الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

هذا هو الطريق الوحيد

بُغيتنا تكوين الطبيب الناجح والمهندس الذكي والباحث المتفوق والصانع الماهر والزارع النشيط، وهم في نفس الوقت متفوقون في قيمهم وأخلاقهم ومعتقداتهم

هذا هو الطريق الوحيد
علي حاتم
الأحد ٠٧ أغسطس ٢٠١٦ - ١٨:٣٣ م
1245

هذا هو الطريق الوحيد

كتبه/ علي حاتم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، والمتأمل في هذا الحديث يلاحظ أنه صيغَ بأسلوب فيه تأكيد وحصر يُفهم منه أنه - صلى الله عليه وسلم - ما بُعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق، وهذا حق، ذلك أن الدين يتكون من ثلاث حلقات مترابطة يشد بعضها بعضا، فإذا انفكت حلقة أو حدث بها خلل انعكس ذلك على دين الفرد فانحرف عن المسار الصحيح وضل الطريق المستقيم إلى ربه عز وجل.

هذه الحلقات هي: العقيدة والعبادات والأخلاق، ودائما ما يعطي العلماء والشيوخ والدعاة من أهل السنة والجماعة جُلَّ اهتمامهم من خلال شروحاتهم وفي بطون كتبهم إلى بناء عقيدة المسلم البناء الصحيح، جنبا إلى جنب مع تعليمه أركان الإسلام الخمسة والحلال والحرام في مسائل الأخلاق.

وأنا أتساءل: ما ظنك -أيها القارئ- بشاب رزقه الله عز وجل بمن علَّمه قواعد العقيدة الصحيحة وأصول الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، إجمالا فيما أُجمِل وتفصيلا فيما فُصِّل، على مراد الله وعلى مراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحذره من نواقض تلك العقيدة والتي قد تقذفه إلى أحضان فرقة من الفرق الضالة التي حذر مها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الذي جاء فيه أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وكيف أن هذه الفرق الضالة استحقت النار لما حدث من خلل في عقائدها فتأسست على غير عقيدة أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب الفرقة الواحدة الناجية. تلك العقيدة التي علَّمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصحابته الكرام انتقلت إلى التابعين وتابعين إلى يوم الدين.

فما ظنك بهذا الشاب سليم العقيدة وهو يتوضأ للصلاة -على سبيل المثال- ثم يخرج لأدائها في المسجد في جماعة، ثم ينتقل إلى عمله في مجتمعه، هل تتوقع منه انحرافا في سلوكياته؟ هل تتوقع منه زرع قنابل في طريق المسلمين ليسفك دماءهم؟ وهل تتوقع منه تحرشا ببنات المسلمين في الطرقات؟

إن زرع القنابل وسفك دماء المسلمين ما هو إلا ثمرة خلل في عقيدة الفاعل بسبب البناء العقائدي الفاسد الذي أدى به إلى تكفير المسلمين أولا ثم قتلهم ثانيا.

كما أن التحرش ببنات المسلمين ما هو إلا خلل جاء ثمرة لتسليم الشباب أنفسهم فريسة في أيدي من يبثون فيهم مساوئ الأخلاق، ثم مع الأسف يجدون من يبسط لهم المسألة وكيف أنه لا يضر مع النطق بالشهادتين معصية وأن كل شيء في الدين بعد النطق بالشهادتين ما هو إلا تشدد وتطرف، وهذا أيضا خلل في البناء العقائدي.

إن هذا الشاب سليم العقيدة الذي سلم نفسه إلى أيدٍ أمينة يصدق في حقه قول القائل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادق قلبا خاليا فتمكنا

إنها لما سلمت عقيدة وتمكنت من قلبه انعكس ذلك على جوارح فصارت طاعته لله ولرسوله في كل أمور الدين مظنة القبول من الله عز وجل. هذا معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أشرنا إليه.

إنه لا يمكن تتميم مكارم الأخلاق في الأمة إلا بالبناء العقائدي السليم الذي يؤدي إلى تذوق طعم الإيمان الذي هو ثمرة الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا (وشرح هذا يطول).

وعمل الجوارح بعد ذلك وسلوكيات أفراد المجتمع إنما هو انعكاس لهذا البناء العقائدي السليم وتلك التربية الإسلامية الحقة التي تغوص في بطون الثلاث من أولها والمكوِّنة للدين: العقيدة والعبادات والأخلاق.

وفي واقعنا لمعاصر أقول للمسئولين عن البلاد: إن حرصكم على تخريج شباب نافع للبلاد يسلم من أذاهم وشرورهم العباد شيء نسمعه ونعلمه لكننا نؤكد أن هذا هو الطريق: بناء الشباب من أول الأمر البناءَ العقائدي السليم وتعليمهم أمور دينهم على نحو صحيح والمؤيَّد برقابة صارمة على أخلاقيات وسلوكيات المجتمع يتم فيها محاسبة من يشذ عن الطريق القويم سواء بفكره أو بدعوته أو بأعماله. وهذا لن يكلفكم كثيرا، فالمجمع مليء بالعلماء والدعاة وطلاب العلم المتعطشين لهذه المهمة ولا يلتفتون لمقابل دنيوي، هذا بدلا من ترك الشباب فريسة للوقوع الممنهج والمبرمج والمخطط له في أيدي من يبذلون الغالي والرخيص من أجل إفساد الأمة ويدَّعون أنهم يريدون بها خيرا.

وحتى لا يُساء فيهم كلامي من جانب المتربصين الذين يروجون دائما بأننا نريد مجتمعا متخلفًا من الشيوخ والدعاة وحفاظ القرآن بغض النظر عن العمل والإنتاج والتحضر والتقدم والتطور إلى غير ذلك. أقول لكم أيها المتربصون: هذا كلام عارٍ من الحقيقة، فبُغيتنا مجتمع مسلم يتربى شبابُه على قيم الإسلام دين الله في الأرض، وعلى أخلاقياته التربية الصحيحة التي يعشق أفرادها العمل والإنتاج.

إن بُغيتنا تكوين الطبيب الناجح والمهندس الذكي والباحث المتفوق والصانع الماهر والزارع النشيط، وهم في نفس الوقت متفوقون في قيمهم وأخلاقهم ومعتقداتهم. والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة