الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تحرير المرأة

يجب على كل المسلمين الحذر من هذه الدعوة الهدامة المستوردة من الغرب

تحرير المرأة
محمد إسماعيل المقدم
الخميس ٢٩ سبتمبر ٢٠١٦ - ١٠:٢٩ ص
3996

تحرير المرأة

محمد إسماعيل المقدم

إن المرأة المسلمة لها مكانتها في الإسلام، فحين جاء الإسلام رفعها من وحل الجاهلية إلى عز الكرامة والرفعة، فقد كانت توأد في الجاهلية، ولا تعطى ميراثاً، بل كانت تورث كبقية المتاع. ولقد ابتليت المرأة في هذا الزمان بمن يسمون دعاة تحرير المرأة، يريدون أن يسلبوا كرامتها وينزلوها من مكانتها، وقد نتج عن هذه الدعوة فساد الأخلاق وغياب القيم وغير ذلك من المفاسد، ولهذا يجب على كل المسلمين الحذر من هذه الدعوة الهدامة المستوردة من الغرب أعداء الإسلام.

 

احتفال دعاة تحرير المرأة بمرور مائة عام على تأسيس دعوتهم الهدامة

 

الحمد لله الذي جعل عز الكافرين بعز التوحيد والإسلام مطموساً، وأذل بقهره منهم أعناقاً ورءوساً، وصرف عن أهل طاعته بلطفه وإسعاده أذىً وبوساً، ورفع كيد شياطين الإنس والجن عن قلوب أهل الإيمان فأصبح عنها محبوساً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في معتقده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وعلى سائر التابعين مقصده، الصابرين من البلاء على أشده. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن هناك بعض مجموعة كتيبات لبعض الصحفيين بعنوان (سنة أولى سجن)، (سنة ثانية سجن) وهكذا، فحق لمحاضرتنا أن يعنون لها (سنة مائة تحرير)، أو بالأحرى (سنة مائة سجن)، أي: السنة المائة من استعباد المرأة وسجنها في هذه الدعوة المشئومة، وهذه هي المرة الأولى التي تحتفل فيها مصر أو أية دولة أخرى بمرور مائة سنة على صدور كتاب، ولم يحصل أن احتفل بمرور قرن على صدور كتاب، وهم يسمونه (الاحتفال بمرور مائة عام على تحرير المرأة) وهذا عنوان غير صحيح، إنما هو على صدور كتاب (تحرير المرأة)، فإذا كان عنوان المحاضرة (تحرير المرأة من البذر إلى الحصاد) فالمفروض أن نرجع قرنين إلى الوراء وليس فقط قرناً واحداً، وبالضبط إلى تاريخ (21/10/1798م) حيث كانت البذرة الأولى لتحرير المرأة كما سنبين إن شاء الله تعالى، فأقامت مصر جنازة حارة، أو بتعبير آخر: ذكرى حارة لصدور هذا الكتاب، وانضم عام (1899م) إلى قائمة الأعياد المقدسة في التقويم العلماني، وهو عام صدور كتاب قديس العلمانيين قاسم أمين فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال، فهذه ذكرى مرور قرن كامل على بداية الطرح النظري لقضية تحرير المرأة في مصر وفي البلاد العربية، ولكن انتهت من الناحية العملية إلى كونها تغريباً للمرأة، حيث كانت هناك مطالب لإصلاح أوضاع المرأة في ذلك الوقت، لكنها لم تكن في تهور واندفاع قاسم أمين . وفي الحقيقة لقد تكلم كل من أراد أن يتكلم، فليس من الصواب تجاهل هذه القضية، وليس الهدف من الكلام تصفية حسابات مع أناس قد أفضوا إلى ما قدموا فحسابهم على الله سبحانه وتعالى، وإنما الهدف هو تقويم آثارهم التي تركوها، على حد قول الله سبحانه وتعالى: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12]، لا سيما تلك الآثار التي امتدت بحيويتها وتأثيرها إلى واقعنا المعاصر. ومن الملاحظ واللافت للنظر أنه لم يكن من طقوس هذه الاحتفالية بمرور مائة عام على صدور هذا الكتاب ترتيل وإنشاد الكتاب المقدس لدى دعاة تحرير المرأة؛ لأنه ليس من مصلحتهم أن يتلى هذا الكتاب وأن يتعرف الناس على حقيقة محتوى كتاب تحرير المرأة؛ لأنه ربما لو تلي هذا الكتاب وأعلن للناس فلسوف يفضح مدى رجعية صاحب الجنازة، وسوف يوصف بأنه متطرف بالاصطلاح الحديث، وبأنه أصولي وبأنه رجعي، وذلك إذا قارنا محتوى كتاب (تحرير المرأة) بالتطور الكبير الذي لحق بالمذهب منذ تأسيسه، فـقاسم أمين في محطته الأولى -أو بتعبير آخر: في المحطة الثانية له وهي كتاب (تحرير المرأة)- يعتبر من المتطرفين، حيث ينطبق عليه وصف التطرف؛ لأن قاسم أمين في كتاب (تحرير المرأة) جعل الكتاب كله يتمحور حول قضية أساسية، وهي كشف وجه المرأة مع احتفاظها بسائر ملامح الحجاب الإسلامي، فكل ما كان يدعو إليه هو كشف وجه المرأة، وكل المعركة التي قامت كانت من أجل أن يقنع الناس بأنه يجوز كشف وجه المرأة، وكان هذا الاعتقاد والتمسك بالحجاب الكامل للمرأة المسلمة بكل أبعاده وبكل معانيه ملمحاً رئيسياً في الهيئة الاجتماعية لمصر في ذلك الوقت، حتى كتب حافظ أمين معاتباً المصريين في شدة تمسكهم بالنقاب وبالحجاب الكامل للمرأة قائلاً: فلو خطرت في مصر حواء أمنا يلوح محياها لنا ونراقبه وفي يدها العذراء يسفر وجهها تصافح منا من ترى وتخاطبه وخلفها موسى وعيسى وأحمد وجيش من الأملاك ماجت مواكبه وقالوا لنا رفع النقاب محلل لقلنا صحيح ولكن نجانبه فلا شك أن هذا الشعر يعكس مدى شدة تمسك المصريين مع التجاوز عما يحتويه هذا الشعر من أمور فيها نظر، وقبل أن نستطرد في الموضوع فلو أراد أحد أن يحبط دعوة قاسم أمين وأن يثير ضدها أشنع دعاية وجهت لها على الإطلاق لما استطاع أن يحبط هذه الدعوة وأن يفضحها وأن يدمرها بمثل ما حصل في هذا المؤتمر الأخير الذي أقيم في ذكرى مرور مائة عام على تحرير المرأة. وباختصار: إذا أردنا أن نختزل هذه الرحلة التي امتدت لمسافة قرن وكانت بدايتها البذرة أو البذور التي سنذكرها فإن نهايتها وحصادها الذي جوهر به علناً جهاراً نهاراً في هذا المؤتمر هو أسوأ دعاية لدعوة تحرير المرأة، وبلغ من قبح هذه الدعاية وشؤم هذا الحصاد أن الذين تولوا الرد على ما حصل في هذا المؤتمر أناس كثيرون لا علاقة لهم بالمتطرفين ولا بالأصوليين، بل هم أناس من عامة الناس، حتى من الصحفيات المتبرجات، فهذه واحدة من الصحفيات في صحيفة الأهرام كتبت تقول: إن المرأة لا تحتاج إلى قاسم أمين ، ولكنها تحتاج الآن إلى من يعلمها أن الدين كله حياء وغير ذلك مما سوف نذكره. وأحد هؤلاء الأساتذة -وهو أستاذ الأدب الانكليزي في جامعة القاهرة الدكتور محمد يحيى - يقول: إن الضجة التي نصبت لذكرى كتاب (تحرير المرأة) وتحويل هذا النص إلى عمل مقدس تخفي الحقيقة وتموه على تاريخ مؤلم وطويل من فرض خطاب علماني ومتغرب النزعة على الأمة بالقوة -يعني: لم يتم اختيار هذا المنحى بمحض الإرادة الحرة للمسلمين أو المسلمات- ليكون خطاب قمع وممارسة قهر ضد دينها وضد رجالها، ولكن ليس لصالح نسائها. يعني أنه في الحقيقة ليست دعوة تحرير المرأة لصالح النساء؛ لأنهم يدأبون على تقسيم الناس إلى قسمين: من وافق أهواءهم فهذا صديق المرأة، ومن خالف أهواءهم فهذا عدو للمرأة أياً كان، فما دام يخالف دعواتهم فإنه عدو للمرأة، وكان هذا التقسيم فعلاً رائجاً في وقت من الأوقات، وكان يتم تمييز الرجال والأدباء والمفكرين هذا عدو وهذا صديق على أساس موقفه من هذه الدعوة المشئومة. يقول: فالحقيقة أن هذا المذهب الذي فرض على الأمة المسلمة لم يكن لصالح نسائها على عكس ما يزعم له من أنه خطاب تحرير وخلاص وانعتاق، بل هو خطاب يزعم التحرير ويمارس القمع قولاً وممارسة، وهو خطاب يزعم تحقيق الخلاص، لكنه يحقق العبودية في الفكر وفي الممارسة وصولاً إلى العمالة الصريحة للقوى التي تنظم الاحتفال بالتحرير. انتهى كلام الدكتور محمد يحيى . ......

 

موضوع المرأة مرتبط بالعقيدة

 

وقبل أن نستطرد -أيضاً- نريد أن نبين وبمنتهى الصراحة والوضوح أننا من البداية عندما نناقش هذا الموضوع أنه لا ينفصل على الإطلاق من عقيدتنا وتمسكنا ورضانا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فليست المسألة في موضوع المرأة مسألة قديم وجديد، وتطور وتخلف، بل القضية قضية إسلام وكفر، هدى وضلال، حق وباطل، وحي وهوى؛ فإنه لا يقابل الوحي إلا الهوى، كما قال الله تبارك وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50]، وقال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالوحي يقابله الهوى، فهي إما هوى وإما وحي، أما أن نَّدعي الإسلام ونتستر وراء الإسلام ثم ننخر في جسد الإسلام ونحور ونغير مفاهيمه، فهذا غير مقبول؛ فإن كان لا يعجبك الإسلام فدعه وشأنه، ولك ما شئت، قال تعالى: فمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، أمّا أن يدّعوا الإسلام ثم يحاولوا أن يسوغوا ضلالاتهم وانحرافتهم باسم الإسلام فهذا ما لا ينبغي أن يقبل أبداً. وأيضاً عند تناول هذه القضية -كما قلنا- يجب أن نعلم أنها قضية لها ارتباط بعقيدتنا، ولابد من أن نعلم أن هذا القرآن حق، وأن الرسول حق، وأن الإسلام حق، وأن ديننا هو الإسلام، وأن ربنا هو الله سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا، وأن الله يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، وبناءً على كل هذه المسلمات نحن نقبل على الشرع بغاية الثقة في أنه يريد لنا الخير في الدنيا وفي الآخرة، وأننا ممتحنون في كل موقف وفي كل اعتقاد وفي كل تصرف، وممتحنون بموقفنا من هؤلاء: هل نواليهم في الله أو نبغضهم في الله، أم غير ذلك؟ ونرفض أيضاً النبرة الاعتذارية واللهجة التبريرية حين نناقش أمثال هذه القضايا، سواء قضية المرأة أو غيرها؛ فإن بعض المنهزمين يقبلون مبدأ أن الإسلام موضوع في داخل قفص الاتهام، وأنهم يقومون بالدفاع عنه دفاعاً هزيلاً ضعيفاً منهزماً، فهم يقرون أن الموضوع الفلاني كأنه تهمة، وأن الإسلام فعلاً أدخل القفص وأغلق عليه، وهم يدافعون كمحامين، ونحن لا نقبل هذا المبدأ على الإطلاق، هذا يمكن أن يصلح بين دين باطل ودين آخر باطل، وفي المذاهب الأرضية مع بعضها، أما بين الإسلام الحق الذي لا حق غيره في الوجود، والذي كل ما عداه كفر وبين غيره فلا، ولا نجعل هذا موازياً لذاك أو هذا سواسية مع ذاك، فهذا كمبدأ هو مبدأ مرفوض. فالقضية هي أن أحكام الشرع نازلة من عند الله، ومن طعن فيها فهو كافر كفراً أكبر مخرجاً له من الملة، ولا نقاش في هذه البديهية، فنبرة الاعتذار ونبرة (من أجل أن يقولوا عنا: إننا معتدلون. ونحوز رضاهم، ونحوز كذا وكذا) غير مقبولة، ويجب أن يرفض مبدأ التنازل في مقابل أي شيء آخر، فلا مساومة ولا أنصاف حلول، ولكن ثقة في حكم الله سبحانه وتعالى وانقياد له؛ لأن هذا هو معنى الإسلام، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، وأذكر هنا ما رواه الشعبي حينما قال: (لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان رضي الله عنه، فقال: ابسط يدك أبايعك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علامَ تبايعني؟ فقال أبو سنان : على ما في نفسك)، فهو لا يطلع على ما في نفس النبي عليه السلام، ولكنه الانقياد والاستسلام والإذعان لشرع الله سبحانه وتعالى مهما كان أمر الله، فما دام الأمر صادراً من الله فلا نقاش، وينتهي الخيار تماماً، وهذا هو شأن المؤمن، أما المنافقون والزنادقة فلهم شأن آخر. ......

 

 

افتعال قضية المرأة وعدم وعي كثير من المسلمين

 

نحن في قضية المرأة نحارب في المعركة، وقد زُجَّ بنا في معركة لا تخصنا من بدايتها إلى نهايتها، فهي معركة لا علاقة لنا بها في الأصل؛ لأن الإسلام ما ظلم المرأة، وما استعبد المرأة حتى تطالب بتحرير الحجاب، وليس الرجل الذي يعتبر عدو المرأة هو الذي فرضه عليها، ولكن الذي فرضه عليها هو الله سبحانه وتعالى خالقها، فما أكثر ما حارب المسلمون في معارك لا تخصهم وزج بهم فيها وهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل! وقد رأينا من قبل مئات الآلاف من المسلمين يجندون في الجيش البريطاني من مسلمي الهند وبدو الجزيرة العربية والأردن وسوريا في أثناء ما يسمى بالثورة العربية للشريف حسين ، فكان الآلاف من المسلمين مجندين تحت قيادة الإنكليز يحاربون إخوانهم المسلمين الأتراك بزعم الثورة العربية الكبرى، وكان يفتخر لورانس بأنه قتل الآلاف من العرب في سبيل بريطانيا في حين أنه لم تنزف قطرة دم واحدة من جندي انكليزي، وكان يفخر بأنه فعل هذا لوطنه؛ لأنه أراق دماء مئات الآلاف من العرب، ولم ترق قطرة دم واحدة من جندي إنكليزي في سبيل بريطانيا، ومع ذلك نحن نرى اليوم رجالاً ونساءً يحاربون في مدارس الفكر الغربي وهم في الحقيقة يحاربون دينهم دون وعي منهم. وهذه المعركة المفتعلة ضد الرجل في قضية المرأة هي كما ضرب مثل أن رجلاً جاء في وسط الليل إلى أبرز شارع في العاصمة المزدحمة، ثم أتى بكم كبير من الأنقاض وفرغه في هذا الشارع أو في هذه الساحة، ثم صنع منه تلاً عالياً، ووضع على رأسه مصباحاً، فقال له الناس: لمَ أتيت بهذه الأنقاض؟ قال: لأرفع عليها المصباح، قيل له: لماذا تضع المصباح؟ قال: كي لا يصطدم الناس بالأنقاض! فالقضية أصلاً هي قضية مفتعلة، فإن المرأة ما عرفت ذلاً من الإسلام، وهناك انحرافات تقع في الواقع البشري في كل أمة وفي كل عصر وهي في الحقيقة ترجع إلى الانحراف عن الإسلام، وما سبب الإسلام أبداً أي مشكلة، ولا يمكن للإسلام أن يسبب ظلماً، ولا يمكن أن يصدق هؤلاء الدجالون العملاء الذين يزعمون أن الرجل عدو المرأة، فالرجل المسلم عدو أي مرأة؟ وأي امرأة هي التي يعاديها؟ هل هي أمه؟ أو أخته؟ أو بنته؟ أو زوجته؟ هذه هي المرأة بالنسبة لأي رجل، فلمَ يعاديها؟! وهل يؤتمن أحد على المرأة كما يؤتمن الأب الحاني أو الأخ الشفيق أو الزوج الرحيم أو الابن البار؟! وبعض الناس يمارسون موقفهم في هذه القضية ويتفاوتون، فبعضهم يمارس الفن المتلون الحربائي، ويراوغ ويلف ويدور ويقول لك: هذا هو روح الإسلام، ولا ينبغي أن نجمد عند النصوص، وإنما ننظر إلى روح هذه النصوص. وعلم الله أنهم ما يريدون إلا إزهاق روح هذه النصوص، ويقولون: الإسلام دين السماحة، لكنكم أنتم بعقولكم الذين تشوهون جماله. إلى آخر هذا الدجل الذي يروج على السذج. وبعضهم يكونون في غاية الصراحة، وهذا هو الذي سماه أبوه أحمد بهاء الدين الصحفي المعروف، فإنه في يوم من الأيام كتب: لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيداً عن اللف والدوران، وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيماً خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير، وأما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير، ومن ثمَّ فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا!! إنها صراحة يحسد عليها في الحقيقة. وكذلك الرجل الذي جهر في جريدة الأهرام أثناء موضوع عباد الشيطان، حيث قال: بقدر ما أنا ضد الحجاب أنا ضد عبدة الشيطان! ونقول: بل أنت من عبدة الشيطان. فهم يتصورون أن عبادة الشيطان تقتصر على ما يفعله هؤلاء الشباب من طقوس عبادة الشيطان والأشياء التي فعلوها، والحق أنك إما أن تعبد الرحمن وإما أن تعبد الشيطان، ولا يوجد حل وسط، قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61]، وقال تعالى حاكياً عن إبراهيم: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:44]، فكل من عبد غير الله فقد عبد الشيطان، وكل من صد عن سبيل الله فقد عبد الشيطان. ......

 

معنى الحرية والتحرير

 

وقبل أن نستطرد في الكلام في هذا الموضوع وذكر التاريخ من البذرة إلى الحصاد لابد لنا من وقفة مع كلمة (الحرية والتحرر)، فإنه يكثر الكلام في زماننا عن كلمة (الحرية والتحرير)، وكلمة التحرر هي الكلمة الرنانة والمحببة إلى النفس، ويدعي كثير من النظم والهيئات أنها تحقق الحرية، أي: حسب فهم كل لمبدأ الحرية. والإنسان فقير بذاته يتطلع بفطرته إلى الخضوع والذل والعبودية لخالقه وفاطره الغني بذاته سبحانه وتعالى، فالعبد من حيث كونه عبداً لابد أن يشعر بحاجة إلى هذه العبودية، وفيه شعبة لا يمكن أن يسدها إلا الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والفقر وصف ذات لازم لي أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي فالإنسان السوي المستقيم على الفطرة لا يستقيم حاله ولا يطمئن قلبه إلا إذا أوى إلى مولاه، وطرح نفسه على عتبته، وأمعن في العبودية الخالصة له عز وجل دون سواه، والعبودية لله عز وجل هي أرقى مراتب الحرية؛ لأن العبد إذا تذلل إلى مولاه وحده فإنه يتحرر من كل سلطان، فلا يتوجه قلبه ولا يطأطئ رأسه إلا لخالق السماوات والأرض، ولابد للإنسان من العبودية؛ إذ لا يمكن أن يوجد إنسان ليس عبداً، بل لابد من عبودية، فإن وضع العبد العبودية موضعها بأن عبد الله سبحانه وتعالى فهذه أشرف العبودية، وهذه أرقى درجات الحرية على الإطلاق، فإن لم يضع العبودية موضعها فإنه حتماً يتلطخ بالعبودية لغير الله عز وجل من الأنداد والشياطين، والمسلم يتحرر بإسلامه من سيطرة الهوى والشهوة والسلطان، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]. إذاًَ هذه حرية في صورة العبودية، ولا يمكن للبشرية أن تحرر حقاً إلا بتحقيق هذه العبودية، فإذا وضعت العبودية في موضعها تتحقق لك الحرية، وإلا كنت عبداً لعبيد مثلك، ونحن نعرف الشعار الذي رفعه الصحابة رضي الله تعالى عنهم حينما فتحوا البلاد، فلما سئل ربعي بن عامر من قبل قائد جيش الفرس حيث قال له: ما جاء بكم؟ قال: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. فهذا هو شعار هذه الدعوة وهذا الفتح (إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى)، فالحرية في غير الإسلام تصبح جوفاء لا معنى لها، بل هي العبودية المذلة المهينة، حتى لو بدت في صورة الحرية، فالخضوع للطواغيت وللمناهج والقوانين التي بنيت على ما تهواه الأنفس بعيداً عن تشريع الخالق جل وعلا إنما هو عبودية لغير الله، كما يقول الشاعر: هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق الكفر والشيطان فإن لم تضع العبودية والرق في موضعه الصحيح -وهو العبودية لله- فلابد أن تبتلى برق الكفر والشيطان، فمفهوم العبودية لله في الإسلام هو الحرية في أرقى صورها وأكمل مراتبها. والعبودية لله إذا كانت صادقة فإنها تعني التحرر من سلطان المخلوقين والتعبد لهم، فالمسلم ينظر إلى هذا الوجود نظرة صاحب السلطان، فإن الله خلق كل ما فيه من أجلنا وسخره لنا، كما قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، وما دام الأمر كذلك فالمسلم لا يمكن أن يخضع لمخلوق من المخلوقات في هذا الكون، ولا يعبدها؛ لأنها مسخرة له. إذاً فهي أقل منه شأناً، وهي مخلوقة لنفعه وصلاحه، والمسلم أيضاً لن يستعبده إنسان مثله؛ لأن الناس جميعاً عبيد الله، فإن حاول بعض المتمردين من بني الإنسان أن يطغى ويبغي وقف المسلم في وجهه يقول كلمة الحق ويذكره بأصله الذي منه خلق، ومصيره الذي لابد له منه، ويذكره بضعفه وعجزه عله يفيق أو يرجع، وبالعبودية لله يتحرر الإنسان من أهوائه، فالهوى شر وثن يعبد، كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]، فالهوى قد يُجعل إلهاً معبوداً يسيطر على نفس صاحبه فلا يصدر إلا عن هواه، ولا يسعى إلا لتحقيق ما يبعثه إليه، فالإسلام يعتبر الخضوع لأهواء النفس التي تدعو إلى المحرمات والآثام عبودية لهذه الأمور. أما الالتفات عما تدعو إليه النفس من المحرمات حتى لو كانت النفوس تميل إليها فإنه يمثل في الإسلام الحرية الحقة؛ لأنه وإن قيدت حريته من جهة بأن ألزم بترك بعض ما يشتهي إلا أنه تحرر من سلطان الهوى من جهة أخرى، وانظر إلى تحرر المسلم أثناء الصيام من عبوديته للشهوات، مع أنها حلال، لكن الله حرم عليه الماء، حتى الماء صار حراماً على الصائم، وكل ما أحل الله سبحانه وتعالى يدعه المسلم في نهار رمضان؛ لأنه تحرر من أن تستعبده هذه الشهوات. فالذين يزعمون أنهم يستطيعون تحقيق مبدأ الحرية بعيداً عن الله سبحانه وتعالى وعن دينه مخطئون؛ لأن كل مخلوق سيبقى عبداً شاء أم أبى، إلا أنه إن رفض الخضوع لله اختياراً فسيخضع لمخلوق مثله لا يملك له نفعاً ولا ضراً، بل قد يخضع لمن هو أقل منه شأناً، فيكون استبدل عبودية بعبودية، ولم يخرج من العبودية إلى الحرية، بل خرج من عبودية الله إلى عبودية الطاغوت وثناً أو صنماً أو بشراً أو شمساً أو قمراً، يقول الله سبحانه وتعالى: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60]، فمما ابتلاهم الله سبحانه وتعالى به جزاء تكذيبهم أن جعلهم عبيداً للطواغيت بعد أن كانوا عبيداً لله. ويزعمون أن الثورة الفرنسية هي التي أعلنت الحرية وأن هيئة الأمم المتحدة أقرت الحرية مبدأً، وليس الأمر كذلك؛ فإن ما فعله هؤلاء هو أنهم أخرجوا الناس من عبودية نظام وقانون وطائفة إلى عبودية نظام آخر وقانون آخر وطائفة أخرى، فالذين خرجوا من الشيوعية خرجوا إلى عبودية من نوع آخر، ولم يخرجوا من عبودية إلى حرية، فهم بقوا عبيداً وإن ظنوا أنفسهم أحراراً، ولن يحررهم من سلطان البشر ويخلصهم من العبودية الظالمة إلا أن يكونوا عبيداً لله يقصدونه وحده، فعند ذلك يتحررون من سلطان الآخرين حتى من أهواء أنفسهم التي تتردد في أجسادهم، فأخرجوا الناس من ظلمات متراكمة إلى ظلمات أشد، ومن عبودية إلى عبودية، ولن يكون من مخلص من العبودية لغير الله إلا بالإسلام، يقول الله سبحانه وتعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، فكل من لم يرض بالإسلام ديناً وبحكمه حكماً فإنه غارق في قاذورات الجاهلية وأوحالها، والذين يرفضون أن يكون الله معبودهم فإنهم يوهمون أنفسهم بتعبيدها لمخلوقات أقل منها شأناً وأحقر منزلة، وهم في ذلك يهينون هذه النفوس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش). وبالنسبة لهؤلاء الذين أطلقوا هذه الكلمة (تحرير المرأة) ومنهم قاسم أمين فإنه كان يقصد بذلك الإشارة إلى أنه يرى المرأة في حالة استعباد، وأنه أتى ليحررها من هذا الرق وهذا الاستعباد، كما سنرى إن شاء الله تعالى. ولو نظرنا في معنى مصطلح التحرير لرأينا أنه يترجم أحياناً إلى (ليبريشن) أو (إيمانسفيشن)، والاصطلاح الشائع في العالم كله بالنسبة لقضية تحرير المرأة هو اصطلاح: (إيما نسفيشن)، و(إيمانسفيشن) يساوي العتق، وليس التحرير، فالتحرير كلمة أعم، لكن الإيمانسفيشن هو المصطلح الذي يعبر عن تحرير المرأة بالعتق، فانعتاق المرأة أدق في تصوير المرأة المسلمة على أنها عبدة، وأنه مطلوب تحريرها بنفس المعنى الذي سوف نستنتجه من القصة التالية. فقد كان بشر -المشهور بـبشر الحافي - في زمن لهوه في داره وعنده رفقاؤه يشربون ويطربون، فاجتاز بهم رجل من الصالحين فدق الباب عند أن سمع أصوات اللهو والمعازف، فخرجت إليه جارية فقال لها: صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر. فقال: صدقتِ؛ لو كان عبداً لاستعمل أدب العبودية وترك اللهو والطرب. فاستمع بشر محاورتهما فسارع إلى الباب حافياً حاسراً -حافي القدمين حاسر الرأس- وقد ولى الرجل، فقال للجارية: ويحك! من كلمك على الباب؟ فأخبرته بما جرى، فقال: أي ناحية أخذ الرجل؟ فقالت: ناحية كذا. فتبعه بشر حتى لحقه، فقال له: يا سيدي! أنت الذي وقفت بالباب وخاطبت الجارية؟ قال: نعم. قال: أعد علي الكلام. فأعاده عليه، فمرغ بشر خديه على الأرض فقال: بل عبد. بل عبد، ثم هام على وجهه حافياً حاسراً، حتى عرف بالحفاء فصار لقبه: بشراًً الحافي ، فقيل له: لمَ لا تلبس نعلاً؟ قال: لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حافٍ، فلا أزول عن هذه الحالة حتى الممات. الشاهد من القصة قول الرجل للجارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ قالت: حر. فقال: صدقتِ؛ لو كان عبداً لخاف من مولاه. أو كما قال، يعني: لو كان محققاً معنى العبودية. فهؤلاء يريدون أن نكون أحراراً بهذا المعنى الذي هو التحرر من شرع الله ومن أوامر الله عز وجل، والخروج من عبودية الله إلى عبودية كفار الشرق وكفار الغرب، فالحقيقة أن هذه العبودية هي مما يفخر به المسلم. ففعلاً إنهم يريدون تحرير المرأة من عبوديتها لله، وهذه هي حقيقة دعوة قاسم أمين و الشاذلي ومن استنوا بسنتهما، فنحن نفخر بأننا عبيد لله سبحانه وتعالى، كما يقول الشاعر: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا والرسول صلى الله عليه وسلم أشرف صفة رفعت مقامه عند الله هي إمعانه في اتصافه بالعبودية، ولذلك فإن أعظم مديح تمدح به رسول الله عليه السلام أن تقول: عبد الله ورسوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، ولما ج......

 

أهداف دعاة تحرير المرأة، وذكر بعض أقوالهم

 

 

 

سنسلك مسلك من يبدأ من الأخير، وبعد ذلك الذاكرة ترجع وتأتي من البذرة، فسنبدأ بالحصاد ونقول: إن الإنسان أول ما يقرأ ردود الأفعال بشأن المؤتمر الأخير هذا -مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة العربية- فأول كلمة يقولها الإنسان: آمنت بأن الله سبحانه وتعالى حليم صبور فلولا حلم الله سبحانه وتعالى لاندكت الأرض من تحتنا؛ لأن الإلحاد والكفر قد وصل إلى هذا المدى، والله سبحانه وتعالى حليم يعطيهم فرصة ويمهلهم لعلهم يتوبون ولعلهم يستعتبون، وكم كانت الحياة سعيدة هادئة مريحة قبل هذه الحركة النسوية المشئومة! وهذا المؤتمر انعقد ما بين (23-28 أكتوبر) يعني لمدة ستة أيام، عقد خلالها أكثر من ستين ندوة ومائة مائدة ومائدة مستديرة وجلسات شهادة، وحين تقرأ كلامهم تحس أن المتكلم حاقد على الدين حاقد على الإسلام. وقد أتت شاذات الآفاق من هؤلاء النسوة المنحلات، أتين من الشام ومن المغرب، ومن الشمال ومن الجنوب، أتين ليصفين حسابهن مع الإسلام ومع دين الله عز وجل! والحقيقة أنه تصدى لهن في المؤتمر ناس عاديون ليسوا متطرفين مثلنا، وبالعكس، فلقد قامت واحدة من الصحفيات وهي متبرجة تماماً في غاية التبرج فكتبت في الأهرام الأدبي تنتقد هذا المؤتمر؛ لأن الصاع اشتط والكيل طفح، إلى حد أن هؤلاء الذين لا يتهمون بالتطرف ولا بالأصولية ما أطاقوا هذا الفجور وهذا الانفجار. وقد كان هناك مؤتمر حصل أيضاً في اليمن قريباً، وكان عن جندرة اللغة، وجندرة اللغة يبدو من السياق أنهم يريدون بها عملية تأنيث اللغة، ويتهمون اللغة العربية بأنها منحازة للرجال، ووصل الإلحاد بإحدى الملحدات الكافرات من اليمنيات الخبيثات إلى أنها -والعياذ بالله- قالت كلاماً شنيعاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا في حكايته، لكن وصل إلى حد أنها تريد التعبير عن الله سبحانه وتعالى بغير لفظ (هو)! فرد عليها رئيس تحرير جريدة (عقيدتي) التابعة للحزب الوطني وغضب غضباً شديداً ووقف واعترض اعتراضاً شديداً، فهذا الإلحاد هو الحصاد! وقد كان الناس من زمن يكتبون ويقولون: سوف يحصل. والعلماء لما تصدوا لـقاسم أمين كانوا يقولون: سدوا الذرائع. لأنهم أشفقوا من المستقبل، فكانت هذه الأمور متوقعة، أما الآن فنحن رأينا الحصاد ولمسناه بأيدينا. وقد حاول أحد الصحفيين أن يحتج بالنصوص الشرعية، وأن يذكرهم بقول الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، وبأحكام الحجاب وتطبيق الشريعة، فهاجمه الفنان التشكيلي عدلي رزق الله ووصفه بالجحش، وأنه جاهل؛ لأنه يستدل بآيات قرآنية! وقد هاجمت سلوى بكر تطبيق الشريعة في السعودية قائلة: إن محاولة إرهاب المواطنين -الحدود أصبحت إرهاباً- بقطع اليد عقاباً على السرقة وجلد الزاني والزانية هي أمور رجعية لم تعد صالحة لهذا العصر! وأتحدى أن يأتوا بعالم واحد على وجه الأرض لا يكفر من يقول هذا. والكاتبة الكويتية ليلى العثمان كانت هناك تعليمات بعدم التدخين فلم تستطع أن تستحمل وهي على المنصة، فأشعلت أول سيجارة وتبعها الباقي على هذه السنة، وقد كانت تحاكم في الكويت بتهمة الفجور والخروج على الأدب، فقالت: إن من حق المرأة أن تكتب عما يتعلق بالفواحش والسياسة والدين كما يفعل الرجل تماماً! وهذا الدكتور جابر عصفور يقول: الحجاب مسألة ثانوية لا نشغل أنفسنا بها، ومن حق المرأة أن تختار ما تريد بدون ضغط عليها! وهذا الدكتور محمد حافظ ذياب يقول: الحجاب أنواع: هناك الحجاب السلفي، والحجاب التكفيري، والحجاب الإخواني، هذا الحجاب يتعامل مع الجسد باعتبار أنه خطيئة، ويقول: إنه حجاب واسع فضفاض داكن يلائم كل الأغراض السياسية والاجتماعية، وأحياناً يتم استخدامه لتخبئة السلاح! وأنا حقيقة أختزل الكلام ولا أذكره بالنص؛ لأنه يوجد كلام لا أقوى على النطق به؛ لأنه كلام إباحي إلى أقصى مدى! وقد طالبت حياة الحضري -وهذه حذفت كثيراً من كلامها- بإلغاء إذن الزوج لسفر المرأة أو عملها، وإلغاء حق التأديب، والمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، وبين الزوج والزوجة ونحو ذلك!......

 

المشكلة الحقيقية لدعاة وداعيات تحرير المرأة

 

أقول: فتش عن العقد في حياة محررات المرأة فستجد أن المشكلة بالنسبة لهنَّ أنهن أفلسن ولم يفلحن في الحصول على رجل، هي هذه كل مشكلاتهن في كل الأجيال، فهو عبارة عن ثأر مبيت نتيجة ظروف في الغالب. وأنا أتكلم بتفصيل أكثر، وبالذات عن نوال السعداوي، فإنها بعثت من أمريكا -حيث تقيم الآن- رسالة للمؤتمر تقول فيها: مع تصاعد القوى السياسية الدينية في بلادنا اشتدت القيود على النساء. أي أنها تتهم الحكومة هنا بأنها متواطئة مع التيارات الإسلامية لتقييد حرية المرأة، وأن هناك خطة بين الاثنين من أجل هذا الأمر. وتقول: انتشرت ظاهرة التدين بين الرجال، وظاهرة الحجاب بين النساء، واشتدت عمليات التخويف من عذاب القبر والحرق بالجحيم وتعليق المرأة من شعرها يوم القيامة إن خالفت الله أو الأب أو الزوج! وهذا الدكتور شريف حتاتة يقول: إن الأصولية والعولمة والحداثة ضد تحرير المرأة؛ حيث إنها تتفق على أن المرأة جسد فقط دون عقل. وهذه الدكتورة نجلاء القليوبي تعلق على مطالب المؤتمرات وتقول: إنهن يطالبن بنوع آخر من الاستعباد، نوع تافه وهزيل. تعني: أنتم لا تريدون تحرير المرأة، بل أنتم تريدون استعباد المرأة ثم تقول: إن من أحلى ما سمعته من صديقة ارتدت الزي الإسلامي عندما سألتها: ما هو شعورك لما تحجبت؟ قالت: شعرت بالحرية. ......

 

دور أعداء الإسلام في الدعوة إلى تحرير المرأة

 

أذكر بالمناسبة قصة أخت أمريكية فاضلة تدعى حالياً شريفة كارلو مشهورة جداً الآن في النشاط الإسلامي، هذه المرأة أصلاً كانت شابة صغيرة تدرس في أمريكا، وكانت متحمسة جداً لدعوة تحرير المرأة وحقوق المرأة، فالتقطها مجموعة من الناس، تقول عنهم: إنهم موظفون ولهم مناصب كبرى في الحكومة الأمريكية. قالت: وبينهم عداوات شديدة جداً، ومختلفون على كل شيء إلا على شيء واحد فقط هو تدمير الإسلام والقضاء على الإسلام، فأتاها واحد من كبراء ووجهاء هذه المجموعة التي لها مناصب عالية في الحكومة الأمريكية وقال لها: نرى عندك كفاءة وهمة ونشاط وتحمس لقضية المرأة، وأنا أعدك إذا سلكتِ مسلكاً معيناً في الدراسة وتأهلت أعدك بمنصب في السفارة الأمريكية في القاهرة؛ لتذهبي بعدما تتأهلين لتعملي هناك وترتبطي بالداعيات إلى تحرير المرأة هناك وترفعي مطالب شأن المرأة... إلى آخره. فهذه الأخت اجتهدت جداً في الدراسة حتى إنها حصلت تحصيلاً عالياً جداً في اللغة العربية وفي التاريخ الإسلامي وفي الفقه وفي القرآن وفي الأحاديث، وعلموها كيف تلوي الأدلة -كما تقول هي- وكيف تدخل الشبهات على المسلمين، وكيف تقنعهم بأن الإسلام ظلم المرأة، إلى آخر هذه الأشياء المقررة. وأثناء الدراسة بدأ الإسلام يغزو قلبها كما هو شأنه مع كثير ممن يحاولون قهره فيقهرهم، فبدأ الإسلام يغزو قلبها، أو بتعبيرها: باتت تهتز لما تعاملت مباشرة مع أحكام الإسلام وجمال الإسلام وشرائع الإسلام، فخافت على نفسها، فقالت: أنا هكذا سأفقد ديني، فأنا سأعالج الموضوع هذا بأن أذهب إلى متخصص في اللاهوت -قسيس- ويعلمني العقيدة ويثبت عقيدتي، فذهبت إلى دكتور في اللاهوت من جامعة هارفرد في أمريكا، وعنده دكتوراه في اللاهوت، ومتخصص في الدراسات النصرانية اللاهوتية، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الرجل ينتمي إلى فرقة معروفة، لكنها تكاد تكون مندثرة، وهي فرقة الموحدين من النصارى، وهؤلاء الموحدون لم يدخلوا في الإسلام، لكنهم مقتنعون تماماً بأن عيسى مجرد نبي، وأنه لم يصلب، وأنه لا يوجد ثالوث ولا شيء من الكلام هذا كله، لكنهم لم يؤمنوا بالنبي عليه السلام، فوجدت أن له دراسات كثيرة جداً عملها في النصوص، وأنه فقد الثقة تماماً بالتراجم الموجودة للإنجيل والتوراة، فبحكم تخصصه في دراسة النصوص باللغة الأصل -وهي اللغة الآرامية، واللغة العبرية، واللغة اليونانية التي كان يترجم إليها الإنجيل وهذه الكتب- اطلع على نصوص فعلاً أثبتت التحريف القطعي في الكتب الموجودة عندهم والمترجمة. تقول: ما أن انتهيت من المقرر الذي درسته معه حتى أزال من قلبي آخر بقايا العقيدة النصرانية. أي أن الإسلام قضى في الأول عليها قليلاً وهو أجهز على كل ما عندها وغسل دماغها تماماً من أي ارتباط بهذه العقيدة، حينئذ بدأت تتصل بالمراكز الإسلامية في أمريكا، وتراسل بعض الإخوة هناك ويراسلوها، وتعاملوا معها، وفي يوم من الأيام اتصل بها أحد الإخوة من مدينة أخرى وقال لها: هذه الليلة سوف يحضر مجموعة من الإخوة المسلمين أرجو أن تقابليهم، وأظنهم حوالي عشرين أخاً ذهبوا إلى هنالك، وكان معهم عالم باكستاني متخصص جداً في هذا المجال وعلى علم كبير. تقول: رأيت عنده علماً لم أره عند أحد، وظل يناقشها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وبعدما أجاب عن كل أسئلتها وانشرح صدرها تماماً قال لها: لماذا لا تدخلين في الإسلام؟ ففوجئت بالسؤال، وقالت: إني كثيراً ما جودلت وعلمت حتى شتمت، ولكن لم يقل لي أحد: ادخلي في الإسلام. فتقول: صادفت هذه الكلمة وقت انفتاح قلبها للهداية، فشهدت الشهادتين في الحال، والآن اسمها: شريفة كارلو من أنشط الداعيات على مستوى العالم إلى الإسلام، ولها مقالات في الحجاب، وأنا أذكر لها مقالة باللغة الإنجليزية، ترجمت عنوان المقالة: بمجرد ما غطيت رأسي تفتح عقلي. أي أنها رأت النور ورأت الهداية بمجرد أن تغطت، لكن هؤلاء الدجالين يقولون: إن الحجاب حجاب على العقل، وإن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها جسد فقط ... إلى آخر هذه الترهات. ولها مقالات كثيرة، والعجيب أني رأيت لها مقالات تتكلم فيها على أنواع التوحيد: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، ومقالة أخرى في الشرك وكيف ظهر في العالم، وتتكلم على قصة طروء الشرك في عهد نوح عليه السلام، وأن سببه الغلو في الصالحين، وتنقل نقولاً باللغة الإنكليزية، وتقول: شيخ الإسلام ابن تيمية قال كذا وكذا؛ لأنها تضلعت من العلوم في أثناء فترة دراستها، فإنها تضلعت من هذه العلوم حتى تطعن في الإسلام في الصميم، والحقيقة أن هذا أنموذج من النماذج التي تبين كيف أن الله سبحانه وتعالى يفتح لهذا الدين قلوب الناس. وكما قلت: كتبت صحفية في الأهرام -وهي متبرجة تماماً- تستنكر قلة حياء المحاضرات، وتقول: على المرأة بعد مائة عام تحرير أن لا تطالب بـقاسم أمين جديد، إنما بمن يعلمها الدين الذي كله حياء. وقد تفوهت كثيرات بعبارات تخدش الحياء، وبكلام قبيح للغاية، حتى قال سامح كريم في صحيفة الأهرام: هل كان الفيلسوف الألماني شوفن هاور على حق حين قال: إن الرجل أكثر حياء من المرأة؟ فبلا شك أن الرجل أكثر حياءً من أمثال هؤلاء النسوة. وكالعادة ليس من الممكن أن يفوتهن أنهن يشددن ثياب بعض وشعور بعض، وقد تشاجرن على المنصة وصرخن، حتى صرخت إحداهن في الجلسة الأولى بأعلى صوتها قائلة: نحن نريد قاسم أمين جديداً يحرر المرأة من المرأة! فالحقيقة أن المجتمع قفز من مرحلة كان الناس فيه يذمون المرأة ويقولون عنها: هذه وجهها مكشوف. وكانوا حينما يريدون أن يذموا امرأة بأنها ما عندها حياء يقولون: هذه وجهها مكشوف، كان في أيام البذرة، والحصاد الآن وصل إلى مرحلة تفكك لا يستطيع أحد أن ينكرها، بل وصل الأمر إلى حد أنه في إحدى الدول العربية قامت طالبات كلية الشريعة بالسباحة لابسات أقبح ما يمكن من أزياء السباحة، فهللوا لذلك وقالوا: هذه بداية مرحلة التنوير، وهذه بداية التغلب على الأصولية في هذه البلاد، وهؤلاء السابحات هن طليعة التنوير الإسلامي ورسولات الإسلام المستنير في هذه البلد! فهذا هو الحصاد، وهذه إشارة هذا الحصاد الذي رأيناه في مؤتمر (القاهرة) ثم في مؤتمر (بكين) الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تحطيم الأسرة تماماً، والقضاء على الأسرة، وإيجاد تعريف جديد للأسرة. ومن هذا الحصاد ما نعانيه الآن من القنوات الفضائية ذوات القصف الإعلامي المركز. وهكذا انتشار المجلات النسائية التافهة، فإذا أردنا أن نفتح كشف حساب ختامي لوضع المرأة في نهاية القرن الذي مضى فلا شك أن العاقبة في غاية المرارة، وأنه مما يغنينا عن إكثار الكلام في هذا الموضوع عن هذا المؤتمر وما حصل فيه؛ فإنه لا يمكن أن يفضح أحد دعوة قاسم أمين بمثل ما فعل هؤلاء الملحدات، حيث وقفت واحدة منهم تقول: أنا ملحدة، وأصر على أني ملحدة، وأرفض أن يصفني أحد بأني مسلمة! وبالنسبة لهذا الشر ليس جديداً علينا؛ لأننا الآن في عصر الغربة الثانية، كما قال النبي عليه السلام: (وسيعود غريباً كما بدأ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم. قلنا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)، يعني: مَنْ غير اليهود والنصارى؟ فكل الشر يأتينا من أوروبا، ويأتينا من الكفار، ومن الشر الذي أتانا هذه الدعوة المشئومة، كما ورد إلينا منهم كثير من الشرور الأخرى. ......

 

الجذور الأوروبية لتحرير المرأة

 

هذه مقدمة بسيطة تتعلق بجذور تحرير المرأة في الغرب: الجذور الثقافة الأوروبية أساساً ترجع إلى التراث اليوناني والروماني الوثني، وأصول الحضارة الغربية ترجع إلى التراث اليوناني والروماني الوثني، وفي الحقيقة هي تنبذ الدين وتنبذ التوراة والإنجيل. ومعلوم أن في هذا التراث أنَّ أفلاطون في دولته الخيالية التي افترضها جعل النساء متاعاً في طبقة الجنود، على أساس هذا التراث بنيت علاقات الرجال بالنساء، ولا شك أن هذا يصطدم تماماً مع الإسلام الذي يحرص على الستر وعلى العفاف، وقد تكلمنا من قبل مراراً على المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، والتي منها صيانة العرض، وصيانة الشرف، وفي الإسلام العرض له قيمة عظمى جداً، وهكذا الشرف. أما اللغات الأوروبية فكلها تخلو من كلمة (العرض)، فلا تعرف كلمة (العرض) فضلاً عن المعاني الحقيقية لهذه الكلمة، فأصلاً الشرف والعرض والصيانة هذا مما لا قيمة له عندهم، والإسلام لأنه يعطيه قدراً عظيماً جداً وضع الاحتياطات الكفيلة بعدم المساس بهذه الأمور المصونة أو اختراق حجب الستر والعفاف، فعندهم حينما يحصل التحلل والاختلاط ونحوهما لا يخسرون شيئاً في تصورهم؛ لأنهم لن يصطدموا مع عقيدة، أما نحن فهذا يصطدم مع عقيدتنا، ولا يمكن لإنسان أن يكون مخلصاً وملتزماً بدعوة قاسم أمين إلا إذا خرج من الإسلام، فكما رأينا وصلوا إلى حد أنهم يقولون: تحرير المرأة هو المساواة بين الرجل والمرأة. أي: المساواة بينهما في الميراث وفي كل شيء. وهذا خروج من الملة، ويقولون غير ذلك من الكفريات التي وصلوا إليها. فأصل دعوة تحرير المرأة هو انعكاس لدعوة مماثلة شاعت في الغرب في القرن التاسع عشر، وهي أحد فروع التوجه العلماني الليبرالي الذي كان عدواً للنصرانية، فالنصرانية لها تصور عجيب جداً عن المرأة في فترة شباب النبي عليه الصلاة والسلام، حيث إنه في نفس الوقت عقد في فرنسا مؤتمر يناقش: هل المرأة لها نفس أم أنها حيوان وليس له نفس؟! واتفقوا في النهاية على أن لها نفساً، لكن لا ترقى إلى روح الرجل. فقد كانوا في غاية التخلف بالنسبة لموضوع المرأة، وتحرير المرأة نشأ في الغرب كرد فعل من موقف النصرانية واليهودية من المرأة. وهؤلاء استوردوا موضوع تحرير المرأة من الغرب، والغرب تبنى فكرة تحرير المرأة مضادة للكنيسة ومضادة للنصرانية، فعندما تستورد فلابد أن يحصل تغيير، فأصبح العدو هو الإسلام! إنه تعميم ظالم، كما حصل في قضية العلمانية، فأصبح العدو الذي يجب تحرير المرأة منه هو الإسلام، أو بالتعبير المموه: (العدو هو التفسيرات الخاطئة للإسلام) من أجل أن يهذبوها ويستطيعوا خداع الناس بها، وهذا التعبير المألوف والمطروح هو على سبيل التقية، مثل تقية الشيعة، فيدّعون أن الذي يدعون إليه هو سماحة الإسلام ويسر الإسلام، وأنه الإسلام الصحيح. وهذا الإسلام الصحيح يشترط أن العلمانيين وحدهم هم الذين أوتوا مفاتحه ولا يستطيع أحد أبداً أن يصل إلى الإسلام الصحيح إلا هؤلاء العلمانيون، وهؤلاء المتحررة، أما العلماء والفقهاء والمتخصصون فلا يتكلمون باسم الإسلام؛ لأنهم رجعيون! فالحقيقة أن الاشتباك مع الإسلام لم يكن؛ لأن الإسلام يعادي المرأة أو يقمع المرأة، ولكن لأن النبع الأم الذي استوردت منه هذه الفكرة كان يعادي دين النصرانية، فلابد أيضاً أن يعادي في بلادنا الدين الذي هو دين الإسلام. وهذه الدول الأوروبية التي احتلت معظم بلاد المسلمين سعت منذ اللحظة الأولى لإحلال نظام العلاقات الأوروبية بين الرجال والنساء محل العفاف والستر الإسلاميين، وعلى هذا كان موضوع تحرير المرأة وإحلال النظم الأوروبية -أو بتعبير أدق: الفوضى الأوروبية- في علاقات الرجال بالنساء محل العفاف والستر والصيانة الذي تتميز بها المرأة المسلمة، وكان هذا الإحلال يمثل ركيزة أساسية في مشروعهم للقضاء على هوية الشعوب المسلمة واستقلالها الاعتقادي والتشريعي والأخلاقي. ......

 

البذور الأولى لتحرير المرأة العربية

 

كان المجتمع المصري قبل مقدم نابليون ملتزماً بالإسلام وأخلاقياته، وكان كل من خرج على هذه الأخلاقيات يلقى العقاب والردع، وكان الحجاب على رءوس النساء جميعاً حتى النصرانيات واليهوديات المصريات، ولم تظهر امرأة سافرة إلا زوجات القناصل الأوروبية في مناخ الاحتلال، وكان يحصل انتشار النساء الفرنسيات في شوارع القاهرة؛ لأن الحملة كان معها كمٌّ كبير من العلماء والباحثين؛ لأنها كان لها هدف خبيث جداً، وكان معهم مطبعة، وكان معهم أيضاً حوالي ثلاثمائة امرأة، وهؤلاء النسوة هن بذرة الفساد في مصر؛ لأنهن بدأن ينتشرن في الشوارع ويفسدن المجتمع بصورة فاحشة جداً، في تبذل وتبرج وفساد، وبدأت بعض النسوة غير المسلمات يحاكين أولاء النسوة، ولم يمر حوالي أربعة عشر شهراً حتى انقلبت الأوضاع رأساً على عقب. ومن الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها أنّ أول مواجهة حصلت حين ثار المسلمون في مصر ضد هذا الوضع، فقد كانت ثورة القاهرة الأولى في (21 أكتوبر 1798م) أي: منذ حوالي قرنين من الزمان، وكان السبب في ثورة القاهرة الأولى أساساً هو هذه الإباحية التي انتشرت وأرادت أن تحل محل العفاف. ومعروف أن ثورة القاهرة الأولى قادها أئمة المسلمين وعلماؤهم وطلبة الأزهر، وأحبطت الثورة بعد أن أطلقت المدفعية الحديثة على الأزهر والمساجد المختلفة، ودخلوا الأزهر وحولوه إلى إسطبل للخيول، وكل هذه القصص الوحشية التي فعلها الفرنسيون معنا معروفة، ومع ذلك يأتي الخونة ليحتفلوا بذكرى احتلال مصر على يد نابليون بونابرت ، ويذكرونا بكلام طه حسين لما كان يستنكر على المسلمين المغاربة كيف يقاومون الاحتلال الفرنسي، ويقول لفرنسا: اصبري؛ فهذا عناء وثمن لابد أن تدفعيه في سبيل فرض الحضارة على هذه الشعوب المتوحشة! واندلعت ثورة القاهرة الأولى كرد فعل ضد الانحلال الذي كان يمارسه الفرنسيون، وهذا حقيقة هو فعلاً بدء البذرة الأولى لتحرير المرأة. وهذه البذرة الأولى التي وجدت في مصر جاءت مع الحملات الغربية بقيادة نابليون بونابرت ، وحصلت ثورة القاهرة الأولى، ثم بعد خمسة أشهر تقريباً وستة أيام حصلت ثورة القاهرة الثانية وكليبر لم يجد بداً من قصف المدينة بالمدافع وتجويعها حتى تسلِّم. وفي الحقيقة هم يقولون: مرور مائة سنة على تحرير المرأة العربية، وهذا تعبير غير صحيح، فليست مائة سنة، بل هي مائتان، إلا إذا كانوا يقصدون صدور كتاب، أما البذرة الأولى فكانت نتيجة هذا الاحتكاك بالفرنسيين في الحملة الفرنسية، وهذا الكلام هو الذي قاله لويس عوض كما سنبين إن شاء الله، هذا أمر. الأمر الثاني: أن كلمة (المرأة العربية) كلمة غير صحيحة، فلم يكن المسلمون حينذاك يعرفون مصطلح (المرأة العربية)، وما عرفوا إلا المرأة المسلمة فقط، وقاسم أمين ما كان موجهاً دعوته إلى المرأة العربية ولا المرأة النصرانية ولا المرأة اليهودية، إلى المرأة المسلمة. ولويس عوض كتب يقول: إن تحرير المرأة بدأ (1800م) وأن الحملة الفرنسية كانت نقطة الانطلاق إلى تحرير المرأة من كل قيد بما فيه قيد الدين والخلق والحياء. وعام (1800م) هو عام هزيمة ثورة القاهرة الثانية حينما سبى جنود الاحتلال الفرنسي نساء مصر وبناتها وغلمانها! هذا هو عام تحرير المرأة المصرية في زعم لويس عوض . والجبرتي وصف بدايات حركة السفور، ووصف بداية حركة تحرير المرأة ووصف ما أصاب بعض نساء القاهرة من الانحلال نتيجة مخالطة المصريين للفرنسيين ومحاكاتهم في الزي وفي السلوك، والجبرتي يتكلم عن الأسافل من النسوة، وهو يسميها (ثورة نساء) أو (ثورة حريم) يعني أنهمن كن يقعن في الفاحشة والبغاء نتيجة الاختلاط بالجنود الفرنسيين، وبدأ ذلك ينتشر في المجتمع. فـلويس عوض وهو تلميذ المدرسة الاستعمارية يصر على أن هذه كانت ظاهرة عامة ليست في الأسافل، كما يقول الجبرتي : إن الأسافل من الجواري والسفل من النساء هن اللائي كن يفعلن ذلك. فهو يرى أن هذه ثورة تحررية، ويجعل من انحطاط المرأة إلى حد التكسب بالفاحشة ثورة نساء وبداية تحرر المرأة، فـلويس عوض يؤرخ بداية تحرير المرأة بثورة القاهرة الثانية؛ لأن الدليل عليها ما قاله الجبرتي -وهو كلام شديد-: أما الجواري فذهبن إليهم أفواجاً وفرادى وأزواجاً، فنططن الحيطان، وتسلقن إليهم من السيقان، ودلوهن على كذا وكذا .. إلى آخره. فيحكي أيضاً ما كان يحصل من الفواحش والتبرج والاختلاط بالفرنسيين ومصاحبتهم في المراكب والرقص والغناء والشرب في النهار والليل بالفوانيس والشموع الموقدة... إلى آخره. هذه هي بداية تحرير المرأة، ثم يأتون إلى الإسلام ويقولون: الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها كذا وكذا. فمن الذي يعامل المرأة على أنها سلعة؟! فالإسلام هو الذي كرمها، ومع هذا يأتي هذا الخبيث ويرى أن بداية تحرير المرأة هو هذا الفجور والفساد والتفسخ الذي حصل من سفلة النساء في مصر، وادعى أيضاً أن طبقات النساء اللواتي حاكين المتبرجات والعادات الفرنسية قد طرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار، واتسعت هذه الدعوة بتأثير سبايا الفرنسيين المتحررات من بنات بولاق. فرائدات تحرير المرأة في نظره هن هؤلاء السبايا المتحررات؛ لأنهن كنَّ يمارسن البغاء وهذه الأشياء، فانظر إلى العجب! وكيف لا تتعارض عنده (سبايا) مع (متحررات)؟! لأن الحرية التي يقصدها هنا هي الحرية الشهوانية بمعناها السوقي المبتذل، فيمكن في نظره أن تكون المرأة جارية سبية وفي نفس الوقت متحررة، بل طليعة ثورة تحررية؛ لأنها تتبرج في ثيابها وتخرج سافرة الوجه متأبطة ذراع محررها ومالكها في نفس الوقت، وأيضاً مع فصل كامل بين حرية المرأة المملوكة وحرية هذا الوطن الأسير! هذا هو ما يتعلق بموضوع البذرة الأولى لتحرير المرأة، وهو ثورة القاهرة الثانية التي قام بها المسلمون المجاهدون من علماء الأزهر ومن طلاب الأزهر ومن الطبقة الفقيرة من المجتمع المصري، قامت هذه الثورة ضد الحملة الفرنسية من أجل التصدي لهذا التفسخ وهذا الانحلال الذي يعتبرونه بداية تحرير المرأة. ......

 

مفهوم الحجاب الشرعي

 

وبالنسبة لقضية الحجاب فإن كلمة الحجاب في العرف الذي استعمله قاسم أمين لم يقتصر المقصود به على ما نفهمه الآن، فالحجاب كانوا يفهمونه بالوضع الصحيح، أي أن كلمة (الحجاب) عبارة عن عنوان لمجموعة من الأحكام الشرعية التي تنظم وضعية المرأة في المجتمع الإسلامي، سواء فيما يتعلق بالثياب أو فيما يتعلق بالقرار في البيوت أو غير ذلك من الفروع في هذه القضايا. فالحجاب ليس المقصود به موضوع ملابس المرأة فقط، ولكن الحجاب بمعناه الأوسع -وهو المعنى الصحيح الذي كان يدركه قاسم أمين هو قرار المرأة في البيت وعدم مخالطتها للرجال، وعند خروجها أيضاً تلتزم بالحجاب الشرعي الكامل، هذا فيما يتعلق بهذا التعريف؛ لأننا سوف نحتاج إليه.......

 

نمو حركة تحرير المرأة في مصر

 

وبالنسبة لبدايات الحركة -كما قلنا- كانت البذرة الأولى هي أول اصطدام وأول احتكاك حصل بين المصريين وأوروبا في خلال الحملة الفرنسية، ثم خففت هذه الدعوات، وبعد ذلك أصبحت البذرة تنمو أكثر وأكثر حينما بعث محمد علي باشا والي مصر المبعوثين إلى فرنسا ليتلقوا الخبرات والمهارات الفنية، وأخرج معهم شيخاً أزهرياً من أجل أن يحافظ عليهم هناك، ويصلي بهم، وهو المشرف الديني عليهم، وهو الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ، فأقام في باريس خمس سنوات، وما إن عاد إلى مصر حتى بدأ هو يبذر بذور كثير من الدعوات الدخيلة على البيئة المصرية. فـرفاعة الطهطاوي هو أول من دعا إلى فكرة الوطنية القومية بمعناها المادي المحدود، فإن المسلمين قبل ذلك ما كانوا يعرفون إلا الرابطة الإسلامية، ولم يعرفوا قومية عربية ولا شعوبية ولا فرعونية، فأول من استورد فكرة الوطنية بمعناها الوثني المحدود وهو التمسك بقطعة معينة من الأرض وغير ذلك من المفاهيم المعروفة عن الوطنية والقومية هو رفاعة الطهطاوي ، استوردها من فرنسا حينما رجع من واقع الحياة الفرنسية، وكذلك أخذ طبعة من فرنسا في قضايا جريئة جداً مثل موضوع الكلام على موضوع الطلاق واختلاط الجنسين، وقال: إن السفور والاختلاط ليس داعياً إلى الفساد. وطالب بأن نقتدي بالفرنسيين في إنشاء المسارح والمراقص، وقال: إن الرقص على الطريقة الأوروبية ليس من الفسق في شيء، بل هو عياقة وسلبنة. يعني: أناقة وفتوة. وكان يحرض عليها. فأول من أثار قضية تحرير المرأة هو رفاعة الطهطاوي في القرن التاسع عشر الميلادي، وسن بذلك أسوأ السنن، حتى إنه حاول أن يضع هذه الأفكار النظرية موضع التنفيذ، وحصلت مقاومة لهذا الأمر. والمحطة الثانية حصلت بعد ذلك في القرن التاسع عشر، فالقذيفة التي تليها كانت لقس مصري يدعى مورقس فهمي عام (1894م) بعد الاحتلال الإنكليزي بحوالي اثنتي عشرة سنة، فظهر أول كتاب في مصر أصدره هذا الرجل مورقس فهمي ، وهو من أصدقاء كرومر ، أظهره محتمياً بالنفوذ البريطاني، وكتابه هو (المرأة في الشرق)، دعا فيه صراحة -وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المصرية- إلى تحقيق أهداف خمسة: أول هذه الأهداف: القضاء على الحجاب الإسلامي. ثانياً: إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها. ثالثاً: تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي. رابعاً: إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط. خامساً: منع الزواج بأكثر من واحدة. وأصلاً هو نصراني، فلماذا يخاطب المسلمين ويطالبهم أن يتخلوا عن دينهم؟! وما له ولموضوع التعد؟ وهذا الكتاب أحدث ضجة عنيفة، ولم يفق المسلمون من الصدمة التي أحدثها هذا الكتاب حتى ظهر كتاب آخر لفرنسي يدعى الدوق داركير حيث ألف كتاباً اسمه (المصريون)، حمل فيه على نساء مصر، وهاجم المصريين، وتعدى على الإسلام، ونال من الحجاب الإسلامي، وهاجم المثقفين المصريين لأنهم يسكتون على هذه الأوضاع ولا يريدون أن يتمردوا عليها. ولجأ بعد ذلك الاستعمار الإنكليزي إلى الأميرة نضلي فاضل، وهي أم الملك فاروق ، وطلب منها أن تساند مورقس فهمي من خلال صالونها الذي كانت تقابل فيه الرجال.

 

ترجمة قاسم أمين وكتابه تحرير المرأة

 

قبل أن نذكر الدور الذي فعله قاسم أمين في هذه المرحلة نشير إلى أن قاسم أمين -للأسف الشديد- إسكندراني، ولد في (1 ديسمبر 1863) في الإسكندرية، والتحق بمدرسة رأس التين الابتدائية بالإسنكدرية، وكانت تقع بحي رأس التين، وقيل: إن أباه من أصل كردي. وقيل: إن الأصل للأسرة تركي. سافر إلى فرنسا ليتم تعليمه هناك، وتأثر جداً بالإقامة في فرنسا، حتى إنه صرح بأن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة والتمثيل والتصوير والموسيقى، فبعدما كان الناس يقولون: مصر أم الدنيا. أصبح في باريس يقول: مصر خادمة الدنيا يعني أنها تستحق أن تسمى خادمة الدنيا، وتعرف على صديقة فرنسية تدعى سلافا ، فكانت تصحبه إلى المجتمعات الفرنسية، وتقرأ معه في كثير من الكتب. وكان هناك حركة نسائية في ذلك الوقت تأثر بها قاسم أمين ، ومن هنا بدأ يضطرب قاسم أمين ، وكانت أول خطوات قاسم أمين -وهي المحطة الأولى- أنه تألم من كتاب داركير عن المصريين، فألف رداً باللغة الفرنسية في نبرة دفاعية تبريرية ضد هذا الكتاب، فكان فيه نوع من الاستخزال؛ حيث كان يخاطب هذا الرجل الفرنسي ويدافع عن الإسلام، فيقول له: إن الإسلام دين خلقي لا يقل عن المجوسية ولا عن المسيحية، وإن روح القرآن لا تختلف عن الروح الإنجيلية! يقول: ولهذا كان أمام مصر طريقان: العودة إلى تقاليد الإسلام، أو محاكاة أوروبا، وقد اختارت الطريق الثاني، إنها قد خطت اليوم بعيداً في هذا الطريق حتى ليصعب عليها الارتداد عنه، إن مصر تتحول إلى بلد أوروبي بطريقة تثير الدهشة، وقد أخذت إدارتها وأبنيتها وآثارها وشوارعها وعاداتها ولغتها وأدبها وذوقها وغذاءها وثيابها تتسم كلها بطابع أوروبي، لقد اعتاد المصريون قضاء الصيف في أوروبا كما اعتاد الأوروبيون قضاء الشتاء في مصر، فلعل أوروبا تقدر لمصر مسيرتها، ولعلها ترد لها يوماً بعض هذا الود الكبير الذي تكنه لها مصر! وقاسم أمين في أثناء الكتاب انتقد بعض النساء اللائي يخالطن الرجال ويبرزن أمام الرجال، فاصطدم في هذه الحالة بالأميرة نضلي فاضل ؛ لأنه لم يكن في هذا الوقت من يتشبه بالنساء الأوروبيات ويخالط الرجال غيرها في صالونها الذي اتخذت منه مركزاً للتغريب، وإلى دعوة تحرير المرأة بصفة خاصة، وكان من رواد هذا الصالون سعد زغلول والشيخ محمد عبده وغيرهم. فغضبت جداً من كلام قاسم وقالت قولاً شديداً بعد أن تهددت وتوعدت، وأمرت جريدة المقطم الناطقة بلسان الإنكليز أن ترد على قاسم أمين وتفند أخطاءه، لكن اقتنع قاسم أمين بضرورة تصحيح خطئه، واتفق معه سعد زغلول و محمد عبده على أن ينشر كتاباً يصحح فيه خطأه، ويؤيد فيه الدوق داركير ، ويواصل مناصرته لكتاب (المرأة في الشرق) لـمورقس فهمي. فهذه هي الظروف التي ولد فيها كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، وكان الذي توسط بين الأميرة وبين قاسم أمين هو -للأسف الشديد- الشيخ محمد عبده ! فتقدم قاسم أمين بالاعتذار إلى الأميرة وقبلت اعتذاره، وظل يتردد على صالونها، ووضع كتابه الأول الذي هو (تحرير المرأة)، وفي هذا الكتاب ألغى الأفكار الدفاعية التي دافع فيها عن الإسلام في كتابه (المصريون) واتجه منحىً آخر، فيقول مثلاً: فالتركي نظيف صادق شجاع، والمصري على ضد ذلك، إلا أنك تراهما رغماً عن هذا الاختلاف متفقين في الجهل والكسل والانحطاط، إذاً لابد أن يكون بينهما أمر جامع وعلة مشتركة هي السبب الذي أوقعهما معاً في حالة واحدة، ولما لم يكن هناك أمر يشمل المسلمين جميعاً إلا الدين ذهب جمهور الأوروبيين وتبعهم قسم عظيم من نخبة المسلمين إلى أن الدين هو السبب الوحيد في انحطاط المسلمين وتأخرهم عن غيرهم! وقد تناول في كتابه مسألة الحجاب، واشتغال المرأة بالشئون العامة، وتعدد الزوجات، والطلاق، وفي كل هذه المسائل يأخذ بما يذهب إليه الغربيون! وهو في المرحلة الأولى كانت النبرة عنده هادئة في قضية الحجاب، وجعل كل المعركة منصبة حول حكم كشف الوجه، وأنه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، فكان يقول في هذا الكتاب: الحجاب أصل من أصول الأدب يلزم التمسك به، ولكني أطالب بأن يكون منطبقاً على الشريعة الإسلامية. ثم قال: إن الشريعة ليس فيها نص يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة، وإنما هي عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين، والدين منها براء. وظل يتكلم كلاماً فقهياً، غير أنه من المعلوم والمشهور أنه كان ضحلاً جداً في الناحية الشرعية، ولم يكن عنده أي علم على الإطلاق، ولذلك اتفق كل من أرخ للكتاب على أن الفصول التي تناولت مناقشة القضايا الشرعية كتبها له الشيخ محمد عبده ! وقد علق الشاعر أحمد شوقي على دعوة قاسم أمين فقال: في مطلب خشن كثير في مزالقه العثور ولك البيان الجذل في أثنائه العلم الغزير حتى لنسأل هل تغار على العقائد أم تغير؟ ما بالكتاب ولا الحديث إذا ذكرتهما نكير يقول قاسم أمين في بعض المواضع: في البلاد الحرة قد يجاهر الإنسان بأن لا وطن له، ويكفر بالله ورسله، ويطعن على شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم، ويقول ويكتب ما شاء الله في ذلك، ولا يفكر أحد أن ينقص شيئاً من احترامه لشخصه متى كان قوله صادراً عن نية حسنة واعتقاد صحيح! يعني أن من يكفر بالله ورسله ويشتم الأنبياء ليس هناك مشكلة معه ما دام الاعتقاد عنده صحيحاً والنية حسنة! يقول: كم من الزمن يمر على مصر قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الحرية؟ فنقول: لم تمر مائة سنة حتى سمعنا هؤلاء الذين يكفرون بالله ورسله. والغريب أن في نهاية كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" شاء الله تعالى أنه ختم آخر سطر في الكتاب بقوله: تم كتاب (تجريد المرأة)، وهو خطأ مطبعي، لكن معناه صحيح، وبعد ذلك حورب قاسم أمين وقوبل باعتراضات شديدة جداً، إلا أن سعد زغلول في هذه المرحلة وقف يسانده، واتهمه المعارضون بالهذيان، وهاجمه علماء الدين، وحكم الفقهاء بأنه خرق في الإسلام ومروق من الدين وضرب من المبالغة في تقليد الغربيين، وأنه يمالئ الإنكليز على ضياع البلاد، وأنه ينفذ أمنية من أماني الأمم الصليبية التي تريد أن تهدم الإسلام وتقوض البلاد والأخلاق. وفي الهند ترجم الكتاب، وانتشر فيها انتشاراً كبيراً جداً. وممن ناصروا قاسم أمين وبادروا إلى تأييد دعوته في كتاب "تحرير المرأة" جورجي نيقولا باذ ، حيث ألف كتابين يؤيد فيهما قاسم أمين هما: "إكليل الغار على رأس المرأة" والآخر " النسائيات". ......

 

بعض الذين ردوا على قاسم أمين

 

ولم يكتف دعاة الحق بالمقالات العنيفة، بل ألفوا حوالي مائة كتاب رداً على كتاب "تحرير المرأة" منها: "السنة والكتاب في حكم التربية والحجاب" لـمحمد إبراهيم القاياتي ، و"الجليس الأنيس في التحذير عما في تحرير المرأة من التلبيس" للـبولاقي ، و"خلاصة الأدب" لـحسين الرفاعي ، و"نظرات في السفور والحجاب" للغلاييني ، و" قولة المرأة" لـمصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، و"رسالة في نشرات الحجاب" لـمصطفى ندى ، و"رسالة الفتى والفتاة" والعديد من هذه الكتب والرسائل التي يتعمد إخفاؤها. وهناك شخصية مشهورة جداً قامت مع تأييد الحجاب، وهو محمد طلعت حرب الاقتصادي المعروف الذي اقترن اسمه -للأسف الشديد جداً- بشئون الاقتصاد الربوي، فإنه ألف أول كتاب في الرد على قاسم أمين ، واسم الكتاب (تربية المرأة والحجاب) استنكر عليه دعوته وقال: إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا في العالم الإسلامي. ثم يقول: إنه لم يبق حائل دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق ولا في مصر وحدها إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل، بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق. وهناك شخصية أخرى هامة جداً في هذا الموضوع، وهذا أيضاً مما يتعمد إخفاؤه، ونحن نحفظ من المدرسة عند أن كنا ندرس كتب التاريخ عيوب مصطفى كامل ، فمن المشهور من عيوبه أنه كان يدافع عن الرابطة بالدولة العثمانية، وينادي ببقاء مصر ولاية عثمانية تحت حكم الخلافة العثمانية، هذا هو العيب المشهور عنه، لكن له عيب ثانٍ إن جاز التعبير، وهو أنه كان أشد أنصار الحجاب على الإطلاق في الساحة السياسية، ولم يتصد أحد لدعوة قاسم أمين بمراحله المختلفة مثلما فعل مصطفى كامل رحمه الله وعفا عنه، حيث كان مصطفى كامل يتحسس الأصابع الإنكليزية وراء حركة قاسم أمين التي يديرها النادي المشبوه، وهو صالون الأميرة نضلي ، والذي كان يضم أذناب الاستعمار الإنكليزي، وقد قاوم مصطفى كامل هذه الدعوة المسمومة بشدة، حتى إنه أعلن عن فتح جريدة، وجعل صدر صحيفته (اللواء) منذ أول ظهورها لكل من يريد أن يطعن على قاسم أمين وأفكاره، وكان ينشر أي رد على قاسم أمين . ......

 

قاسم أمين يعزز دعوته بكتاب المرأة الجديدة

 

والشعراء كان لهم موقف، فهذا الشاعر محرم كان له قصيدة جميلة جداً يقول فيها: أغرك يا أسماء ما ظن قاسم أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم تضيقين ذرعاً بالحجاب وما به سوى ما جلت تلك الرؤى والمزاعم سلام على الأخلاق في الشرق كله إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم قاسم لا تقذف بجيشك تبتغي بقومك والإسلام ما الله عالم لنا من بناء الأولين بقية تلوذ بها أعراضنا والمحارم أسائل نفسي إذ دلفت تريدها أأنت من البانين أم أنت هادم؟ ولولا اللواتي أنت تبكي مصابها لما قام للأخلاق في مصر قائم نبذت إلينا بالكتاب -كتاب"تحرير المرأة". نبذت إلينا بالكتاب كأنما صحائفه مما حملن ملاحم ففي كل سطر منه حتف مفاجئ وفي كل حرف منه جيش مهاجم إلى أن يقول رداً عليه: لنا في كتاب الله مجد مؤثل وملك على الحدثان والدهر دائم إذا نحن شئنا زلزل الأرض نابنا ودانت لنا أقطارها والعواصم هممنا بربات الحدالي نريدها أقطيع ترعى العيش وهي سوائم وإن امرأً يلقي بليل نعاجه إلى حيث تستن الذئاب لظالم وكل حياة تثلم العرض سبة ولا كحياة جللتها المآثم أتأتي الثنايا الغر والطرر العلا بما عجزت عنه اللحى والعمائم فلا ارتفعت سفل الجواء بصاعد إذا حلقت فوق النسور الحمائم عفا الله عن قوم تمادت ظنونهم. يعني الذين يحسون الظن بـقاسم أمين . عفا الله عن قوم تمادت ظنونهم فلا النهج مأمون ولا الرأي حازم ألا إن بالإسلام داءً مخامراً وإن كتاب الله للداء حاسم. وهذا الشاعر جواد الشبيبي أيضاً رد مستنكراً هذه الدعوة الآثمة يقول: منع السفور كتابنا ونبينـا فاستنطق الآثار والآيات تلك الوجوه هي الرياض بها ازدهت للناظرين شقائق الوجنات كانت تكتم في البراقع خفية من أن تمس حصانة الخطرات واليوم فتحها الصبا فتساقطت بعواصف الألحاظ والقبلات صوني جمالك بالبراقع إنها ستر الحسان ومظهر الحسنات ويقول الشاعر أيضاً: أولم يروا أن الفتاة بطبعها كالماء لم يحفظ بغير إناء من يكفل الفتيات بعد ظهورها مما يجيش بخاطر السفهاء ومن الذي ينهى الفتى بشبابه عن خدع كل خريدة حسناء نص الكتاب على الحجاب ولم يبح للمسلمين تبرج العذراء ماذا يريبك من حجاب ساتر ميز المهاة وطلعة الزلفاء ماذا يريبك من إزار مانع وزر الفؤاد وظلة الأهواء ما في الحجاب سوى الحياء فهل من التهذيب أن يهتكن ستر حياء هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى لو أصدقتك ضمائر الجلساء شيد مدارسهن وارفع مستوى أخلاقهن لصالح الأبناء أسفينة الوطن العزيز تبصري بالقعر لا يغررك سطح الماء ويقول أيضاً الشاعر حسيب علي حسيب شاعر سوداني -أيضاً- راداً على قاسم أمين بقوله: دعوا في خدرها ذات الدلال فقد أرهقتموها بالجدال رأيت شعورها الحساس مضنى على هذا الجمود عن المعالي تذوب وقد تناظرتم حياءًَ بفحش اللفظ أو هجر المقال ويعلو خدها خطر ينادي أيا للنساء من الرجال! زعمتم تعشقون لها صلاحاً فظني أن ذا عشق الجمال ومسألة السفور غدت قديماً لدى الكتاب مشكلة النضال وما أحد لها يدعو فماذا يريد الناس من قيل وقال أحباً في مناجاة الغواني ترى أم ذاك زهداً في المعالي بلى فالعلم عندهم كريم ولكن المتيم غير تالي دعوها فهي تؤلمها كثيراً سهام المصلحين بالاعتدال عجبت لحلمهم في كل خطب وإن ذكر البنات دعوا نزال أي أنه يتعجب ويقول: المصائب عندما تنزل بالأمة تكونون حلماء لا تحركون ساكناً، ولكن إذا جاءت دعوة تحرير المرأة وخروج المرأة وتبرجها دعوا نزال -أي: المعركة- كي يخوضوا فيها. ...... 

الهدف الحقيقي من دعوة قاسم أمين

 

ولم يلبث قاسم أمين حينما أحرج بهذه المواجهة الصارمة أن أسفر عن وجهه الحقيقي وكشف في جرأة وصراحة عن أهدافه المغرضة، فأظهر في العام الثاني مباشرة قاسم أمين كتاباً رفع فيه شعاراً في غاية الصراحة (خير الهدي هدي أوروبا) وهو لم يقلها باللفظ لكن هذا معنى كلامه، وهو كتاب "المرأة الجديدة" بدت فيه بصمات الفكر الغربي واضحة، حيث حمل فيه على المدنية الإسلامية، وادعى أنه لا سبيل إلى الإصلاح الاجتماعي سوى اقتفاء آثار الغرب وقطع الصلة بماضي أمتنا. يقول: لأن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هو من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعاً لمحاربتها؛ لأنه ميل إلى التدني والتقهقر، هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه، وليس له من دواء إلا أن نربي أولادنا على أن يعرفوا شئون المدنية الغربية، ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها! وفي الكتاب السابق كان متمسكاً بالحجاب، لكن يقول بكشف الوجه، وفي هذا الكتاب قطع بأن الحجاب عادة لا يليق استعمالها في عصرنا. وحاله كما قال الشاعر: يرمرم من فتات الكفر قوتاً ويلعق من كئوسهم الثماله يقبل راحة الطاغوت حيناً ويلثم دونما خجل نعاله وقد حصلت ردود فعل شديدة جداً بالنسبة للكتاب الثاني الذي هو (المرأة الجديدة)، حيث تصدى له من جديد مصطفى كامل ، وكتب يقول: هذا الكتاب أخرجه أخيراً قاسم أمين ليدعم به أمر كتابه الأول، ويفتح به آفاقاً جديدة لتحلل المسلمين من دينهم وأخلاقهم. وفي هذه الحال أيضاً أعلن الخديوي عباس حلمي عن رأيه في مسألة الحجاب، وصدر بيان من الخديوي يقول: يرى الجناب العالي حفظه الله في مسألة الحجاب وإطلاق حرية النساء ما يراه الشرع الشريف، ويأمر به. ولما حضر قاسم أمين إلى المعية السنية، والتمس تقديم الكتاب إلى سموه أبى الخديوي قبول كتاب "المرأة الجديدة"، وفي نفس الوقت قبل كتاب "الاحتجاب" لأحد العلماء الذين يدعون إلى الحجاب، وأعرب عن عظيم امتنانه لنشره ... إلى آخره، وأصدر الخديوي أمراً بمنع قاسم أمين من دخول القصر في أية مناسبة. ......

 

دور الإنكليز في الدعوة إلى تحرير المرأة

 

وفي عام (1908م) مات قاسم أمين ، فأوحى الإنكليز إلى شيعته أن يقيموا له ما يسمى بحفل تأبين، وأرادوا أن لا تنقطع الدعوة بموته. وفي المقابل قام الرجال في الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل فأقاموا احتفالاً كبيراً بالدعوة إلى الحجاب، ولإبراز أصابع الإنكليز في فتنة السفور. وبعد ذلك حصلت طفرة شديدة جداً بالنسبة لقضية تدمير المرأة، وهي قيام ثورة التاسع عشر، فكانت أكبر طفرة حصلت في حركة تحرير المرأة؛ لأن المرأة خرجت للمظاهرات وشاركت فيها، ولا أدري ما هي علاقة المرأة بموضوع المظاهرات، وهل الإنكليز هم الذين فرضوا عليها الحجاب؟ وهل هي تقاوم الإنكليز من أجل أنهم هم الذين أمروها بالحجاب؟ الحجاب فرض عليها منذ ثلاثة عشر قرناً فما هي علاقة خروج النساء في مظاهرات ضد الإنكليز، ويهتفن ضد الإنكليز. وهذا هو فن صناعة الأبطال، فواجب على البطل أن يكون له مجد وله مآثر وله إنجازات من أجل أن يبرز الناس هذه السموم التي يريد أن يبثها. ......

 

محمود عزمي وسعد زغلول في الدعوة إلى تحرير المرأة

 

ومن ضمن التعبيرات الخطيرة جداً تلك التي صرح بها رجل يدعى محمود عزمي حيث قال: تأثرت بكتب قاسم أمين تأثراً عجيباً جعلني أمقت الحجاب مقتاً شديداً، ويرجع إلى اعتبار خاص هو اعتبار أن الحجاب من أصل غير مصري، ودخوله إلى العادات المصرية كان عن طريق تحكم بعض الفاتحين الأجانب. قال: فكان حنقي على أولئك الأجانب الفاتحين الإسلاميين يزيد. وكما قلت في البداية: القضية هي صراع بين إسلام وكفر، هدىً وضلال، حق وباطل، وحي وهوى، ولا يوجد خط وسط أبداً بين الاتجاهين. وكان لزوجة سعد زغلول صفية مصطفى فهمي دور خطير في هذا الوضع، فحينما رجع سعد زغلول من المنفى قامت صفية زغلول بإلقاء الحجاب من على وجهها، وهذه هي مكافأة المرأة من أجل أنها شاركت في مقاومة الاحتلال، فتدخل علي الشمسي و واصف بطرس ، حيث اعترض واصف بطرس غالي وقال لـسعد زغلول : هذا سيعمل رد فعل شديد في المجتمع، كيف تكون صفية زغلول تكشف وجهها؟ فرد عليه سعد زغلول وقال: المرأة خرجت إلى الثورة بالبرقع، ومن حقها أن ترفع الحجاب اليوم، فرفعت صفية زغلول الحجاب، وطلبت من النساء رفع الحجاب فرفعت الحاضرات الحجاب. هذه كانت بداية الطفرة في موضوع تحرير المرأة، ولا شك أن كشف الوجه كان ذريعة إلى كثير من المفاسد التي حصلت بعد ذلك، كما ذكرت الأشعار التي تبين أنه كان المصريون في غاية التمسك بالحجاب، كما يقول حافظ إبراهيم : فلو خطرت في مصر حواء أمنا. لأنه يدعي أن حواء كانت سافرة، وكذلك يدعي أن مريم كانت سافرة، فيقول حافظ إبراهيم : لو جاءت حواء كاشفة وجهها ومريم عليها السلام وجاء معهما موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام وجيش من الأملاك ماجت مواكبه، وكل هؤلاء قالوا لنا: رفع النقاب حلال لقلنا لهم: صحيح، لكن سنتجنبه ولن نعمله. فيقول: فلو خطرت في مصر حواء أمنا يلوح محياها لنا ونراقبه وفي يدها العذراء يسفر وجهها تصافح منا من ترى وتخاطبه وخلفهما موسى وعيسى وأحمد وجيش من الأملاك ماجت مواكبه وقالوا لنا رفع النقاب محلل لقلنا لهم حق ولكن نجانبه ......

 

هدى شعراوي وتحرير المرأة

 

وبعد ذلك خطا الناس إلى أبعد مما نادى به قاسم أمين ، فـقاسم أمين ادعى أنه يريد الوقوف بالحجاب إلى حيث أمرها الله بكشف الوجه والكفين فقط، وكل المعركة في المرحلة الثانية التي هي كتاب "تحرير المرأة" كانت متعلقة بكشف الوجه والكفين، والذي كتب له هذا الكلام هو محمد عبده كما ذكرنا، فلم يدع في هذه المرحلة قط إلى كشف العورات كالأذرع والسيقان وغيرها، ولم يدع إلى الاختلاط بالرجال ومراقصتهم ولا إلى شيء من ذلك. بل زوجة قاسم أمين كانت محجبة حجاباً كاملاً، بل إنها ظلت ترتدي البرقع والحدرة وقاسم كان ينادي بفكرته، لكنه لم يطبقها في أسرته إلا على النشأ الجديد، ثم قالت زوجة قاسم أمين : إن بنات الجيل الحالي وشبابه قد أخطئوا فهم هذه الدعوة وتجاوزوا مداها، فالمظهر الذي تظهر به الفتاة في هذا العصر ليس سفوراً، بل بهرجة فظيعة لم تخطر على بال قاسم أن ينادي بها أو يدعو إليها، وإنما كان قاسم ينادي بالسفور الشرعي، أي: كشف الوجه، فكلمة السفور تعني الكشف الذي لا يزيد على إظهار الوجه واليدين والقدمين، ولا يتجاوز إلى إظهار العورات وإلى اختلاط المرأة بالرجل بالشكل الحاصل الآن. تقول: وإني أعتقد أن قاسم بيك لو كان حياً لما رضي عن هذه الحال، بل لانبرى إلى محاربتها. وقد أخذت الأمور تتطور بسرعة شديدة، وقد شل جسم الحياء من المرأة فأفضت تحدث وتجالس وتصافح وتختلط وتضاحك عامة الناس وأصدقاء وأقارب الزوج وإن بعدوا وإن سفلوا، وألقت المرأة بعد ذلك ملاءتها بعيدا ًعن ساحة الحياء، وخرجت في ملابس ملونة ومزخرفة أخذ المقص يجور عليها حتى خرجن كاسيات عاريات. وقد تتابعت التطورات في سرعة مذهلة، ولم تدع فرصة للمعارضة، وأعان على اندفاعها جو الثورة التي تلت الحرب وما كان يوحي به من جرأة ومن تمرد على كل قديم. وفي عام (1919م) حصلت مظاهرة قامت بها النسوة، وكان عددهن ثلاثمائة، وفي بعض الكتب الوثائقية صورة للنساء في هذه المظاهرات. وكانت هدى شعراوي في صراع شديد مع زوجها لأنها تذهب إلى المظاهرات، وكان يقول لها: هل أنت ستحرجين الإنكليز إذا عملت مظاهرة؟! وإذا ضربوك بالنار تقولين: يا لهوي! ويا لهوتي! وكذا، تقول: فتركته وانصرفت لألحق بزميلاتي الذي كن ينتظرنني في الخارج. وقد تهكم منهن حافظ إبراهيم حيث يقول في وصف هذه الغزوة: خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهنه فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهنه وضللن مثل كواكب يسطعن في وسط الدجنه وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنه يمشين في كنف الوقار وقد أبن شعورهنه وإذا بجيش مقبل والخيل مطلقة الأعنه وإذا الجنود سيوفها قد صوبت لنحورهنه وإذا المدافع والبنادق والصوارم والأسنه والخيل والفرسان قد ضربت نطاقاً حولهنه والورد والريحان في ذاك النهار سلاحنه فتطاحن الجيشان ساعات تشيب لها الأجنه فتضعضع النسوان والنسوان ليس لهن منه ثم انهزمن مشتتات ال شمل نحو قصورهنه فليهنأ الجيش الفخور بنصره وبكسرهنه فكأنما الألمان قد لبسوا البراقع بينهنه وأتوا بهند نبرج مخـ تفياً بمصر يقودهنه فلذاك خافوا بأسهن وأشفقوا من كيدهنه وقد تردت أوضاع المرأة بعد ذلك إلى وضع لم يكن يحلم به قاسم أمين ، حيث قامت حركة هدى شعراوي ، وكان لها تأثير سيئ جداً، وقد سافرت إلى باريس وأمريكا، وحصل منها تصريحات واجتماعات تدعو فيها إلى تحرير المرأة. وفي هذه المرحلة أيضاً كتب الشاعر محمد عبد المطلب قصيدة جميلة جداً يصف أحوال المرأة في ذلك الزمان يقول فيها: ما في بنات النيل من أرب لذي غرض نبيل أصبحن عاباً في الزمان وسوءة في شر جيل ما هذه الحضرات تهفو في الخمائل والحقول نكر العفاف ذيولها ومن الخنا قصر الذيول إن ينتسبن إلى الحجاب فإنه نكد الدخيل يختلن أبناء الهوى بالدل والنظر الختول من كل خائنة الحليل تهم في طلب الخليل ما لابنة الخدر المصون وربة المجد الأثيل أودى كثيف نقابها بكرامة الأم البتول يعني: يشتكي من أن النقاب شفاف، هي هذه المشكلة كلها. يقول: وعلا رنين حجولها أسفاً على الذيل الطويل فإذا مشت هتك النقاب محاسن الوجه الجميل ولقد ينم عبيرها فتحسه من نحو ميل ترتاد خائنة العيون بلحظ فاتنة قتول ثم يعرض بـقاسم أمين فيقول: يا هل درى ذاك الغيور بما جرى ويح الجهول أهي التي فرض الحجاب لصونها شرع الرسول جعل الحجاب معابها من ذلك الداء الوبيل يا منزل القرآن نوراً للبصائر والعقول عميت بصائر أهـل وادي النيل عن وضح السبيل ذهلوا عن الأعراض لو يدرون عاقبة الذهول ......

