الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

زويل.. والأمل المنشود

الأزمة في الحقيقة هي أزمة وعي وإرادة

زويل.. والأمل المنشود
مصطفى خطاب
الأربعاء ٢٤ أغسطس ٢٠١٦ - ١٨:٢٣ م
1444

زويل ...... والأمل المنشود

كتبه/ مصطفى خطاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لا يكاد يمر حدث إلا ونرى فيه حالة من حالات الانقسام المختلفة في توجهاتها أو حجمها، سواء أكانت على المستوى السياسي أم الاقتصادى أم الدولى أم حتى الاجتماعي. وليست حادثة وفاة د. أحمد زويل منا ببعيد، فبين متطرف أصدر حكما بتكفير الرجل لمجرد أنه عاش بأمريكا وعمل بها، ونسي المخذول أنه عاش أيضا بأمريكا فترة من الفترات. وبين مفرط ادعى أنه بمرتبة النبوة في صورة فجة للغلو وتجسيد لحالة غير مسبوقة من التطبيل.

لكن العجيب في الأمر أن كل كان يغني على ليلاه في هذا الحدث ويحاول استغلاله لتحقيقة مكسب في واحدة من أوضح صورة النفعية الميكافيللية القميئة؛ ونسي أو تناسى الأغلب حقيقة الأمر والعظة منه وأنه أقرب للمرء مما يتخيل أو يظن.

لكن دعني أتناول الأمر بشكل مختلف عن تناول كل تلك الأطراف لها؛ فالدكتور زويل عاش مهتما منشغلا بالعلم والبحث العلمي، وكرّس جل جهوده لهذا الأمر؛ بل كان د. زويل يمثل واحدة من أوضح الصور على أن المناخ المصري والبيئة المصرية بيئة طاردة للإبداع وغير مشجعة على الابتكار والتميز، وإلا فلك أن تتخيل معي حال د. زويل لو أنه استمر بمصر في مجال البحث العلمي ماذا كان حاله؟!

 هل كان ليستطيع أن يحقق عشر معشار ما وصل إليه من اكتشافات أو إنجازات علمية وليس كما يعتقد البعض الحصول على الجوائز؟

يمكنني أن أقول بكل أريحية إنه ما كان لدكتور زويل أن يصل إلى أي شيء، وأن أقصى ما يمكن أن يصل إليه وأن يطمح أن يترقي في السلك الوظيفي لهيئة التدريس بالجامعة، وأن يكرس جل اهتماماته أن يحصل على درجة أستاذ ثم يصل لمنصب رئيس قسم أو عميد كلية، ووقتها سيشعر أنه قد حقق أكبر إنجاز في حياته ولن يدور في خلده إطلاقا أن يصل إلى أكثر من ذلك.

هل لك أن تتخيل أن الدولة في ظل ما تحتاجه فعليا وأيضا تملأ الدنيا به ضجيجا أن البحث العلمى هو الحل لمشكلاتها وأنه سبيل لتحقيق التنمية المستدامة والتطوير المنشود، في حين أن أفعالها تنم عن أنها مقتنعة تماما أن البحث العلمي ديكور أو رفاهية.

هل لك أن تتخيل أن الموازنة العامة للدولة قد انخفض فيها المبالغ المخصصة لدعم مركز البحوث الزراعية والمشروعات القومية التابعة له من 260 مليون جنيه إلى 45 مليون جنيه؛ وهو ما يمثل رد عملي وواقعي للسؤال المطروح حول قناعة الحكومة بأهمية البحث العلمي؟

هل تعلم أن جل اهتمام القائمين على البحث العلمي في مصر هو تحقيق أرقام ومؤشرات من قبيل عدد الأبحاث المنشورة دوليا ونسبة عدد الأبحاث لعدد الباحثين؛ في غياب كامل لآلية للاهتمام والتطوير للبحث العلمى ومنظومة عمل متكامل توفر البيئة والمناخ المرجو للإبداع والابتكار؟

حتى عندما أرادت الوزارة المختصة أن تطرح حجرا في الماء الراكد اقترحت مشروع قانون تحت مسمى قانون تنظيم العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وباستطلاع مشروع القانون لا تجد فيه أكثر من مجرد كلام إنشائي بالإضافة إلى مواد ليست أكثر من مواد تتيح بابًا جديدا للفساد والصناديق الخاصة بمسمى جديد، دون أدنى رؤية أو برنامج حقيقي للتطوير والنهوض بالبحث العلمي.

حتى أن جل المهتمين بالبحث العلمي انقسم إلى ثلاثة معسكرات:

الأول: المعسكر الحكومي والمسئولين، ولسان حالهم لسنا بحاجة إلى البحث العلمي ولا مقتنعين به من الأساس.

الثاني: معسكر يضم الكثير من العاملين بالبحث العلمي وهؤلاء جل اهتمامهم الحصول على زيادة في دخول الباحثين لتوفير حياة كريمة لهم في صورة أشبه بجماعات الضغط.

الثالث: وهم الأقلية من يؤمنون بدور البحث العلمي وأنه أحد جناحي التنمية المنشودة مع الجناح الآخر وهو التعليم.

ففي ظل هذا الوضع هل كان يمكن لزويل أن يحقق أي شيء؟!

للأسف هذا الوضع أدى بيقين إلى اضمحلال وتلاشي العديد من الباحثين، لن أقول ربما بل أجزم أنهم كانوا أفضل من زويل ولكن لم تتوفر لهم البيئة أو المناخ المناسب للإبداع؛ فكل من سافر للخارج من الباحثين سيدرك حجم الفجوة الزمنية والعلمية والإدارية والتنظيمية بيننا وبين العالم الخارجي؛ وإلا فلتراجع المؤشرات العالمية، وكيف أن دولا لا نزال نسخر منها ونتندر عليها سبقتنا في الكثير من المجالات ومنها البحث العلمي.

الأزمة في الحقيقة هي أزمة وعي وإرادة، وعي بحتمية الاهتمام الفعلي الحقيقي بالبحث العلمي، وإرادة حقيقية صلبة للنهوض به وتطويره فعليا، وليس مجرد الاكتفاء بمزيد من التشريعات الجديدة التي ستضاف إلى ترسانة القوانين القديمة ولن يزيد الأمر إلا أبواب جديدة للفساد والمحسوبية.

ثم يعقب ذلك ثقافة مجتمعة بدور البحث العلمى وأهميته وقناعة حقيقية بضرورة امتلاك زمام العلم والتكنولوجيا في المجالات المختلفة، وضرورة تمصيرها لخدمة أهدافنا في التنمية والتطوير.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة