الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

لمَنْ تقرأُ ؟

لمَنْ تقرأُ ؟
جمال فتح الله عبد الهادي
الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠١٦ - ١٢:٥٥ م
1122

( لمَنْ تقرأُ ؟ )

كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي

الحمدُ للِه الذي علمَ بالقلمِ ، علمَ الإنسانَ ما لم يَعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا رسول الله ، أعلم المتعلمين ، وأفضل الأنبياء والمرسلين ،عَلَّم جيلًا فريدًا ، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين ، ورَضي عنهم ربُ العالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

قال الله تعالى :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ".

 أول ما نزل من القرآن الكريم ، يدعو إلى القراءة ، وهي وسيلة إلى التعلم ، والجِدُ في طلبِ العلم.

والتعليم يعتمد بشكلِ أساسي على الكتب؛ لذا من أراد أن يتعلم ذاتيًا ، أن يُتقِن مهارات القراءة الصحيحة، فالقراءة مهارة وفن لا يجيده كثير من الناس، فكم من القراءِ الذين يبذلون جهدًا وأوقاتًا طويلة في القراءةِ، ومع ذلك فإن حصيلتَهم قليلة جدًا.وذلك راجع إلى إختيار نوع الكتاب ،وفرع العلم، ومؤلف الكتاب ،

فالقراءة مهارة تكتسب بالتعلمِ وتتطور بالممارسةِ والتمرين، وبقدر ما تكون مهارتُك عالية بقدر ما يكون استيعابك لما تقرأ عاليًا.

القراءة الفعالة تبدأ قبل القراءة، فالقارئ الجيد يحدد أولًا لمن يقرأ ؟ أو يقرأ لِمَن ؟ وفي أي كتاب يَقرأ ؟

أفضل وأنفع وأجمل كتاب تقرأهُ القرآن الكريم ، الكتابُ الوحيد على وجه الأرض ، الذي أحرفه بحسنات ، والحسنة بعشر أمثالها ،ولذلك تَميز علم السلف على علمِ الخلف ، فعلم السلف : علمُ خشية ، وعلمُ تقوى ، وعلمُ عمل ، وذلك راجع إلى قراءتهم في القرآنِ والسنة ، ولم تكن الكتب تملأ المكتبات.

** كيف تقرأ القرآن؟ وكيف تفهم القرآن؟

لا بُدَّ أن نبدأ بأصل الأصول القرآن محفوظ بين الدفتين، كذلك لا تتعب في مسألة ثُبوته كالسنة، ولا في جمع طُرقه، ولا غير ذلك، تقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وهذا يكون بعد الحفظ إن تيسر لأن الحفظَ ما يتيسر لكل الناس، مع أن الله جل وعلا قد يسر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}  القرآن مُيسر ولله الحمد، فيكون هذا بعد الحفظ تنظر في المصحفِ وتقرأ فيه على الطريقةِ المأمور بها بالتدبرِ والترتيل، وأنت تنظر في كلماتهِ، ولا يكون همك آخر الصفحة أو الجزء.

** ثم القراءة في الكتب الشرعية:

وأولها كتب التفسير ، وكل علم متصل بالقرآن ، عظيم لعظمة القرآن، ويبدأ بتفسير ميسر ليفهم القرآن فيسهل الحفظ، مثل : " تيسير الكريم الرحمن "  للسعدى ، " أيسر التفاسير " لأبي بكر الجزائري.

 وفي قراءة الكتب الشرعية يجب أن يكون هدفك مرضات الله ـ عز وجل- ، وأول الكتب الشرعية ، كتب العقيدة ،عقيدة أهل السنة والجماعة ،التي تَربَى عليها الصحابة ، فأثمرت نورًا في المجتمع ، وجمع للقلوب قبل الأبدان، وعندما دخلت كتب الفلاسفة وأهل الكلام بلاد الاسلام فرقت أهلها ، وأوقعت الفتنة بينهم ، وأفرزت لنا عقائد عديدة : خوارج ، مرجئة ، قدرية ، أشاعرة ، ماترودية ، معطلة ، جهمية ، شيعة ، صوفية، وهذه الفِرَقُ  تَبعُد وتَقرُب من أهل السنة حسب حجم المخالفة، وأقربها من أهل السنة: الأشاعرة.

لذلك على طالب العلم ، القراءةُ في كتبِ العقيدة الصحيحة مثل : كُتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، ومن المعاصرين : ابن باز ، والعثيمين- رحمهما الله تعالى -.

وكُتب علماء الدعوة المعاصرين - حفظهم الله تعالى - فإنها نافعة بإذن الله .

وهذه بعض الأمثلة في الاجتهادِ في القراءةِ، ومطالعة الكتب :

قال أصحاب ابن المبارك له : ما لك لا تجالسنا ؟ فقال ابن المبارك : أنا أذهب فأجالس الصحابة والتابعين ، وأشار بذلك أنه ينظر في كتبه.

