السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السمة الثامنة من سمات المنهج الإصلاحي: تعظيم أمر الدماء والاعتدال في النظر إلى المجتمعات ومؤسسات الدولة

الواجب العمل على إصلاحها لا هدمها أو الصراع الدامي معها

السمة الثامنة من سمات المنهج الإصلاحي: تعظيم أمر الدماء والاعتدال في النظر إلى المجتمعات ومؤسسات الدولة
محمد إبراهيم منصور
الأحد ٢٨ أغسطس ٢٠١٦ - ١٧:٤١ م
2030

السمة الثامنة من سمات المنهج الإصلاحي: تعظيم أمر الدماء والاعتدال في النظر إلى المجتمعات ومؤسسات الدولة

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أولا: تعظيم أمر الدماء وعصمة النفوس

 إن قتل النفس التي حرم الله -إلا بالحق- كبيرة من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم، وحرمة دم المسلم أعظم عند الله -تعالى- من حرمة الكعبة، بل زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم، وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- التي تدل على أن قتل النفس المعصومة من أكبر الكبائر، فمنها قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} سورة الإسراء الآية 33.

 

وقوله تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء الآية 93.

 

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) سـورة الـفـرقان الآيتان 68-69.

 

 

وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين. وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور أو قال شهادة الزور، قال شُعبة: وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال:

(اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.

 

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً) رواه البخاري ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن  ابن العربي قوله: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره, والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول] فتح الباري 12/233.

 

 

وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني مبينا معنى ورطات الأمور:[هي الهلاك، يقال وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه, وقد فسرها في الخبر بقوله: التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها. قوله (سفك الدم) أي إراقته والمراد به القتل بأي صفة كان, لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به.] فتح الباري 12/233-234.

 

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِره .. كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم.

 

وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش ) رواه الترمذي .

 

 

  عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) صحيح سنن الترمذي 2/56.

 

 

 

 عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار) صحيح الترغيب 2/629.

 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً)  صحيح الترغيب 2/630.

 

ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت -أي إلى الكعبة- فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي.

 

فيا ليت شعرى؛ ما الذي جرّأ هذه الجماعات المنحرفة على سفك الدماء بهذه الصورة البشعة؟ وما الذي جعل الشباب يتشربون مثل هذه الافكار الخربة ؟!

ثانيا: الاعتدال في النظر إلى المجتمعات الإسلامية

أ- فلا يستعلى عليها بما عنده.

ب- ولا يصفها بالجاهلية.

ج- ولا يصفها بأنها طبقة متميعة لا نشغل أنسنا بالحكم عليها.

د- ولا يتوقف في الحكم بإسلام أفرادها حتى يمتحنوا.

ه- ولا يحكم عليها بالتكفير.

لا ينبغي أبدا أن يعتقد إنسان أن إيمانه أو إيمان جماعته يختلف عن إيمان غيرهم، مستعليا بإيمانه أو إيمان جماعته على المجتمع؛ فالتقوى ليست حكرا على أحد، وقد يكون في هذا المجتمع من هو أفضل ممن يستعلي عليهم ومن عشرات من أمثاله، وكذلك فإن الاستعلاء بالإيمان بهذه الصورة هو بداية الانحراف في مسائل الإيمان، بتجهيل المجتمع، ثم التوقف في حكم الإسلام له، ثم في النهاية تكفيره واستحلال الدماء والممتلكات.

 وقد كان لنظرية الأستاذ حسن البنا في الاستعلاء بإيمان الإخوان عن إيمان غيرهم هذا الأثر الخطير فيما بعد؛ حيث تطورت عند الأستاذ سيد قطب إلى  وصف المجتمع بالمجتمع الجاهلي، وتطور هذا الوصف عندما قرر محمد قطب أن عامة المجتمع طبقة متميعة لا نشغل أنفسنا بالحكم عليها بإسلام أو بكفر، ثم تلاه الشيخ عبد المجيد الشاذلي في كتابه الخطير "حدّ الإسلام"، فذهب إلى التوقف في حكم الإسلام لأفراد هذا المجتمع حتى يمتحنوا فردا فردا هل هم متحققون علما وعملا من الحد الثلاثي للإسلام الذي وضعه الشاذلي في كتابه أم لا؟ وتبنى القطبيون هذه الأفكار ثم تطورت إلى تكفير المجتمع دون توقف، ثم تطور الأمر وازداد خطورة باستحلال الدماء والممتلكات.

وما "داعش" ولا "القاعدة" ولا الجماعات الكثيرة المنحرفة إلا ثمرة من ثمرات هذا الانحراف في هذه القضايا الخطيرة.

ثالثا: اعتدال في النظر والتصور بالنسبة لمؤسسات الدول الإسلامية

بعض الحركات الإسلامية كانت نشأتها بعد إلغاء الخلافة العثمانية إبان الاحتلال الانجليزي، فلعل هذا من أسباب الشعور بالعداء والمفاصلة التامة مع مؤسسات الدول الإسلامية المحتلة، واستمر هذا حتى بعد زوال الاحتلال، خاصة مع وجود أنواع من المخالفات والفساد في تلك المؤسسات.

لكن الواقع أن هذه المؤسسات ليست إلا جزءا من المجتمع، فيها الصالح والطالح، فيها الخيّر وضده، فيها المتدين والمناوئ للتدين أو لصور معينة من صور التدين، بعلم أو بجهل، فالاعتدال في النظر إلى تلك المؤسسات أن تعامل كما يعامل المجتمع، بل العائلة التي ينتمى إليها الإنسان؛ ففيها وفيها، فيعمل على الإصلاح قدر الطاقة، ولا يبطِن معاداتها ولا يعتقد كفرها هكذا جزافا ليبرر قتالها.

ومن الاعتدال هنا أيضا ألا يعمل على هدم تلك المؤسسات ظنا منه أن إصلاحها لابد أن يمر أولا بهدمها ثم البناء مكانها، تلك النظرية الهدامة التي أدت إلى انحراف كثير من الشباب، وأدت إلى فتن ومحن إراقة الدماء وصراعات لا حصر لها.

إن المظالم والدماء والمفاسد والفوضى التي تحدث في ظل غياب المؤسسات تفوق آلاف المرات تلك التي تحدث في ظل مؤسسات حتى لو فيها ظلم أو خلل؛ فبدلا من العمل على هدم تلك المؤسسات يعمل على إصلاحها قدر الطاقة و لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا

فالاعتدال هنا أن تعامل تلك المؤسسات على أنها صورة للمجتمع، فيها المحسن والمسيء، فيها الخير والشر، فيها من يريد الفساد أو يعمل به ومن يريد الإصلاح  ويعمل به، ولذلك فإن الواجب العمل على إصلاحها لا هدمها أو الصراع الدامي معها، والإنسان لا يكلف إلا بما يستطيع، ولا يجوز له أن ييأس أو يحبط، بل يوقن أنه سيحدث الإصلاح الذي وعد الله عز وجل به وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن حين تتحقق أسبابه فـإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com