 

هل يستجيب دعاة السفور إلى ما تستلزمه دعوتهم من منكرات

 

وقد اندفع تيار السفور والتبرج ولم يستطع أحد أن يوقفه، فهذا شكيب أرسلان كتب مقالة يقول فيها: عند إعلان الدستور العثماني سنة (1908م) قال أحمد رضا بيك من زعماء أحرار الترك: ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية على جسر غلطة أو بلطة -الذي يربط بين آسيا وأوروبا- وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية. وكانت هذه هي المرحلة الأولى، يقول شكيب أرسلان : وفي هذه الأيام بلغني أن أحد مبعوثي مجلس أنقرة الكاتب رفقي بيك الذي كان كاتباً عند جمال باشا في سوريا كتب: إنه ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت ولو كان من غير المسلمين، بل ما دامت لا تعقد مقاولة مع رجل تعيش وإياه كما تريد مسلماً كان أو غير مسلم فإنه لا يعد تركيا قد بلغت رقياً. هذه هي المرحلة الثانية، يقول شكيب أرسلان : فأنت ترى أن المسألة ليست منحصرة في السفور، ولا هي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجيء كيفما تشاء، بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصل بعضها ببعض لابد أن ينظر الإنسان إليها كلها من أولها إلى آخرها، فإذا كان ممن يرى حرية المرأة المطلقة فعليه أن يقبلها بحذافيرها، أما أن نجمع بين حرية المرأة وعدم حريتها، وأن نطلق لها الأمر تذهب حيث أرادت وتحادث من أرادت وتضاحك من أرادت وتغامز من أرادت ثم إذا صبا قلبها إلى رجل من غير جنسنا فذهبت وساكنته وكان بينها وبينه ما يكون بين الرجل وزوجه أقمنا القيامة ودعونا بالمسدس وقلنا: يا للحمية! يا للأنفة! يا للغيرة! يا للعرض! فهذا لا يكون، وليس من العدل ولا من المنطق أن يكون. ثم يقول: والنتيجة التي نريدها قد حصلت، وهي أن سلوكنا مسلك الأوروبيين حذو القذة بالقذة في هذه المسألة له توابع ولوازم لابد أن نقبلها، ولا يبقى معها محل لكلمة (أعوذ بالله) كلا! لا يوجد هناك: (أعوذ بالله) بل تلك مدنية وهذه مدنية، تلك نظرية وهذه نظرية، فعلينا أن نختار إحدى المدنيتين أو إحدى النظريتين مهما استتبعت من الأمور التي كان يقال في مثلها عندنا: (أعوذ بالله)! ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى ارتفع صوت الصحفي الكاثوليكي إبراهيم المصري في مصر فكتب مقالة سنة (1925م) يقول فيها: إننا لم نخط بعد الخطوة الحاسمة في سبيل تطبيق روح الحضارة العصرية على عاداتنا وأخلاقنا وأساليب حياتنا، إن نساءنا العصريات المتعلمات اللواتي يطالعن الصحف ويقرأن القصص ويغشين المسارح ودور السينما لا يزال يحال بينهن وبين الظهور في المجتمعات البيتية أمام رجل غريب، فنحن قد سلمنا بمبدأ تعليم نسائنا، ولكنا لم نسلم بعد بقدرة هؤلاء النساء على الانتظام في حفل كبير يضم عدداً مختاراً من أفراد الجنسين، ويتألف منه مجتمع مصري مختلط أشبه بالمجتمعات الأوروبية التي نشهدها في مصر، ونحسد الأجانب عليها! يقول: إن هذا راجع إلى أن ثقة الرجل المصري بالرجل المصري لا تزال معدومة، وقد تركز على ذلك أنك أصبحت ترى امرأة صديقك السافرة في الشارع وفي المحل التجاري وفي دار المسرح أو السينما، ثم لا تستطيع أن تراها في بيتها لتتفهم حقيقة شخصيتها، وتعرف كيف تعيش وكيف تشعر وكيف تفكر، أصبحت تبصرها في الحياة العامة وتعجب بها، ولكنك متى أردت تهذيب عواطفك وصقل إحساساتك ومشاعرك بالجلوس إليها والتحدث معها وإشراكها في المسائل التي تشغل عقلك وعقل باطنك حيل بينك وبينها، واتهمت بفساد النية وسوء القصد! ثم يقول: إن المجتمع المختلط هو الذي يقرب مسافة الخلف بين الجنسين، ويقيم علاقات الرجل والمرأة على قاعدة التفاهم الفكري العاطفي! ثم يقول: على المصريين أن يخرجوا من عقولهم، فالاعتقاد الشرقي الشائع بأن الرجل والمرأة متى التقيا فلابد أن ينهض الشيطان بينهما وينفث في نفسيهما سموم الرذيلة والشر هذا هو سر تأخرنا، وهو بقايا عصور الجهل والخوف والظلام! ولا حول ولا قوة إلا بالله! يقول الإمام ابن دقيق العيد : من عذيري من معشر هجروا العقل وحادوا عن طرقه المستقيمة لا يرون الإنسان قد دان حظاً من صلاح حتى يكون بهيمة ......

 

ردود بعض الشعراء على دعاة التحلل والسفور

 

من شعر مصطفى الرافعي عن الحجاب

 

 

 

وأيضاً الشاعر الكبير الأديب العملاق مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تعالى كان له دور رائع في الرد على هذه الدعوى كعادته حيث يقول: أراك تريدين الذي لست أهله وما كل علم إبرة وثياب كسا الزهر ما تندى به راحة الصبا وهم الندى بين السيول حساب وما أحمق الشاة استثرت بظلفها إذا حسبت أن الشياه ذئاب فحسبك نبلاً قالة الناس أنجبت وحسبك فخراً أن يصونك باب لك القلب من زوج وولد ووالـد وملك جميع العالمين رقاب ولم تخلقي إلا نعيماً لبائس فمن ذا رأى أن النعيم عذاب دعي عنك قوماً زاحمتهم نسـاؤهم فكانوا كما حف الشراب ذباب تساووا فهذا بينهم مثل هذه وسيان معنىً يافع وكعاب وما عجبي أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب

 

قصيدة النجدي في بيان مفاسد السفور

 

 

وهناك قصيدة أخرى رائعة للشيخ محمد حسن النجدي يقول فيها: زعم السفور والاختلاط وسيلة للمجد قوم في المحالات أغرقوا كذبوا متى كان التعرض للخنا شيئاً تعز به الشعوب وتسبقُ أيكون كشف السوأتين فضيلة فيذيعها هذا الشباب الأحمق ما لهم والبنت قد فتنت بما قالوا وحل بها الجنون المطبق وبدت مقاتل عرضها لرماته حتى لهمّ به الجبان الأخرق والقول أصبح في الخروج لها فلا كف تكف ولا ركاب يغلق كرهوا الزواج بها وباتت سوقهـا بعد التبذل عندهم لا تنفق ما خطبهم كلفوا بنزع حجابها وتكلفوا فيه البيان ونمقوا وتناولوا بالضعف من حاجاتنا واللين ما هو بالصرامة أخلق أغدت مشاكلنا الكبيرة كلها ذيلاً يجرجره السفور المطلق أم أنهم ضلوا السبيل وغرهم بتاريخه هذا الجديد المخلق أشبابنا المرجو صيحة جازع أغرى بها هذا البلاء المحدق ونطيحة يسدي برائع سرها لقوام نهضتنا محب مشفق لا ترهفوا سمع الحفي لقالة أبداً بها بوم البطالة تنعق لم يقصدوا خيراً بها لكنهم رأوا القوي يصيبها فتملقوا ولربما اجترح القوي خطيئة فمضى الضعيف بمدحها يتشدق قوا أهلكم ونفوسكم عاراً إذا لم تتقوه بغيركم لا يعلق وتناولوا بالجزر حمراً كلما هيجت إلى متع الإباحة تنهق كيف التمدن أن نرى روح الحيـا بيد الخلاعة كل يوم تزهق والبنت يدفعها براحتها الهوى فتروح تهوى من تشاء وتعشق لكنه العلم اهتدى بضيائه غرب البسيطة حين ضل المشرق

 

ما قاله سعيد الجابري

يقول الشيخ سعيد الجابري : رفع النقاب وسيلة إن حبذت ضمت إليها للفجور وسائل فالاختلاط فمرقص فتواعد فالاجتماع فخلوة فتواصل

 

أبيات أخرى تدعو إلى الحجاب وتحذر من السفور

 

ويقول آخر: يا أخت سابغة البراقع في الأباطح والوعور قري ببيتك حيث لا تؤذيك ناطحة الهدير ودعي الجنوح إلى السفو ر وخففي ألم العشير النمر لو لزم الشرى من كان يطمع في النمور والطير تأخذها خباث الصيد في ترك الوكور

 

ابن الخطيب يرد على دعاة السفور

 

وهذا جميل صدقي الزهاوي ألف قصيدة يقول فيها: أخر المسلمين عن أمم الأرض حجاب تشقى به المسلمات ونقول: هل لما تعرت المرأة المسلمة تقدمنا وحلت المشاكل؟ الجواب: لا. بل الحصاد هو كما رأينا، وقد رد عليه ابن الخطيب قائلاً: بئسما يدعي فلاسفة العصر من أن السفور فيه الحياة وهو حق إذ إن أسلافنـا الـ أعراب من فرط من يحبون ماتوا يعني أنه يقول: السفور فيه الحياة. ونقول: هذا صحيح؛ لأن أسلافنا العرب كان منتشراً عندهم الحجاب الكامل، ولم يكن هناك سبيل لرؤية المرأة، بل كان الرجل إذا عشق امرأة يموت؛ لأنه لا يستطيع أن يراها، كما يقول الشاعر: ما كان أغناني عن حب من من دونه الأستار والحجب فيقول ابن الخطيب : بئسما يدعي فلاسفة العصر من أن السفور فيه الحياة وهو حق إذ إن أسلافنـا الـ أعراب من فرط من يحبون ماتوا يا خليلي! حدث عن الشرق قدماً حين كانت تعظم المعجزات حين كان القرآن يرجى ويخشـى والقوانين آيه البينات حين كان الحديث يتلـى ولا ير ويه إلا ذوو العقول الثقات إننا في الزمان نلفي أناسـاً في التوضي علومهم قاصرات أي أن هؤلاء الدعاة إلى تحرير المرأة لا يعرفون كيف يتوضئون أصلاً، ولا يعرفون كيفية شرح الوضوء والطهارة. وهمُ بعد يدَّعـون علومـاً أنكرتها عصورنا الخاليات ليت شعري ماذا يريدون منا وصنوف الأذى بنا محدقات بنت مصر هاتي سفـورك واغشـي كل ناد ولتمل منك الجهات عرفي نفسك الغداة وطوفي لا تفكي الأسواق والحانات ثم أمي مجالس القوم وادعي هم إلى حيث لا تمل الدعاة علناً بالسفور نبني حصوناً شامخات بها ترد العداة وعسانا نرى البرايا سدوداً لابن مصر وقد علاه السبات ولعمري لقد بكى الدين حزناً حين قال الخطيب يا سيدات إشارة إلى السنة التي كان يحلم بها قاسم أمين، حيث قال: متى يأتي اليوم الذي أرى فيه النساء مختلطة بالرجال والخطيب يقول: سيداتي آنساتي سادتي! فهذه كانت أمنية يحلمون بها، ولهذا فالشيخ ابن الخطيب رحمه الله يقول هنا: ولعمري لقد بكى الدين حزناً حين قال الخطيب يا سيدات

 

واقع المرأة التي أريد لها التحرر والتطور

 

لقد فقدت المرأة التي كان يلوح لها أنصارها بسعادة التحرر والتطور وجودها كامرأة، ولو قبضت على دينها لقبض الله عنها السوء وبسط لها الحلال، ولكنها ابتذلت وأهينت على يد أصدقائها وأنصارها وكانوا هم أول من زهد فيها. لقد انحسرت المرأة وغادرت حجابها وغادرت حصنها وعصت ربها، فماذا جنينا؟! لقد خالطت الرجال واختلط الحابل بالنابل، فهل زالت العقد النفسية؟ وهل استقر ما في دواخلهما؟ وهل جنينا سوى الثمار المريرة! ولن نطيل في وصف الهاوية التي تردت إليها المرأة المتحررة بفضل أنصارها وأصدقائها الكذابين؛ لأن الواقع حولنا يكفينا مؤنة هذه الإطالة، إنه واقع مرير نستطيع أن ندرك عواقبه وآثاره في كل مكان وفي كل بيت وفي كل طريق وفي كل وظيفة، ولو كنا نقول هذا توقعاً للمستقبل، أو قلناه قبل قرن مضى لاتُهمنا بالتحامل والمبالغة، لكنه واقع أليم تخبرك عنه هذه المرأة الضحية وهؤلاء الأنصار والأصدقاء إن صدقوا. ......

 

خصائص دعوة تحرير المرأة

 

من خصائص دعوة تحرير المرأة أنها منذ نشأتها وهي تدور دائماً في فلك الاستعمار، فالعمالة صفة أساسية لأغلب دعاة تحرير المرأة، وقضايا الحجاب كلها اختلطت منذ البداية بعجلة الاستعمار، وهناك علاقة وثيقة تربط دعاة تحرير المرأة والقوى المعادية للإسلام وعلمائه ودعاته. ومن خصائص هذه الدعوة: أن هؤلاء النسوة القائمات عليها لا يُعرفن بدين ولا بخلق ولا بمبدأ، ويُعرفن في الغالب بالعداء للإسلام، وهذا هو القاسم المشترك بينهن كما لاحظنا، والحال أن أعمى يقود بصيراً، فمن الذي يحرر الآخر؟! ومن هو الإنسان الذي يحررها؟ فهذه المتبرجة المحررة -أو هذه الأسيرة بالمعنى الصحيح- هي التي تحتاج إلى أن نحررها، فإن الإسلام هو الذي يحرر المرأة ويخرجها من هذه العبودية، أما أن المسلمة تقتدي بهؤلاء النسوة فهذا لا ينبغي، كما قال الشاعر: فأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطا حمالة الحطب ومن خصائص هذه الدعوة الخبيثة: أن موضوع تحرير المرأة انقلب فيه الميزان، حيث كانت علامة الفرق بين الحرة والأمة في عهد النبوة وفي عهد السلف أن الحرة تحتجب حجاباً كاملاً، وأن الأمة هي التي تكشف؛ وهذا يدل على أن الحجاب كان علامة على الحرية، وأما الآن فأصبح العهر والتبرج هو علامة الحرية في عرف هؤلاء القوم. ومن خصائص هذه الدعوة أيضاً أنها تتبنى مبدأ القومية النسائية، حيث يحاولون أن يظهروا أن النساء كلهن على وجه الأرض حزب واحد، لهن قومية اسمها (قومية نسائية). إن المرأة في كل مكان قضيتها واحدة، وهي الصراع ضد الرجل ومحاولة التحرر من سلطان الرجل، فكان دأب دعاة تحرير المرأة منذ البداية قضية تحرير المرأة فقط، ثم صارت هناك قومية خاصة اسمها (القومية النسائية) تربط المرأة المسلمة بالمرأة النصرانية واليهودية وعابدة الأصنام والأوثان والمشركة الملحدة، حتى رأينا من المتحررات من تفاخر بنساء الفراعنة عابدي الملوك والأحجار، وكأن قضيتهن واحدة ومطالبهن واحدة وأهدافهن واحدة ومعتقداتهن واحدة، وكلما تطابقت صورة المرأة مع المرأة الغربية زاد الإعجاب بها وتقريظها بأنها لا تفترق عن الأجنبية، حتى سقطت المرأة المسلمة فيما لم تسقط فيه عابدة البقر التي ظلت معتزة بزيها الخاص ومتميزة بالنقطة الحمراء بين عينيها. وهناك دور شهير جداً بالنسبة لبعض النسوة المشهورات، مثل بنت النيل التي هي درية شقيق ، فقد أنشأت حزباً اسمه (بنت النيل) وقد كانت في العمالة للإنكليز في غاية الصراحة، وكانت تحرض الإذاعة البريطانية، وتشتكي مصر لبريطانيا، وتذهب إلى الإذاعة وتعمل حملات على مصر، وهكذا، وهذا أيضاً من ملامح هذه الدعوة كما ذكرنا. ولا شك أنه قد حصلت بشائر عظيمة جداً في السنوات الأخيرة، ولكن حصل مزيد انحطاط بفضل هذا المخلوق الذي قال: إنني كما أنا ضد الحجاب فأنا ضد عبدة الشيطان! فبفضل ما فعله هذا الإنسان أو هذا المخلوق حصل من جهوده وجهود أمثاله نوع من التراجع في ظاهرة الحجاب، ولا شك في ذلك، وهذه الظاهرة في غاية الخطورة، لكن نرجو أن تكون سحابة وتنقشع، ويكشف الله سبحانه وتعالى عن الأمة هذه الكربة. يقول صحفي ألماني عاش فترة في مصر: لقد عشت في القاهرة كمراسل صحفي من سنة ست وخمسين إلى سنة إحدى وستين، ومنذ هذا التاريخ كانت طبيعة عملي وراء حضوري إلى المنطقة بين الحين والحين، وكنت أفضل دائماً الإقامة بجوار النيل، إن التغيير الهائل الذي طرأ على القاهرة عاصمة الملايين معروف للجميع، فقد انتقلت هذه المدينة الضخمة من الطابع الشرقي حيث كانت النساء يرتدين الأحجبة والرجال يرتدون الطربوش إلى عاصمة كبرى، ولم تعد الفتيات اللواتي يرتدين البنطلونات والملابس العصرية يلفتن نظر أحد أو يقابلن بدهشة واستغراب، وأصبحت العلاقة بين الجنسين علاقة سوية لا تتخللها رواسب الجاهلية التي استمرت فترات طويلة في الشرق، ويكفي أن تعلم أنه منذ عشرين عاماً فقط كان (90%) من الرجال في القاهرة يرتدون الجلباب، وكانت كل النساء تقريباً يرتدين الحجاب، أما اليوم فإن القاعدة العامة هي البدل العصرية وعلى أحدث الموضة في الغرب، وبالنسبة للنساء فإنه حتى في أكثر المناطق شعبية لم نعد نرى الحجاب! فرح ذلك الصحفي الألماني، لكنها فرحة لم تتم، فقد فرح لأنه لم يبلغه رأي أخيه بلاكوت وزير المستعمرات الفرنسي في الجزائر، فقد حصلت قصة أثناء الاحتلال الفرنسي في ذكرى مرور مائة سنة على احتلال فرنسا للجزائر، حيث وقف الحاكم الفرنسي في الجزائر يقول: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم. وقامت فرنسا من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر بتجربة عملية، فتم انتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، وأدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماماً، وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة، دعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون، ولما ابتدأت الحفلة فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذاً بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً من الاحتلال؟ أجاب بلاكوت وزير المستعمرات الفرنسي قائلاً: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟! فسبحان الله! هم يكيدون كيداً والله يكيد كيداً، يمكرون والله خير الماكرين، فقوة الإسلام ليست في جهود أتباعه؛ لأن أتباعه مقصرون ومستضعفون أيضاً، بل قوته في أنه هو دين الله الحق، ولو أن ديناً آخر جوبه بعشر معشار ما واجهه الإسلام في خلال رحلته الطويلة خلال أربعة عشر قرناً لما بقي له ذكر، ولكان قد حرف كما حرفت أديان أخرى، ولقضي عليه واندثر كما اندثرت مذاهب أخرى، لكن الحافظ له هو الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فقوة الإسلام في الإسلام ذاته، حيث إنها قوة كامنة فيه، فتجد -مثلاً- الكلام على تعدد الزوجات والطعن في أحكام الإسلام وهذا الإلحاد الذي يقوله هؤلاء المنحلون، ومع ذلك لم يضروا الإسلام شيئاً. وفي يوم من الأيام قالت أمينة السعيد : كيف نرجع إلى فقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق؟! أين هي الآن؟ فقد كانت تسخر من الحجاب، وتهاجم الإسلام، ثم مُسحت كل هذه الجهود وكل هذه الميزانيات، قال عز وجل: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، فقطعاً أن العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين. ......

 

انحسار السفور وامتداد الحجاب بين الجامعيات

 

تقول جريدة الأهرام في تاريخ (26/4/1977م): مر واحد وسبعون عاماً على وفاة قاسم أمين الذي دعا إلى تحرير المرأة ورفع الحجاب. يقول الكاتب: الغريب أنه بعد مرور واحد وسبعين سنة على وفاته وفي نفس الوقت الذي نحتفل فيه بذكراه تقوم الدعوة إلى رجوع المرأة إلى البيت وحجبها عن المشاركة في الحياة العامة. وهذا مصطفى أمين يعلن قلقه عن سبب انتشار المد الإسلامي بين الفتيات في مصر خاصة في الجامعات وبين أعلى الطبقات ثقافة، حيث يقول مصطفى أمين : حارب الأحرار -العبيد وليس الأحرار- في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها، ويظهر أن بعض الناس يريدون العودة بها إلى الوراء، وقد يحدث هذا في أي مكان، لكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر! وقال أحدهم في مجلة (صباح الخير) وقد تلقى بعض الردود المفحمة من فتيات محجبات عن آرائهن في الحب والعشق، فلم ترقه إجابات هؤلاء الأخوات، فعلق قائلاً: أي جامعة هذه، -يعني أن الجامعة لابد من أن تكون ملحدة وإلا فلا تكون متطورة- وأي طالبات جامعيات هؤلاء في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث المرأة مساوية للرجل وتصعد إلى الفضاء؟ إن كل ما يفعله المجتمع وكل ما تفعله الحكومة من تعليم البنت وتشغيلها، وما تفعله زعيمات النشاط النسائي في مصر لتأكيد هذه المساواة وتربية المرأة المصرية على الخروج على عقلية الحريم، تهزمه مثل هذه الأساليب في التربية والرعاية في المدن الجامعية للطلاب. وفي مجلة (أكتوبر) نشرت صحيفة (كرستيان ولسن) بحثاً عن الإنجازات التي حققتها المرأة المصرية في ميادين العلم والدراسات الاجتماعية، وقالت الصحيفة (كرستيان ولسن) : شيء غريب في مصر، لقد كانت الأمهات من جيل هدى شعراوي أكثر تحرراً وتقدماً من بعض الفتيات في مصر الآن. أي: الفتيات المحجبات ومعنى ذلك أن هدى شعراوي وجيلها كن أكثر تحرراً وتطوراً من فتيات اليوم، والمتحدث يتحسر على الأموال والميزانيات والجهد الجهيد الذي بذل، ويرى أن هذا كله ذهب مع الريح. لأنه هكذا الباطل، ولابد أن الحق ينتصر في النهاية، وليس هناك شك في هذا. وجريدة (الأهالي) كانت تتابع ظاهرة الحجاب في قلق وفي غيظ، وكانت تفرد لها بحثاً في أثنائها على لسان الدكتورة زينب رضوان ، وقد كان الناس من قبل يعيرون المرأة ويقولون لها: يا رجعية أنت لا تريدين أن تتعلمي ... إلى آخره، وأما في هذا الوقت فمن الذي يمنعهن من دخول الجامعات؟ ومن الذي يمنعهن من دخول المدارس؟ فأصبح الآن الموضوع ليس إقناعاً ولا حجة ولا حرية، وإنما هو قهر وإكراه. تقول زينب رضوان : انتشر الحجاب بين الطبقة المثقفة قبل العوام، وهذا على عكس ما هو متعارف عليه، ونفس هذه الطبقة المثقفة هي التي رفضت الحجاب في زمن هدى شعراوي وخلعته وداسته، هي ذاتها التي عادت تنادي به وبالعودة إلى الأصالة، بالإضافة إلى أن الغالبية العظمى من المحجبات من الطبقة الوسطى وهي الطبقة التي تقود التغيير في أي مجتمع، صحيح أنه انتشر أيضاً بين الطبقة الأرستقراطية، ولكن بنسبة أقل. وأمينة السعيد كانت تقول: الحجاب ثياب ممجوجة، فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنها زي إسلامي، لم أجد ما يعطيني مبرراً منطقياً معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لبس أجسادهن من الرأس إلى القدمين بزي هو والكفن سواء! وتقول منى رمضان في صحيفة (أكتوبر): عاد الحجاب مرة أخرى كظاهرة على وجوه الفتيات والسيدات في مصر، وهذه ليست آخر صيحة في عالم الموضة كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكنه نوع من الحشمة وإحياء التقاليد الإسلامية التي تطلب من النساء أن يدنين عليهن من جلابيبهن -تعني قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، وهذه آية قرآنية وليست تقاليد- والحشمة هنا نابعة من المرأة، وعلى أساسها فصلت هذه الثياب. وهذا زكي نجيب محمود يتباكى على تبرج الجاهلين الذي انقشع أمام الصحوة الإسلامية فيقول في مقالة بعنوان: (ردة في عالم المرأة) -أي أنه يسمي الرجوع إلى أحكام الإسلام ردة-: أصابت المرأة المصرية في أيامنا هذه نكسة ارتدت بها إلى ما قبل، هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن تطوعاً إلى هوة الماضي، والمأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والد أو زوج، إن أبشع جوانب الردة في حياة المرأة المصرية ليس أن أحداً يتدخل في شئون حياتها، أنها تريد أن تتعلم إلى آخر المدى فيمنعها أحد؛ لأن أحداً لا يمنعها من ذلك، وليس هو أنها تريد أن تعمل بما تعلمته فيمنعها أحد؛ لأن أحداً لا يقفل في وجهها أبواب العمل، وإنما الجانب البشع من تلك الردة هو أن المرأة اليوم تريد أن تجعل من نفسها وبمحض اختيارها حريماً يتحجب وراء الجدران أو يتستر وراء حجب وبراقع! ثم يتحسر على زمن السفور فيقول: ذلك زمن أوشك على الذهاب مع رائدات الجيل الماضي. ثم يقول: إن في طائفة كبيرة من نساء هذا الجيل وبناته نكوصاً على الأعقاب بالقياس إلى الطموح الذي تميزت به أمهاتهن في الجيل الماضي، وإنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع أن ترى الجيل الأصغر منه سلفياً لدرجة تزيد على المألوف، وترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية، وبينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة، رأينا ثورة شبابنا تحتج هي أيضاً على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو بها إلى نموذج السلف، وهذه مصيبة! حيث إنه يدعو الشباب إلى الرجوع إلى نموذج السلف. ثم قال في صحيفة (تتشن): حتى في الجامعات العبرية في إسرائيل بدأ الطلاب العرب والمسلمون يبدون اهتماماً متزايداً بالعودة إلى دينهم، وبدءوا يمارسون ضغوطاً على السلطات اليهودية بالسماح بفتح كليات للثقافة الإسلامية والشريعة الإسلامية في الجامعات اليهودية، كما بدأ العديد منهم يطلقون لحاهم، ويؤدون العبادات الإسلامية في الجامعات اليهودية، في حين بدأت الفتيات المسلمات في ارتداء الزي الشرعي. تقول الصحيفة أيضاً: في جامعة القاهرة يزيد عدد الطالبات بالزي الشرعي، وقد يأتي يوم لا تبقى فيه طالبة مصرية واحدة إلا وقد ارتدت الزي الشرعي الإسلامي. وهذا ليس بعيداً على الله سبحانه وتعالى، والحقيقة أن موضوع دعوة تحرير المرأة قد تلقى كثيراً من الصفعات، منها ما ذكرناه آنفاً من إقبال الفتيات على الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. والعملية ليست عملية قديم وجديد، بل العملية عملية حق وباطل؛ لأنه دين الله سبحانه وتعالى، فهم لا يستطيعون أن يستوعبوا حقيقة أن العاقبة للتقوى، وأن كلمة الله هي العليا. ......

 

الصفعات التي تلقتها دعوة تحرير المرأة

 

وهناك صفعات كثيرة تلقتها دعوة قاسم أمين ، وأقوى صفعة هي المؤتمر الأخير هذا؛ لأنها عند من يعقل كشفت سوأة هذا المذهب المدمر. ومن هذه الصفعات التي تناسب أن نوردها هنا إسلام كثير ممن هم مفتونون بهم من الغربيين، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، بل وأصبحوا ممن يلتزم بالإسلام ويلتزم بالحجاب وبالنقاب، وصاروا يدعون إلى الإسلام في غاية النشاط، وممن دخل في الإسلام منذ سنوات سفير ألمانيا الغربية في المغرب: (مراد هوفمان، وألف كتباً في ذلك، مثل كتاب (البديل الوحيد)، أي أن الإسلام هو البديل الوحيد للبشرية، ومن ضمن ما يقول في كتابه وهو يرد على الذين يقولون إن الأحكام في الإسلام أحكام قديمة وعتيقة. لنقل إن الإسلام في تمسكه بالفضيلة عتيق، نعم هو عتيق، ولنا أن نعتز بذلك، فنؤكد أن الإسلام فخور بهذا. أي: ما دام أن فيه الفضيلة. ومن الصفعات التي تلقتها دعوة تحرير المرأة أيضاً: أن هدى شعراوي كانت تعد كوادر للمستقبل، فكان من ضمن التلميذات التي كانت تعدهن للمستقبل الأستاذة زينب الغزالي ، فكانت ترسم لها -باعتبارها تلميذة وهي صغيرة- طريقاً، وشاء الله سبحانه وتعالى لها طريقاً آخر، وكانت زينب الغزالي طالما وقفت وجادلت علماء الأزهر من أجل الدفاع عن هدى شعراوي ، لكن شاء الله سبحانه وتعالى أن تتعرض لحادثة حريق، وأثناء مرضها دعت الله سبحانه وتعالى أن يشفيها، وعاهدته على ارتداء الحجاب من هذه اللحظة، فلما استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءها تخلت عن الاتحاد النسائي بقيادة هدى شعراوي ، فتلقت هدى شعراوي صفعة شديدة من هذه التلميذة النجيبة. فلم تستسلم هدى شعراوي ، وطلبت مقابلتها، ولما حضرت أخذتها بين ذراعيها وضمتها إلى صدرها وقبلتها، ثم بكت وقالت لها: يا زينب ! كنت أريدك أن تكوني خليفتي من بعدي في الاتحاد النسائي. فردت زينب الغزالي: لقد اخترت واختار الله، فأنا مع اختيار الله، وأسست جمعية (السيدات المسلمات) التي كانت تنافس وتضاد اتجاه الاتحاد النسائي لـهدى شعراوي ، وبدأ الانفصام بين الاتجاهين يزداد، لكن عند مرض موت هدى شعراوي طلبت زينب الغزالي ، فذهبت إليها ووافتها المنية وهي بجانبها. وهكذا توبة الفنانات والفنانين، فالفن هو سلاح الشيطان في محاربة الإسلام والصد عن سبيل الله تعالى وإلهاء الشباب، لكن موجة التوبة والاستقامة التي حصلت في جنود إبليس وانضمامهم إلى حزب الرحمن كانت من الصفعات الشديدة لدعوة التحرير. ......

 

الصراع بين الحق والباطل سنة كونية

 

إن أعداء الحق في كل عصر هم على وتيرة واحدة، وقلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والشئون، فالمعركة والصراع بين الحجاب والسفور، وبين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال لن تنقطع، فإن التاريخ يعيد نفسه، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، كما قال سبحانه: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]. فنحن مبتلون، والقضية أن وراءنا جنة وناراً، ووراءنا حساباً، وليست القضية قضية مذهب دنيوي يصارع مذهباً دنيوياً، أو مذهب سياسي أو اجتماعي أو غير ذلك، بل القضية أن أعداء الله يجتهدون في إطفاء نور الله عز وجل وتشويهه وصد الناس عنه، فالصراع مستمر، والصراع ما دام قائماً فهو علامة صحية؛ لأنه يدل على التمايز بين الفريقين، وزوال الحد الفاصل بين الحق والباطل هو الخطر الحقيقي الذي يهدد ذاتية وهوية هذه الأمة، فسنة الله لن تتخلف ولن تتغير؛ لأنها دنيا، والدنيا دار الابتلاء، كما يقول الشاعر: ألا إنما الأيام أبناء واحد وهذي الليالي كلها أخوات فلا تطلبن من عند يوم ولا غد خلاف الذي مرت به السنوات اللهم! من أراد الإسلام وأهله بسوء فأدر عليه دائرة السوء، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره. اللهم! اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. ......

 شبكـــة طـريــق السـلــــف      الشبكــــة الإســلاميـــــة

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

رسالة من غريق
1904 ١٢ يناير ٢٠١٧
آداب التخلي -3
2385 ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
آداب التخلي -2
1859 ٠١ ديسمبر ٢٠١٦
البيع بالتقسيط
2834 ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
السيرة البازية
1467 ١٠ نوفمبر ٢٠١٦