لغويات الحديث: قال في لسان العرب: "شوال: مِن أسماء الشهور معروف، اسم الشهر الذي يلي رمضان، وهو أول شهر الحج".

- قيل: سمي بتشويل لبن الإبل، وهو توليه وإدباره، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرطب، وكانت العرب تطير مِن عقد المناكح فيه، وتقول: إن المنكوحة تمتنع مِن ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- طرقهم، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ؛ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟!".

- والشول بمعنى القلة أيضًا: "يُقال: شالت الناقة: إذا قلَّ لبنها".

- وبمعنى الرفع: "يقال: شال الشيء إذا رفعه" (المعجم الوسيط - المعجم الرائد).

- أحظى: أي أسعد وأقرب، يُقال: حظيت المرأة عند زوجها حظوة إذا سعدت به، ودنت مِن قلبه وأحبها.

- وعروة: هو عروة بن الزبير ابن أسماء أخت عائشة -رضي الله عنهم جميعًا-.

- نساءها: أي نساء أهلها.

المعنى العام:

- تخبر عائشة -رضي الله عنها- عن منقبة عظيمة مِن مناقبها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبطل تشاؤم الجاهلية مِن الزواج في شوال بالزواج منها في شوال، وأن ذلك كان سبب الحظوة لها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت تستحب لنساء أهلها أن يتزوجن في شوال اتباعًا للسُّنة، ورجاء هذه الحظوة والسعادة لهن في قلوب أزواجهن كما رزقها الله ذلك.

- وهذا إبطال منها أيضًا لاعتقاد الجاهلية أن الزواج في شوال قد يؤدي إلى الفرقة ورفع الخير بيْن الزوجين.

فوائد الحديث:

1- هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة -رضي الله عنها-: الصديقة المطهرة المبرأة مِن فوق سبع سماوات، حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحب الناس إليه، والتي ما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكرًا غيرها، والتي تزوجها بوحي كما قال -صلى الله عليه وسلم- لها: (أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ) (متفق عليه). وفي رواية: (إِنَّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي.

- وقَبض الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في بيتها وفي يومها، وبيْن سحرها ونحرها -رضي الله عنها-، وعاشت بعده قريبًا مِن خمسين سنة؛ فأكثر الناس الأخذ عنها حتى قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها، وكان موتها في خلافة معاوية -رضي الله عنه- سنة ثمان وخمسين مِن الهجرة.

وتظهر منقبتها مِن هذا الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وبنى بها في شوال لإبطال تشاؤم الجاهلية في عقد النكاح والدخول بالمرأة فيه.

2- فيه حرصه -صلى الله عليه وسلم- على إبطال أمور الجاهلية المخالفة لما جاء به مِن ربه -تعالى-، وهو القائل في خطبة الوداع -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ) (رواه مسلم). أي باطل.

3- إباحة التزوج في شوال: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج سائر نسائه في غير شوال؛ إلا إذا ظهر في مكان تشاؤم مِن بعض الناس فيستحب الزواج فيه إبطالاً لذلك المعتقد الشركي.

قال النووي -رحمه الله-: "فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا -أي الشافعية- على الاستحباب واستدلوا بهذا الحديث، وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيله بعض العوام اليوم مِن كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له، وهو مِن آثار الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال مِن الإشالة والرفع" (اهـ مِن شرح النووي على مسلم).

ودليل الإباحة كما ذكرنا تزوجه -صلى الله عليه وسلم- ودخوله ببقية نسائه في غير شهر شوال، والله أعلم.

4- التشاؤم مِن عقائد الجاهلية: قال الله -تعالى- عن آل فرعون: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (الأعراف:131)، أي إذا أصابهم خصب ورخاء يقولون: هذا لنا بما نستحقه، وإن أصابهم جدب وقحط فيقولون: هذا بسببهم وما جاءوا به (تفسير ابن كثير).

- (أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ): أي ما قضي وقدر عليهم مِن عند الله؛ بسبب كفرهم وصدهم عن سبيل الله.

- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وقال: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ) (متفق عليه)، وهذا نفي منه -صلى الله عليه وسلم- لعقائد الجاهلية، وكانوا في الجاهلية يتشاءمون بالطيور، كان الرجل إذا أراد سفرًا أو زواجًا أو غير ذلك أمسك بالطير أو ينفـِّر الطير، فإن طارت يمينًا تفاءل واستمر في مراده، وإن طارت شمالاً تشاءم، وصده ذلك عن مراده!

وهذا جهل وقلة عقل؛ فما دخل طيران الطيور فيما يصيب الإنسان مِن خير أو شر؟! بل كل ذلك بقضاء الله وقدره، وهو وحده الذي تتعلق به القلوب في جلب ما ينفعها ودفع ما يضرها، قال الله -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس:107).

- وللأسف كما تشاءم أهل الجاهلية مِن بعض الأشياء تشاءم بعض المسلمين بالساعات والأيام والألوان! بل وفي الزواج أيضًا؛ فلا يتزوج في أشهر الحج خشية الفرقة أو في شهر المحرم، ويوجد منهم مَن يتشاءم مِن ساعة يوم الجمعة؛ هذه الساعة المباركة، ويقولون: ساعة نحس! وهكذا زيَّن الشيطان لهم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

- بل الواجب هو الإيمان والتوكل على الله، قال الله -تعالى-: (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38).

وكما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، يعني: وما منا إلا مَن وقع في نفسه شيئًا مِن ذلك، ولكن يذهبه الله بالتوكل عليه.

- والواجب أيضًا إذا همَّ العبد بالأمر أن يستخير ويستشير ثم يمضي فيه متوكلاً على الله، وعليه بالدعاء: (اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ) (رواه أبو داود، وحسنه الأرنؤوط)، و(اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ, وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ, وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). أي: لا يأتي بالخير أحدٌ إلا الله.

وفي الحديث أيضًا:

- التحدث بنعمة الله -تعالى- اعترافًا وشكرًا، لا رياءً أو فخرًا أو بطرًا، وهذا يحبه الله -تعالى-، وفيه إدامة للنعمة مِن الله -عز وجل-؛ لأن النعمة إذا شُكرت قرت، وإذا كفرت فرت، وامتثالاً لقوله -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11).

تكميل: ويستحب في شهر شوال صيام ستة أيام متتابعة أو متفرقة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) (رواه مسلم)، أي صوم سنة في الأجر، يوضح ذلك الرواية التالية: (صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ, فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). والحمد لله -تعالى- على فضله.

- وشهر شوال أيضًا أول أشهر الحج الزمانية لمن أراد الحج (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة:197).

فالحمد لله الذي قلَّب عباده المؤمنين في الطاعات، فينتقلون مِن طاعة الله إلى طاعة لتكون حياتهم كلها طاعة وعبودية لله رب العالمين.

فاللهم إنا نتوسل إليك بحبنا وبطاعتنا لك، أن تثبتنا على دينك وطاعتك إلى يوم نلقاك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً