الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السمة التاسعة من سمات المنهج الإصلاحي.. طبيعة حركة المنهج في المجتمعات كالنهر الجاري لا كالصخور المتحدرة

أسوق هنا مثالا لرجل قاد مسيرة إصلاحية في ظل احتلال متربص وظروف صعبة، لكنه استطاع -وبكل هدوء- أن يصل برؤيته الإصلاحية إلى قطاع عريض من المجتمع

السمة التاسعة من سمات المنهج الإصلاحي.. طبيعة حركة المنهج في المجتمعات كالنهر الجاري لا كالصخور المتحدرة
محمد إبراهيم منصور
الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٠:٤٣ ص
2411

السمة التاسعة من سمات المنهج الإصلاحي

طبيعة حركة المنهج في المجتمعات كالنهر الجاري لا كالصخور المتحدرة

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن حركة المنهج الإصلاحي في المجتمعات كالنهر الجاري؛ فلا تعوقه عوائق ولا توقف مسيرته عقبات، فكلما وضع مناوؤوه أو من  لا يفهمونه أمامه صخرة لم يحدث جلبة ولا ضجة فى الاصطدام بها، وإنما يسير من حولها ليواصل طريقه ومسيرته لتطهير الأرض وسقي الزروع، لا يفرق في نفعه بين عدو وصديق، وإنما نفعه يعم الجميع لا يمنع خيره عن أحد.

وهناك من يسير في رؤيته للتغيير كالصخور المتحدرة؛ تصطدم مع الارض بقوة تحدث دمارا، وإن لم تحدث دمارا أحدثت جلبة منفرة، وإذا وجدت في طريقها عقبة من العقبات -سواء وضعت بفعل فاعل أو كانت من طبيعة الطريق- اصطدمت الصخرة وتوقفت عن التقدم، بل قد يكون الاصطدام شديدا فتتراجع إلى الخلف، وقد تصطدم بمثيلاتها من الصخور مما يؤدي إلى مزيد من الدمار والعقبات في الطريق.

 فطبيعة حركة المنهج الإصلاحي في المجتمع كالنهر الجاري الذي لا تعوقه عوائق مهما تكاثرت، بل هو مستمر في التدفق؛ إذا أُغلِقت أمامه قناة شق لنفسه قنوات، لشدة تدفقه وجريانه؛ ولذلك لا ينبغي أن يقال "فلان مُنِع من العمل الإصلاحي" وإنما يقال "فُتِن عن العمل الإصلاحي"، لأنه لا يمكن منع من أراد الإصلاح من خارجه، لأن النهر الجاري لا يمكن إيقافه، ولا يتوقف إلا من كان كالصخور، لأدنى عائق يوضع أمامه، فإما أن يتوقف وإما أن يصطدم بعنف فينحرف عن مساره، بل يعرقل مسار غيره، فهذا افتتان وليس منعا، فالصواب في مثل هذا  أن يقال "فتن عن الإصلاح" ولا يقال مُنِع، لأنه لا قِبَل لأحد بمنع المسيرة الإصلاحية إذا أحسن حملتها التعرف على مسارات الإصلاح المتاحة، وما أكثرها على جميع المستويات.

 البعض يحبس نفسه في صورة واحدة أو صور محدودة من صور الإصلاح، فإذا وجد أمامه فيها بعض العقبات وقف يبكي عليها ويندب حظه، ويلقي اللوم على الظروف والأحوال، وييأس ويحبط ويصدر اليأس والإحباط لغيره، وفي أحيان كثيرة لا يتوقف عند اليأس والإحباط وإنما يذهب الى البحث عن الطرق المنحرفة للتغيير  وهي الطرق الصدامية، ولو تدبر أمره لوجد أعمالا إصلاحية هائلة لا أحد يمنعه منها، سواء كانت على مستوى الفرد والأسرة، أو كانت على مستوى المجتمع، أو كانت على مستوى نظم الحياة، فالمجالات الإصلاحية كثيرة وكلها -أو جلُّها- تعد من الواجبات الشرعية، لكن من كانت مسيرته كالصخرة لا يرى شيئا من هذا. 

وأنا أسوق هنا مثالا لرجل قاد مسيرة إصلاحية في ظل احتلال متربص وظروف صعبة، لكنه استطاع -وبكل هدوء- أن يصل برؤيته الإصلاحية إلى قطاع عريض من المجتمع، حتى أصبح أتباعه  والأجيال التي رباها وقودا لمعركة تحرير بلاده ( الجزائر) من الاستعمار الفرنسي بعد وفاته بعدة أعوام

 

عبد الحميد بن باديس ومنهجه الإصلاحي

 

ولد عبد الحميد بن باديس في ديسمبر 1889 بقسنطينة من عائلة  تعود أصولها إلى بني زيري

 تلقى تعليمه الأول بمدينة قسنطينة على يد الشيخ حمدان لونيسي وحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم انتقل سنة1908 إلى تونس لمواصلة تعليمه بجامع الزيتونة لمدة أربع سنوات

حصل خلالها على إجازة الزيتونة، وتتلمذ فيها على يد الشيخ الطاهر بن عاشور وغيره من علماء الزيتونة.

  ومن تونس رحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج واستقر بالمدينة المنورة، فالتقى معلمه الأول حمدان لونيسي، و هناك واصل تلقي العلم حتى حاز  درجة العالم، وقد أشار عليه شيخه أن يبقى في المدينة المنورة ليعلم الوافدين إليها فى المسجد النبوي ويعيش حياته فى المدينة المنورة.

لكن الشيخ أحمد بن حسين الهندي نصحه أن يعود إلى الجزائر المحتلة من الفرنسيين، ليقوم بواجبه الدعوي فيها، لإيقاظ الشعب الجزائري وإنقاذه من الجهل والخرافات ليقوى على مقاومة الاستعمار.

فرجع إلى الجزائر وبدأ عمله الإصلاحي الذي لم يكتف بشكل معين أو جانب واحد من جوانب الإصلاح، بل سلك كل السبل المتاحة للإصلاح، وكلما منع سبيل سلك سبلا أوسع وأكثر فاعلية.

أصول منهج "ابن باديس" الإصلاحي ورؤيته الإصلاحية

خلاصة أصول منهج "ابن باديس" ورفاقه هو ذلك الشعار الذي اتخذوه لمجلة الشهاب:

 (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)

أي العمل بالكتاب والسنة وفقا لفهم أعلم الناس بالكتاب والسنة، وهم أعلام القرون الثلاثة الخيرية ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يقول الشيخ ابن باديس -رحمه الله- في مقدِّمةٍ كتبها لرسالة الشيخ العلاَّمة عبد الله بن الشيخ محمَّد التميمي إلى الشيخ العلاَّمة عبد الله الصنعاني لمَّا نشرها في «الشهاب» نقلاً عن مجلَّة «المنار»:  «لم يَزَلْ في هذه الأمَّة في جميع أعصارها وأمصارها من يجاهد في سبيل إحياء السنَّة وإماتة البدعة بكلِّ ما أُوتِيَ من قدرةٍ، ولمَّا كانت كلُّ بدعةٍ ضلالةً محدثةً لا أصْلَ لها في الكتاب ولا في السنَّة؛ كان هؤلاء المجاهدون كلُّهم (يدْعون الناس إلى الرجوع في دينهم إلى الكتاب والسنَّة وإلى ما كان عليه أهل القرون الثلاثة: خيرِ هذه الأمَّة الذين هم أفقه الناس فيها، وأشدُّهم تمسُّكًا بهما)

وقد اختصر مشروعه الإصلاحي في هذه العبارات المشهورة عنه: (الإسلام ديننا والعربية لغتنا و الجزائر وطننا.)

وقد وقف في وجه دعاة الاندماج في الثقافة الفرنسية و قاومهم بفكره و كتاباته

 

 وحارب الطُرُقيّة و التصوف السلبي الذي أفرز عادات و خرافات لا تتماشى و تعاليم الإسلام الصحيحة، بل تؤدي إلى تخدير الشعوب واستسلامها لمن يقودها إلى محو هويتها والتبعية لأعدائها.

 كما نبذ الخلافات الهامشية بين شيوخ الزوايا، و دعا إلى فهم الإسلام فهما صحيحا بعيدا عن الدجّل والشعوذة، ورفض التقليد الأعمى و الارتباط بالإدارة الاستعمارية.

وقد اعتمد "ابن باديس" على عقلية الإقناع في دعوته إلى إصلاح أوضاع المجتمع، وأخذ  على عاتقه العمل الدعوي والإصلاح الاجتماعي والنضال الوطني، كغاية له في حياته كلها، أنفق فيها كل وقته وإمكانياته، وقد عبر عن ذلك بعنوان لمحاضرة له ألقاها افتتحها بقوله "لمن أعيش؟" ثم أجاب عن السؤال: "أعيش للإسلام وللجزائر" حيث كان الاحتلال الفرنسي يسعى جاهدا لطمس الهوية الإسلامية وتذويب الجزائريين في الثقافة الفرنسية، وكانوا قد استخدموا في ذلك جميع الوسائل والتي منها بعض الطرق الصوفية.

النشاط الإصلاحي

نظرية "ابن باديس" في التربية تقوم على أنه لا بد أن تكون البداية من الفرد، فإصلاح الفرد هو الأساس، وأن طريق الإصلاح يبدأ بالتعليم والتربية، والعمل على إيجاد طليعة من الكوادر الذين يحملون الهم ويتحملون المسؤولية على علم وبصيرة.

ولذلك فبعد استقراره بقسنطينة باشر تأسيس المدارس و تولّى بنفسه مهمة التعليم، وحرص على تحفيظ القرآن وتفسيره.

وشرع في التدريس بالجامع الأخضر، لعلوم الوحي واللغة العربية، التي تعد عند المحتل الفرنسي لغة منبوذة يمنع تدريسها، فهي في عرف الإستعمار لغة أجنبية.

 وخصص  جهوده -كمُربٍّ- وما أوتي من ملكات ومواهب للتعليم، بدءا من العلوم التربوية كالأدب والتاريخ والـجغرافيا إلى العلوم الـمدنية والدينية.

وفسر القرآن كله خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية، كما شرح "موطّأ مالك" خلال هذه الفترة،

وكان ينظم، بـمقر رابطة الإغاثة الإسلامية بقسنطينة، وبـمساعدة تلامذته، دروسا مسائية للكبار. .

 كما افتتح مدارس خاصة بالكبار لمحو الأمية

 كما اهتم بالمرأة من خلال المطالبة بتعليم الفتيات، إذ أنشأ أول مدرسة للبنات بقسنطينة سنة 1918

  واعتبر تعليم المرأة من شروط نهضة المجتمع، لكن تعليم المرأة لا يعني تجاوز التقاليد و الأخلاق الإسلامية.

وكان يوجه نشاطه التربوي نحو الشباب، ذكورا وإناثا، وللكبار، على حد سواء

وقد استخدم كل الوسائل المتاحة في الدعوة إلى منهجه الإصلاحي ليخرج الكوادر التي تحمل المنهج حملا صحيحا وتقوم به حق القيام.

ولم تأت سنة 1918 حتى ظهرت آثار قدرة "ابن باديس" التنظيـمية الفائقة بإرسال الدفعة الأولى من الطلبة الـجزائريين إلى جامعة الزيتونة بتونس، وكان الـمأمول أن يصبحوا الطليعة الأولى للتعليم الـحر، فاتـحين الـمجال لبعثات دراسية مبرمجة دوريا.

"ابن باديس" والعمل الجماعي والجمعيات الإصلاحية

كان يرى أن العمل الإصلاحى لابد أن يقوم على عقيدة راسخة، وتتضافر الجهود وتتعاون على تحويل المنهج النظري إلى واقع عملي، ولا يستطيع المصلحون فرادى أن يحققوا الغاية المنشودة لإصلاح الأمة

يقول: (إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوة، وإذا كانت لهم جماعة منظمة تفكر وتدبر وتتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة) وقد كان فى رحلته للحج قد  التقى بصديقه ورفيق دربه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وتناقشا معا فى كيفية القيام بعمل جماعي للنهوض بالأمة التي أنهكها الظلم الإستعماري، وفتك بها الجهل والأمية والطرق الصوفية المنحرفة.. وقد يسر الله لهما ذلك فيما بعد.

ففي سنة 1924 كان قد عاد جمع من الشيوخ من المشرق الإسلامي. فقد عاد الشيخ الطيب العقبي من الحجاز وأقام بسيدي عقبة، وأسس جريدة الإصلاح، وعاد الشيخ البشير وأقام بسطيف، وعاد العربي التبسي من القاهرة حيث كان يدرس بالأزهر ليقيم بتبسة.. وفي هذه السنة عادت فكرة تنظيم العمل ولم شمل الجهود على مستوى أوسع وأشمل فكانت المحاولة الأولى لعمل جمعية تضم الجميع فى عمل منظم أوسع مدى وانتشارا وأكثر تأثيرا وكانت تسمية الجمعية  المقترحة من طرف الشيخ "ابن باديس" التي تقدم بها لأخيه البشير  "جمعية الإخاء العلمي" وطلب منه وضع قانون أساسي لها، ولكن الأمور تعطلت لفترة زمنية.

لكن "ابن باديس" أصر على العمل الجماعي فوسع نشاطه ليفتتح عدة مدارس في جهات مختلفة من الوطن بالتعاون مع شيوخ الإصلاح أمثال البشير الإبراهيمي و مبارك الميلي و غيرهم …،

ومن جهة أخرى، ظهرت شيئا فشيئا إلى الوجود -بإيعاز منه وتـحت إشرافه- مراكز ثقافية كان أشهرها "نادي الترقي" بالـجزائر العاصمة الذي كان يشرف على إدارته الطيب العقبي، أحد رفاق "ابن باديس" الأوفياء وقد اتـخذ نشاط الـمجموعة من أجل إحياء الـمسلـمين الـجزائريين أخلاقيا وبعثِ إسلام أصيل في نظرها وتأكيد الشخصية العربية الإسلامية للشعب الـجزائري أشكالا عدة.

وفى عام 1931 عمل مع أقرانه من أمثال الشيخ البشير الإبراهيمي العربي التبسيّ والطيب العقبي على تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وانتخب رئيسا لها إلى غاية وفاته1940

والتي كان لها أثر كبير في جمع الجهود وتعظيم أثرها كما كان لها أثر في نشر ذلك المنهج الإصلاحي الذي يتبناه هؤلاء العلماء

وقد ذكر البشير الإبراهيمي أهمّ أنشطة الجمعية وأعمالها في النقاط التالية:

1- تنظيم حملة جارفة على البدع والخرافات والضلال في الدين، بواسطة الخطب والمحاضرات، ودروس الوعظ والإرشاد، في المساجد، والأندية، والأماكن العامة والخاصة، حتى في الأسواق، والمقالات في جرائدنا الخاصة التي أنشأناها لخدمة الفكرة الإصلاحية.

2- الشروع العاجل في التعليم العربي للصغار، فيما تصل إليه أيدينا من الأماكن، وفي بيوت الآباء، ربحًا للوقت قبل بناء المدارس.

3- تجنيد المئات من تلامذتنا المتخرجين، ودعوة الشبان المتخرجين من جامع الزيتونة للعمل في تعليم أبناء الشعب.

4- العمل على تعميم التعليم العربي للشبان، على النمط الذي بدأ به "ابن باديس".

5- مطالبة حكومة الاحتلال الفرنسي برفع يدها عن مساجدنا ومعاهدنا التي استولت عليها، لنستخدمها في تعليم الأمة دينها، وتعليم أبنائها لغتهم.

6- المطالبة بتسليم أوقاف الإسلام التي احتجزتها ووزعتها، لتصرف في مصارفها التي وُقِفَت عليها. (وكانت من الكثرة بحيث تساوي ميزانية دولة متوسطة).

7- المطالبة  باستقلال القضاء الإسلامي، في الأحوال الشخصية مبدئيًا.

8- مطالبة الحكومة بعدم تدخلها في تعيين الموظفين الدينيين.

اهتمامه بالشأن العام من خلال المجال الصحفي وبيان معالم منهجه الإصلاحي من خلاله،

فقد اهتم هو ورفاقه بالمجال الصحفي فقاموا ابتداء من سنة 1925 بنشر جريدة "الـمنتقد" وفي أعمدتها باشَر -هو و رفاقه- نشر الأفكار الإصلاحية، وقد منعت الـجريدة من الصدور ابتداء من عددها رقم 18 لأنها كانت في رأي الإدارة الاستعمارية تـحريضية.

لكن "ابن باديس" بقي على إصراره وأصدر بعدها مجلة "الشهاب" وعدة منشورات دورية،  (الصراط -الشريعة -السنة- وأخيرا البصائر)

وكان يكتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع المسلمين وخاصة في الجزائر، ويهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية ويشرح أصول السياسة الإسلامية.

كما كانت صحف جمعية علماء المسلمين التي يرأسها "ابن باديس" تعالج أيضا مختلف القضايا الدينية والسياسية الجزائرية والإسلامية، وتهتم بنشر العقيدة السليمة ومحاربة البدعة والخرافة.

تواصله مع القوى السياسية لجمع الكلمة الوطنية

في سنة 1936 دعا الشيخ "ابن باديس" إلى عقد المؤتمر الإسلامي، وبغض النظر عن جدواه وما كان من نتائجه إلا أنه استطاع من خلاله جمع كل التيارات السياسية والإصلاحية في البلاد، وشكل وفدا  ليحمل مطالب الجزائريين للسلطات الفرنسية، ولكن العجرفة الإستعمارية ردته خائبا، فعاد "ابن باديس" من فرنسا، وغير شعار "شهابه" الذي كان "جميع الحقوق لمن قاموا بكل الواجبات" ليصبح: "فلنعتمد على أنفسنا ونتكل على الله"؛ لأنه شعر بتهديد مبطن من طرف وزير الحرب الإستعماري الذي قال له: "عندنا المدافع" فرد الشيخ عليه قائلا: "ونحن عندنا مدافع الله" وبعد العودة ألقى خطابا متميزا في التجمع الذي نظمه وفد المؤتمر بتاريخ 02أوت 1936 لتقديم نتائج رحلته، وقد كان خطاب عبد الحميد بن باديس معبّرا عن مطالب الجزائريين واستمر "ابن باديس" في الدعوة إلى منهجه الإصلاحي إلى أن توفاه الله عز وجل

وفاته وبقاء فكرته ومنهجه

كانت وفاة "ابن باديس" عام 1940 بعد أن قضى حياته مؤصلا لمنهج إصلاحي ظل يدعوا إليه ويوضح معالمة حتى صار قضية أمة

لقد عمل "ابن باديس" على تحويل ذلك المنهج الإصلاحي الذى يتبناه إلى واقع عملي، وقد كان من القلائل من المصلحين في العصر الحديث الذين أتيحت لهم فرص التطبيق العملي لمبادئهم، فرشيد رضا مثلا كان يحلم بمدرسة للدعاة ولكن حلمه لم يتحقق له كما تحقق لابن باديس.

وهو وإن كان -كغيره من العلماء والمصلحين- يؤخذ عليه بعض الاجتهادات التي لم يحالفه فيها الصواب -فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم- لكن حسبه أن الأجيال التي رباها كانت  وقود معركة تحرير الجزائر بعد وفاته بعدة أعوام؛ فقد تمكن –بعون الله عز وجل وتوفيقه– من تربية جيل جزائري كامل وتكوين أمة تدرك شخصيتها الإسلامية والعربية، وذلك بعد أن حارب الطُّرُقيّة والخرافة والجهل، وفضح وكشف ألاعيب المحتلين الفرنسيين وأذنابهم.

كما أنه أرسى في الجزائر العمل الدعوي المؤسسي ودعم الإعلام الهادف وسخّره لمصلحة الجزائر.

وسيظل المنهج الإصلاحي الذى أحياه وبثه في ربوع الجزائر ملهما لمن أرادوا السير على الطريق الذي سلكه المصلحون عبر العصور.

فقد جسدت تجربته رؤية  إصلاحية فريدة تثبت أنه يمكن لأصحاب الرؤى الإصلاحية  تحويل نظريتهم الإصلاحية-وفى أصعب الظروف- إلى واقع عملي، من خلال التعليم وتربية الأفراد على العقيدة الصحيحة والفهم الواعي، والعمل الجماعي والتعاون على البر والتقوى، والتواصل مع كل فئات المجتمع، والعمل الاجتماعي والعمل الخيري والجمعيات الأهلية والنوادي الثقافية، والتفوق الدراسي، والعمل الصحفي والاهتمام بالشأن العام، والتواصل مع القوى السياسية والوطنية وجميع فئات المجتمع، وذلك كله إذا استطاع أصحاب هذا المنهج توظيف جميع الطاقات بكل الوسائل المتاحة، وقدموا النموذج المؤثر في كل المجالات ودافعوا به النماذج المقابلة بالحكمة والموعظة الحسنة، دون استعجال أو ملل ولا يأس ولا إحباط ولا تهور.

بل يتحلوا بالصبر واليقين والمثابرة وحسن الظن بالله عز وجل.

 

المراجع:

 

*  آثار ابن باديس لعمار الطالبي

*  جوانب خفية فى حياة ابن باديس لعبد العزيز الفيلالي

* عبد الحميد بن باديس منتديات خشلة التعليمية

* أصول الدعوة السلفية عند ابن باديس د محمد حاج عيسى الجزائري

       5     --* مجلة البيان

* مقال: العلاّمة عبد الحميد بن باديس أسامه شحادة

 

* جهاد ابن باديس ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ، عبد الرشيد زروقة، دار الشهاب، بيروت، ط 1، 1999.

* جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية، مازن مطبقاني، دار القلم، دمشق، ط 1، 1988.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com