وكان البخاري- رحمه الله - يُقَدَّمُ له الطعامُ، طعام الإفطار- مثلًا - وهو يقرأ ثم تأخذه الخادمة بعد فترة، فتأخذ الطعام ولم يمسه، لم ينتبه أصلًا أن الطعام قد جاء، ثم يأتي وقت الغداء، فيوضع له الطعام وهو يقرأ، وتأتي بعد فترة فتأخذ الطعام ولم يمسه؛ لأنه لم يدر أن الطعام وضع. سُـئِل البخارى : ما دواء النسيان؟

 قال : كثرة النظر في الكتبِ.

قال ابن الجوزي- رحمه الله - : وإني أخبرك عن حالي: ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعت على كنز، فلو قلت : إني قد طالعت عشرين ألف مجلد لكان أكثر، وأنا بعد في طلب الكتب، فاستفدت بالنظر فيها ملاحظة سير القوم وقدر هممهم، وحفظهم، وعاداتهم وغرائب علوم لا يعرفها من لم يطالع.

والكتابُ - أيها الإخوة - جارٌ بارٌ، ورفيق مطاوع، لا يعصيك أبدًا، ومعلم خاضع، هل رأيت معلمًا يخضع للتلميذ ؟ كذلك الكتاب يخضع للقارئ، وصاحب كفء، وشجرة مُعمرة، دائمًا مُثمرة، يجمع الحِكم الحسنة والعقول الناضجة، وأخبار القرون الماضية.

نعمَ الأنيسُ إذا خلوتَ كتابُ  &&   تلهو به إذا خانكَ الأصحابُ

 لا مفشيًا سرًّا إذا استـودعته  &&  وتنال منه حكمةً وصوابًا

أما المسلم فإن القراءة عنده وسيلة لتحقيق الهدف وهو أشياء متعددة، وعلى رأسِها طلب العلم الذي يَعرف به المسلم كيف يعبد ربه.

كيف تكون قراءتنا واعية؟

 لا بد أن يكون التكوين العقدي للقارئ المسلم سليمًا وقويًا حتى يستطيع أن يقرأ بوعي، وهذا يعني أن تكون قراءاته الأولية تأسيسية ينتقي ماذا يقرأ في البداية، حتى يؤسس وعيًا يستطيع من خلالهِ أن يعرفَ بعد ذلك إذا قرأ في أي كتاب، هل هذا يتفق مع الإسلام، أم هو ضد الإسلام، لا يمكن للناس أن يعرفوا هل ما يقرؤون مخالف للشريعة أم موافق لها ؟ يجب أن نقرأ بطريقة نقدية، يعني : أن ننقد ما نقرأ على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة ، وما نعرفه من الأدلة الشرعية ورصيدنا من الأحاديث الصحيحة ، ثم يقرأ في كتب السنة " صحيح البخاري وصحيح مسلم " ، وهما أصح كتابين يستمتع القارئ بالنظر فيهما ، والانتفاع بهما وبما فيهما من صحيح سنة النبي وهي المصدر الثاني في شريعة الإسلام .

وكذلك كتب الفقه للأئمة الأربعة : أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد ابن حنبل - رحمهم الله تعالى -.

قال أحد الحنابلة المتعصبين :" أنا حنبليٌّ ما حييت وإن أمت فوصيتي للناسِ أن يتحنبلوا ".

ومن الكتب المفيدة جدًا " زاد المستقنع " ، وعليه الشرح الممتع،

 ولا يشغل نفسه بكتب الفقه المُلفَق ، التي لا تَأتي إلا بنتف من المسائل ،

 قال مالك- رحمه الله تعالى - : " لما مات ربيعة ماتت حلاوة الفقه مع موت ربيعة ".

ثم يطالع في كتب علماء أهل السنة والجماعة فى كتب الأصول ، والسيرة ، والزهد والرقائق ، والأخلاق ، والمواعظ، والسلوك والمعاملات ، وغيره.

فكتب أهل السنة والجماعة تؤلِّف بين القلوب ، وتنزع الحسد من القلوب ،وتُعرِّف الطالب نوع الخلاف في المسألة ، فيكتسب الطالب الرفق ، ورحمة أهل المعاصي ، والأدب مع المخالف ، ويَعلم قدر العلماء.

وأحذر طالب العلم من كتب أهل الكلام والبدع ، وأهل الغلو، من التكفريين وأهل التنطع ، فإنها سم قاتل .

وعليك يا طالب العلم بكتاب " التبيان في آداب حملة القرآن " للإمام "النووى" ، فإنه مفيد في بابه.

والحمد لله رب العالمين

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
59 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
60 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
40 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
91 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
94 ١٩ يونيو ٢٠٢٣