السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

خِفاف "ريو دي جانيرو"

هل هذه الحكومة بما فعلته وتفعله بالاقتصاد المصري يمكنها أن تعبر بنا إلى بر الأمان؟

خِفاف "ريو دي جانيرو"
مصطفي سيد خطاب
الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠١٦ - ١٢:٥٢ م
1151

خِفاف "ريو دي جانيرو"

كتبه/ مصطفي سيد خطاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

انشغل الكثيرون خلال الأيام الماضية ببعض الأخبار والأمور مثل مباراة نهائي كأس مصر ومنافسات الأولمبياد، أكثر من انشغالهم بأمور تمس حياتهم اليومية مثل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وهو الأمر الذي يوضح حالة من الهروب المجتمعي من الواقع ومواجهة أزماته.

فيبدو أن الشعب المصري بما عرف عنه من قدرته على تحمل الأزمات بات الآن يدخل في مرحلة جديدة وهي التعايش مع الأزمات وتجاهلها، فهل هذا بسبب عجزه عن المواجهة، أم أصبحت سمة حياتية لا شعورية، أم الأمرين معا؟!

لكن المؤلم في هذا الأمر هو استغلال الحكومة لمثل هذه الأمور بصورة سيئة بما يمثل نوعا من أنواع الفساد وانعدام الضمير؛ فبدلا من أن تواجه الحكومة أزمة البلاد الاقتصادية -والتي هي في الحقيقة جزء من أسباب تفاقمها- بحكمة وعقلانية وشفافية، من خلال مكافحة الفساد و إجراءات إصلاحية حقيقية من شأنها إعطاء قبلة الحياة للاقتصاد المصري المريض؛ إذ بها تتبع إرشادات وتعليمات الجهات الدولية المانحة للقروض بمزيد من إجراءات التقشف الغير منطقي التي تأتي على البقية الباقية من الطبقة المتوسطة، ولن أقول محدودي الدخل فقد قضت عليهم الحكومة الحالية والحكومات السابقة لها.

فبدلا من أن تتعامل الحكومة مع الأزمة بمنطق أزمة حرب وبمنطق تحديد الأولويات نجدها تتخذ إجراءات –تصرّح هي بأنها صعبة ولابد من اتخاذها لعلاج أزمة الاقتصاد وهذا حق يراد به باطل- لا تتفق مع المنطق والعدل والشفافية؛ ففي حين ترفع –جزئيا- الدعم عن المواطنين في بعض الخدمات بحجة تقليل عجز الموازنة ومواجهة الأزمة متناسية دور الحكومة وأي حكومة في خدمة شعوبها وتوفير الحد الأدنى من الحياة لهم، إذ بها تتعامل بمنطق مجلس إدارة المؤسسة الذي يسعي لتحقيق أهداف خاصة به بغض النظر عن مرؤوسيه وأزماتهم؛ و لعل أهم مرتكزات الحكومة في إجراءاتها لرفع الدعم عن السلع والخدمات تدريجيا -كما هي نصائح و متطلبات الجهات المانحة سابقا و حاليا- هو عدم وصول الدعم لمستحقيه!

فإذا كان الأمر كذلك بأن الدعم لا يصل لمستحقيه -وهو حقيقة واقعة-  فهل الحل هو رفع الدعم أم إيصاله لمستحقيه؟!

الإجابة المنطقية هي إيصاله لمستحقيه، وهو الأمر الذي يستلزم من الحكومة بذل مزيد من الجهد في هذا الاتجاه، وهو العلاج الصعب؛ فلذلك لجأت الحكومة للحل الأسهل وهو رفع الدعم تدريجيا.

سيقول البعض: وكيف يصل الدعم إلى مستحقيه؟

الإجابة بكل بساطة: من خلال قاعدة بيانات متكاملة للمواطنين ودراسات اقتصادية واجتماعية تحدد الفئات المختلفة للمجمتع ومن تستحق منها دعما كليا ومن تستحق دعما جزئيا ومن لا تستحق الدعم أصلا.

لكن العوائق أمام تنفيذ هذه الطريقة عدة أمور:

1. عدم امتلاك الدولة قاعدة بيانات حقيقية متكاملة عن أفراد الشعب -ليس المقصود اسماءهم وعناوينهم وأرقامهم القومية، بل المقصود إضافة لما سبق: حجم دخل الفرد وحجم إنفاقه، والسلع والخدمات الأكثر احتياجا والتي ستدعمه الدولة فيها- و هو أمر ليس بالهين؛ فقد تجد ممانعة من بعض الجهات لامتلاك مثل تلك القاعدة من البيانات بحجة الأمن القومي، ناهيك عن نشرها وإتاحتها لصانعي القرار ومتخذيه.

2. الفساد الذي يضرب في جذور المؤسسات وفي المجتمع المصري؛ حيث أن الفئات الأكثر انتفاعا من الوضع الحالي والإجراءات التي تتخذها الحكومة هم الفاسدون والمنتفعون، في حين أن الفقراء محدودي الدخل وأبناء الطبقة المتوسطة هم من يدفعون فاتورة الأزمة وعلاجات الحكومة الغير مفيدة.

3. عدم امتلاك رؤية متكاملة للإدارة الاقتصادية، لكن جُلّ الأمر إنما هو قرارات لمواجهة أزمات متراكمة ومتجددة يوميا، في صورة أشبه بشخص تقمّص دور خباز فأخذ يضع الماء على الطحين حتي يعجن خبزا فإذا بالعجين جافا فيضع المزيد من الماء بقدر غير مناسب فيصح أشبه بالسائل فيضع المزيد من الطحين فييبس وهكذا، في دائرة مفرغة، فلا هو ماهر في الصنعة ولا هو يعلم أسلوب العلاج لأزمته.

4. عدم امتلاك الحكومة للقوة اللازمة لمواجهة الفساد وأباطرته، خصوصا فيما يتعلق بالأمور الحياتية اليومية والسلع والخدمات التي تقدم للمواطنين؛ حيث أن الفساد أصبخ غولا، لا أعلم إن كانت الدولة لديها إرادة حقيقية لمواجهته والقضاء عليه أم لا؟.

إن ما حدث خلال الأيام الماضية من قرارات إنما هو استفزاز حكومي للشعب في صورة صارخة من الاستخفاف به؛ حيث اتخذت الحكومة قرارات تقشفية فيما نراها تنفق الملايين بل المليارات في بنود وأمور أقل ما توصف به أنها تشكل حالة من الفساد؛ ففي حين ترفع الدعم جزئيا عن المواطنين في الكهرباء نجد الدولة تنفق أكثر من 400 مليون جنيه على البعثة الرياضية المشاركة في الأولمبياد والتي عادت بثلاث خِفاف من "ريو دي جانيرو"، وكذلك تفرض مزيدا من الرسوم والأعباء على المواطنين، في حين أن الفئات الغير مستحقة للدعم يزيد دعمها، في واحدة من أوضح الصور على الفساد -سواء اتفقنا أو اختلفنا هل هو متعمد أو غير متعمد ولكنه يبقى فسادا-

فهل هذه الحكومة بما فعلته وتفعله بالاقتصاد المصري يمكنها أن تعبر بنا إلى بر الأمان؟ أم أنها يجب أن تتحمل مسئولياتها وتعلن فشلها في الإدارة؟.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة